علي مشارف شهر رمضان ، جنون الاسعار يضرب الاسواق
المواطنون يجأرون بالشكوي من الغلاء والتجار يتجاوبون معهم بالشكوى من الركود!
دكتور خليفة: لابد من قانون يحدد هامش ربح للأسعار
خبير اقتصادي: الحل في الحصول على وديعة أو قرض لدعم المدفوعات
الخرطوم – عماد الحلاوى
في وقت تتأزم الاوضاع الاقتصادية بالبلاد ، بفعل الحرب وتداعيات انفصال الجنوب والحصار الخارجي ، يشهد السوق
فلتانا ً مضطردا في الاسعار بشكل يصعب على الجميع ملاحقته..بسبب تآكل الدخول..لايقتصر الامر على اسعار السلع الاساسية ، وانما يشهد سوق العملات الاجنبية ، بسبب المضاربات ،ارتفاعا غير مبرر في اسعار العملات ، لاسيما الدولار الامريكي ، مما ينعكس سلبا على اسعار العملة المحلية ، وبالتالي على القدرة الشرائية للمواطنين.فمع اقتراب شهر رمضان الكريم ، بدأت بعض السلع الرمضانية الهامة ، تشهد طفرة في الاسعار، ورافقها ايضا،في الايام الماضية ارتفاع في الدولار والعملات الاجنبية الاخرى.
في تزامن مع تصاعد سعر الدولار والذيتجاوز سعره ظهر أمس بأسواق الخرطوم سقف الـ 13 جنيه،و ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية ارتفاعاً جنونياً، الأمر الذي أثار سخط واستهجان عدد كبير من المستهلكين.
فقد بلغ سعر كيلو اللحم الضأن (60) جنيهاً، وكيلو لحم العجل (50) جنيهاً، وكيلو الفراخ (33) جنيهاً، وطبق البيض إلى (30) جنيهاً، وكيلو الأسود (10) جنيهات، ودستة البرتقال (22) جنيهاً.
فيما بلغ سعر جركانة الزيت إلى (350) جنيهاً، وجوال السكر زنة (50) كيلو (350) جنيهاً، بينما بلغ جوال السكر (كنانة) 400 جنيهاً، وتوقع عدد من التجار أن يصل سعر جوال السكر إلى 500 جنيهاً بحلول شهر رمضان، ووصل سعر ربع البلح إلى (40) جنيهاً، وفقاً لجولة أجرتها الصحيفة في عدد من أسواق العاصمة…
( المجهر السياسي)التقت عدداً من المواطنين شكوا من أن هناك تجاراً زادوا أسعار السلع خصوصاً السلع الضرورية، أو تلك التي لها علاقة بشهر رمضان، مثل السكر والزيت والشاي والبن واللبن.
وتضمن ما جاء على لسان من التقتهم (المجهر) من مواطنين وتجار، تشخيصاً لما يحدث في الوقت الحالي من ارتفاع جنوني للسلع الاستهلاكية، باتجاه تحصيل المزيد من الأرباح من جيوب المواطنين وخصوصاً محدودي الدخل، على حد وصفهم :
زيادة غير مبررