الشيخ "حسن الترابي" في شاهد على العصر بقناة الجزيرة (الحلقة الأولى – الجزء الثاني)
“موسى” عليه السلام دخل السودان يتعلم مع شيخ كبير رؤية للغيب على النيل
رجعت من “لندن” بعد الاستقلال وصارعت البريطانيين في تعريب العلوم
حولنا قضية الجزائر في بريطانيا من عربية إلى إسلامية وانتقلت من هناك إلى العالمية
النيل يجذب المهاجرين إلى السودان وكل أهل دارفور يتكلمون اللغة العربية
رصد – طلال إسماعيل
بثت قناة الجزيرة أول أمس (الأحد) الحلقة الأولى من برنامج (شاهد على العصر) مع الشيخ الفقيد “حسن عبد الله الترابي” الذي يقدمه الأستاذ “أحمد منصور” الذي أعاد تعريف الحلقة الأولى عقب وفاة الشيخ “الترابي”. وذكر “منصور” أنه لا يمكن أن تذكر تاريخ السودان الحديث دون أن تذكر الدور الرئيسي للدكتور “حسن عبدا لله الترابي” في صناعته، فمنذ تاريخ ولادته في كسلا بشرق السودان في الأول من (فبراير) 1932 ووفاته في الخرطوم في الخامس من مارس من العام 2016 وقعت أحداث هائلة وتغييرات كبيرة كانت بصمات الدكتور الشيخ “الترابي” ودوره الفاعل في كل تفاصيلها. درس الحقوق في جامعة الخرطوم ثم حصل على الإجازة في جامعة أكسفورد ببريطانيا 1957، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس في شهر يوليو 1964، أتقن الدكتور الشيخ “الترابي” (4) لغات، بالإضافة إلى العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية بطلاقة، وكان هذا من أسباب سعة أفقه واطلاعه على علوم واسعة، عمل بعد عودته من فرنسا أستاذاً في جامعة الخرطوم، ثم عميداً لكلية الحقوق، ثم تفرغ للعمل السياسي، لعب دوراً بارزاً في ثورة (أكتوبر) 1964م التي قامت ضد نظام “عبود” العسكري. رغم سجنه ثلاث مرات على يد “جعفر نميري” إلا أنه تحالف معه وأصبح في عهده وزيراً للعدل 1988، ثم عين نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية في حكومة “الصادق المهدي”. تحالف سراً مع العسكر بقيادة “عمر البشير” وقام بانقلاب عسكري في شهر (يونيو) 1989م، غير أن خلافاً نشب بينه و”البشير” في 1999م، أسس الشيخ “الترابي” على أعقابه حزب المؤتمر الشعبي، وأصبح في صفوف المعارضة، اعتقل وسجن عدة مرات. عاش الشيخ “الترابي” واسع الأفق عفيف النفس بعيد النظر فقيهاً مجتهداً مجدداً وزعيماً سياسياً ودينياً ورجل دولة من الطراز الفريد، كان صاحب حضور طاغٍ وعلم غزير وبصيرة نافذة، تميز بترفعه دائماً عن الصغائر، سمحاً طيب النفس عرف بآرائه المثيرة للجدل واجتهاداته المثيرة ولكنه كان يحظى باحترام واسع داخل السودان وخارجه. نتابع خلال هذه الحلقة والحلقات القادمة التي سجلت في شهر (أكتوبر) 2010م شهادته على عصر السودان الحديث ودور الحركة الإسلامية في السودان .
{أحمد منصور: أعود لانقلاب يوليو1952 في مصر وتأثيره عليكم، هل كان دافعاً لتنشيط حركة الاستقلال وحركة المد الوطني والقضاء على الاحتلال أو المستعمر؟
-الشيخ الترابي: طبعاً، هذا المد الوطني والكفاح الوطني كان في كل بلاد المستعمرات، والبريطانيون والفرنسيون بعد الحرب العالمية الثانية فتروا وخرجوا وبلادهم تدمرت فأرادوا أن يفرغوا لبلادهم ومن العسير عليهم أن يقاوموا كل هذه مرة أخرى بحروب على الجهادية والوطنية عليهم، السودان مثلاً استقل مبكراً لكن قبله الهند ولاحقته دول أفريقية، المد هذا بعضه جاء من ضعف أوربا الغربية بعد الحرب، انهارت قواها بعد الحرب فأرادوا أن لا يقاوموا أيما نزعة وطنية بعد ذلك.
{أحمد منصور: كان السودان جزءاً من مصر، ولكن كان النفوذ للبريطانيين؟
-الشيخ الترابي: نعم.
{أحمد منصور: لكن بعد انقلاب 1952 في مصر بدأ السودانيون يسعون نحو الاستقلال؟
-الشيخ الترابي: الدعوة الاستقلالية في الطلاب، كانت نزعتهم مع مصر، لا قومية عربية، لكن مع مصر، وكانوا اتحاديين شيئاً ما، وأغلب الخريجين كانوا اتحاديين، قليلاً منهم انحاز إلى حزب الأمة – الحركة الاستقلالية.
{أحمد منصور: في فبراير 1953، بموافقة المصريين تم التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي بالنسبة للسودان؟
-الشيخ الترابي: هذه الثورة طبعاً، أيام الملك لم يكن يسمى وحدة السودان ومصر، الشعار كان سيادة مصر على السودان، “محمد علي باشا” دخل السودان فاتحاً، مقلداً المستعمرين الأوروبيين فيريد أن يؤمن المياه، ويريد أن يستورد مورداً للجندية طبعاً، لأن الجيش العثماني كان خلطاً من المماليك والمغاربة وكل العالم، والمصريون فلاحون طبعاً، فلاحون.
{أحمد منصور: لكن على امتداد التاريخ يا دكتور ومنذ أيام الفراعنة كانت السودان تعتبر العمق الاستراتيجي لمصر، وليست في المياه ولكن حتى في…؟
-الشيخ الترابي: من شمال الخرطوم حتى مصر، هذا كان المد أحياناً من هنا يغزو ومن هنالك يغزو حتى في الديانات، “موسى” عليه السلام دخل السودان يتعلم مع شيخ كبير يعلمه في رؤية للغيب على النيل.
{أحمد منصور: “الخضر” يعني؟
-الشيخ الترابي: “الخضر” كما يسميه المسلمون في سورة الكهف، وكان نهر النيل يربط طبعاً، الصحراء كلها كانت تفصل شمال أفريقيا مع وسط وجنوب أفريقيا، لكن هنا النيل كان قطاعاً حياً من البشر حوله يربط مصر مع السودان، ومنذ الفراعنة الرابطة كانت وثيقة جداً، الرابطة استمرت هكذا، لكن النزعة الاستقلالية بدأت بعد الثورة.
{أحمد منصور: لكن كان السودانيون يميلون قبل قرار الانفصال إلى البقاء مع مصر إلا أن هناك بعض السلوكيات كما قال كثير من المؤرخين التي قام بها ضباط يوليو؟
-الشيخ الترابي: ضحك ثم رد، والله كان الضباط خاصة “نجيب” بالطبع و”السادات” لهم علاقات، خدموا في السودان وبعضهم له علاقات لدم بالسودان، وصحيح أن بعض الضباط كانوا ينفعلون بروح الخديوية، استعمار السودان، والسيادة على السودان، برسائل حتى تكتب في الجامعات، والأمر الثاني دائماً أنه هذه طبيعة البشر، دائماً لما يبدأ المد فيهم، النزعة للاستقلال تنهض فيهم وتنشط فيهم، وهو قارة طبعاً السودان، الحركة الوطنية أدركت أن هنالك مد جنوبي هو لم يتصل أصلاً بمصر من قبل وليس عربياً ولا مسلماً كان، الإسلام جاءه من تلقاء شرق أفريقيا.
{أحمد منصور: أغلبه وثني كان؟
-الشيخ الترابي: أغلبه وثني، وفيه الإسلام جاءه من الساحلي بلغة السواحلي ومن المد الذي جاء من شرق أفريقيا وعندنا دارفور كانت عندنا بلد مستقلة عندما احتل السودان ثم أنها في الحرب الأولى تعاطفت مع العثمانيين.
{أحمد منصور: أغلبها عرب وكلهم مسلمون؟
الشيخ الترابي: فيها عرب وفيها آخرون كلهم مسلمون، ينطقون اللغة العربية، إما لغة دين أو لغة آم.
أحمد منصور: كل أهل دارفور؟
-الشيخ الترابي: كل أهل دارفور يتكلمون اللغة العربية كلغة دين عند بعضهم مع رطانة أو لغة أم فقط.
{أحمد منصور: أعلن الاستقلال في العام 1956…؟
-الشيخ الترابي: الاستقلال هذا كان تحولاً غريباً.
{أحمد منصور: كيف؟
-الشيخ الترابي: الحزب الذي سمي اتحادياً، تيارات ذهبت إلى مصر وشكلت في مصر حزباً اتحادياً ونحن كذلك المد الفكري مع الإخوان المسلمين ربطنا مع مصر، كثير من الطلاب كانوا يدرسون في مصر ويأتون إلى السودان، ووفود من الإخوان المسلمين، والعلم ربطنا مع جنوب مصر لأن مذهبه مالكي، أما شمال مصر فمذهبه آخر، والأزهر كان فيه رواق سناري، الروابط الدينية والروابط الجغرافية والهجرة كذلك، كثير من الإخوة المصريين هاجروا إلى السودان واستقروا في السودان وتوطنوا في كثير من مناحي النيل، الروابط كانت اجتماعية وسياسية ودينية وثقافية.
{أحمد منصور: لذلك بعض المؤرخين يقولون إن هنالك كان ميلاً للاستمرار مع مصر، إلى أن تصبح مصر والسودان لولا أن اللواء “جمال حماد” وهو في ثورة يوليو في شهادتي معي على العصر قال: (لولا أن جمال عبد الناصر بدأ يلاحق الإخوان وزج بالآلاف في السجون عام 1954 وأبعد “محمد نجيب” الذي كان يحبه السودانيون، كل هذه العوامل جعلت السودانيين يقولون إذا كان يفعل هذا بالمصريين فكيف سيكون مع السودانيين)؟
-الشيخ الترابي: العسكر دائماً – اعتذر أن أقول لك ذلك – يريد أن يحتكر السلطة في يده والقائد الأعلى والمال في يده، والسودان قارة كاملة، كلنا نريد أن نقبض في يد هنالك كما قلت، كانت بينهم وبين الحزب المهدوي الذي يدعو للاستقلال دائماً، لا مصري ولا بريطاني، السودان فقط، عاملته الثورة معاملة طيبة أكثر من الملكية، لأول مرة “محمد نجيب” استقبل السيد “عبد الرحمن” والعلاقات بدأت تتحسن.
{أحمد منصور: يمكن أن “محمد نجيب” بدأ يتعامل مع السودانيين لأن لديه رابطة دم؟
-الشيخ الترابي: جداً.
{أحمد منصور: فكانوا يحبونه.
الشيخ الترابي: نعم.
{أحمد منصور: فلما أطاح به عبد الناصر خاف السودانيون؟
-الشيخ الترابي: وبعدين لمن ضربوا الإخوان المسلمين بدأت المظاهرات هنا في الخرطوم.
-أحمد منصور:هنا عندي نقطة مهمة.
-الشيخ الترابي: حتى ضرب الإخوان المسلمين هو الذي حملنا اسم الإخوان المسلمين تعاطفاً معهم.
{أحمد منصور: تعاطفاً معهم؟
-الشيخ الترابي: نعم.
{أحمد منصور: أنا هنا بستغرب.
-الشيخ الترابي: حركة التحرر الإسلامي لما ظهرت في تلك الأيام تعاطفاً مع حركة مضروبة هنالك لتثبت أن الدين حيثما ضربته يمكن أن ينشأ في بلد آخر.
{أحمد منصور: “عبد الناصر” في العام 1954 ضرب الإخوان المسلمين وأعدم ستة منهم على رأسهم عبد القادر عودة، المؤتمر التأسيسي الأول للإخوان المسلمين في السودان كان في العام 1955؟
-الشيخ الترابي: كان فيه حركة تحرير، في أول الأمر وثقافتها إخوان وجماعة إسلامية في باكستان وغيرها لكن سمت نفسها وظهرت.
{أحمد منصور: إخوان مسلمين تحدياً لعبد الناصر؟
-الشيخ الترابي: فقط، لم تكن فرعاً، كان هنالك فرع ضئيل في الخرطوم للإخوان المسلمين، ضئيل جداً لكن الحركة التي خرجت من الجامعات وهي التي ….
{أحمد منصور: يعني التيار العام للإخوان المسلمين في السودان أعلن في العام 1955 لم يكن يحمل الفكر الكامل للإخوان المسلمين بقدر ما كان رداً على جمال عبد الناصر على إعدام قيادات الإخوان المسلمين؟
-الشيخ الترابي: نعم، رداً، ولكنه كان يقرأ أدب الإخوان المسلمين ويقرأ أدب المودودي ويقرأ الكتب التقليدية الإسلامية.
{أحمد منصور: هذا يجعلني أن أفهم خصوصية حركة الإخوان المسلمين في السودان؟
-الشيخ الترابي: نعم.
{أحمد منصور: البداية والنشأة؟
-الشيخ الترابي: نعم…نعم
{أحمد منصور: ما هي الخصوصية التي أخذتها حركة الإخوان المسلمين في السودان عن الإخوان في مصر؟
-الشيخ الترابي: الخصوصية أولا قومياً ينبغي أن لا تصبح العربية عصبية عرقية لأننا إذا مددنا نحو الجنوب ذلك عالم آخر، من أول أيامها ما أن ظهرت فيها أنها من أبناء الشمال حتى بدأت تبحث عن أبناء الجنوب، آباؤهم وثنيون أحياناً، حتى يستقيم الإسلام خطاباً لكل البشر، لا للبيض ولا للسود ولا للعرب دون العجم، ومدت نحو الغرب كذلك، غرب السودان وتلك لها طبيعتها التي تصلها بغرب أفريقيا، وصحيح فيها عرب ولكن فيها قبائل أخرى موصولة لغة، والسودان فيه هجرات من غرب أفريقيا.
{أحمد منصور: غير دارفور تقصد؟
-الشيخ الترابي: فيه هجرات يمكن (3) ملايين من نيجيريا الآن يقيمون في السودان، السودان بلد مهجر من الشرق.
{أحمد منصور: ماذا في السودان يجذب الآخرين؟
-الشيخ الترابي: النيل.
{أحمد منصور: يا سلام.
-الشيخ الترابي: لأن الصحراء كلما تجف..
{أحمد منصور: يعني من النيل وحتى نهاية أفريقيا في الغرب لا توجد أنهار؟
-الشيخ الترابي: لا يوجد نهر يشق الصحراء هكذا من البحر الأبيض المتوسط إلى الوسط.
{أحمد منصور: يعني النيل شكل عنصراً جاذباً؟
-الشيخ الترابي: النيل طبعاً والحياة حوله، الحضارات والدين حوله والثقافات وطريق الحج هو الذي ربط طبعاً، الحج كان هذا هو الطريق وكانت مدوداً من الثقافة، الطرق التجانية والطرق الصوفية وكانت تأتينا من الغرب أيضاً لا من الشمال فقط، “تمبكتو” (في دولة مالي) كانت جامعة قبل الأزهر.
{أحمد منصور: “تمبكتو” هذه لم تأخذ حظها حتى يعرف الناس ما كان فيها من الحضارة.
-الشيخ الترابي: لم تأخذ حظها.
{أحمد منصور: أنت سافرت للندن بعد حصولك على البكالوريس في العام 1955 والتحقت بجامعة لندن، وحصلت في العام 1957 على درجة الماجستير في القانون بعد تخرجك تفكيرك انطلق نحو الأكاديمية أم ماذا كان هدفك؟
-الشيخ الترابي: في أول الأمر بالطبع ما كان قبلي في كلية القانون لا نتكلم عربياً ولا سودانياً إلا في هوامش من الكلية لدراسات إدارية هامشية كانت.
{أحمد منصور: الدراسة بالانجليزية كانت؟
-الشيخ الترابي: طبعاً.
{أحمد منصور: والقانون البريطاني؟
-الشيخ الترابي: القانون بريطاني طبعاً، وفيه شريعة معارة لكن عندما ذهبت إلى بريطانيا…
{أحمد منصور: كانت المرة الأولى التي تذهب إلى بريطانيا؟
-الشيخ الترابي: نعم.
{أحمد منصور: واقع الأمر عليك؟
-الشيخ الترابي: طبعاً قبل الاستقلال الجواز واحد..الاستقلال وافيته هناك في الأول من 1956 في بريطانيا، لكن أولاً اتصلت بكثير من الطلاب الإسلاميين في بريطانيا بعضهم باكستانيون وعرب وإيرانيون وكان اتحاد الطلاب العرب قومي النزعة.
{أحمد منصور: تفتكر من كان الأبرز فيه؟
الشيخ الترابي: في التيارات الإسلامية لم يظهروا كثيراً.
{أحمد منصور: في التيار القومي؟
-الشيخ الترابي: الطلاب ما …قليلون، بعضهم ظهر في الحركة القومية.
{أحمد منصور: أنت انجذبت إلى أي تيار؟
-الشيخ الترابي: انجذبت إلى التيار الإسلامي.
{أحمد منصور: التيار الإسلامي هنا متنوع المشارب؟
-الشيخ الترابي: نعم، باكستانيون وهنود، وندافع عن القضايا مشتركة معاً، .. قضية الجزائر وأسميناها إسلامية لذلك الطلاب العرب انزاحوا عنا لأن النزعة القومية العربية غالبة عليهم.
{أحمد منصور: رغم أن الجزائر دولة إسلامية.
-الشيخ الترابي: ضحك وقال (دولة عربية أيضاً لكن نحن كنا ندرس أحياناً نشكل جمعية وفي بريطانيا حريات للجمعيات بغير قانون.هذه أعطتني مداً وثانياً بالقرب من آسيا آسيويون وهنود وباكستانيون.
{أحمد منصور: لعبت دوراً ؟
-الشيخ الترابي: في عالميتي.
{أحمد منصور: أنت الآن انتقلت من البيئة السودانية العربية الإسلامية المحافظة إلى العالمية؟
-الشيخ الترابي: نعم.. نعم.
{أحمد منصور: أدت إلى اتساع الأفق عندك؟
-الشيخ الترابي: نعم .. جئت راجعاً بالطبع صارعت مع البريطانيين في أن نعرب العلوم في وقت مبكر جداً.
{أحمد منصور: في العام 1957؟
-الشيخ الترابي: في وقت كان مبكراً جداً.
{أحمد منصور: طيب هنالك اعتداء 56 وقع على مصر وكان البريطانيون شركاء فيه .. ماذا فعلتم؟
-الشيخ الترابي: نحن مظاهرتنا كانت مع مصر إلى السفارة المصرية بالرغم من قضايا التوترات بين الإخوان المسلمين، في حركة الإخوان كنا نخرج مظاهرات وكنا نحمل المجلس النيابي كله لصلاة الغائب وأن يحدد قرارات وأن يتحدث للسفارة المصرية وهكذا، طبعاً بدأت نزعة مجانبة بيننا والسلطة في مصر في الصراع مع الإخوان.
{أحمد منصور: يعني بدأ مبكراً؟
-الشيخ الترابي: مبكراً جداً بهذا السبب فقط.
{أحمد منصور: ردة فعلكم على ما قاله عبد الناصر في الإخوان لعبت دوراً في انتشار الإخوان في السودان؟
-الشيخ الترابي: ما أقول ذلك لكن أخذت من موقفهم المجانب للسلطة في مصر ويؤسف المرء أن يقول ذلك ..نحن كنا أقرب الناس إلى وحدة المياه كلها واحدة، من لم يجد إلا مياه النيل يشرب فيها، الثقافة واحدة حتى جنوب مصر كان مالكياً وشمالها شافعي وحنفي المذاهب واحدة.
{أحمد منصور: يعني قرار الانفصال نفسه توكيله إلى ضابط ليس له خبرة في السودان هو “صلاح سالم” واتخاذ قرار بهذه الطريقة؟
-الشيخ الترابي: كثير من الدعاية كانت تتكلم عن السيادة على السودان هذه طبعاً عزة النفس لا ترضاها أن تتحد معي سيداً علي لو جئتني أخاً على ذات السواء يمكن أن أخاويك..أما إن جئتني سيداً إلا أن تكرهني وأكون راغماً وضعيفاً والبريطانيون نفسهم كانت لهم نزعة.
{أحمد منصور: طبعاً، فوق الكل.
-الشيخ الترابي: أن يشجعوا الجانب الآخر والمهدية من صراع المهدية لأن الاستعمار جاءها من تلقاء مصر من الشمال يعني نسبت إلى مصر كل هذه الروح الاستعمارية ومحمد علي ما جاء متسعاً في السودان مثل المهاجرين المسلمين قديماً ولكن جاء فاتحاً ومستعمراً.وهكذا البريطانيون والنمساويون والطليان خبراء انبسطوا في السودان ونشروا المسيحية في جنوب السودان لأول مرة.
أحمد منصور: يعني تمت على يد هؤلاء؟
-الشيخ الترابي: نعم.
{أحمد منصور: لدي سؤال مهم كيف فشل المسلمون في نشر الإسلام في جنوب السودان ونجح التبشيريون المسيحيون؟
-الشيخ الترابي: المسلمون طبعاً أنت تعلم أنهم عرب الأصل المهاجرون لا يدخلون على الغابات الممطرة، شبه الصحراء أطيب البلاد لهم لرعي البهائم والجمال، ولا يحبون تلك المناطق لذلك ما دخلوا وما توغلوا.
{أحمد منصور: هذه المناطق فيها بشر كثير عايشين؟
-الشيخ الترابي: طبعاً.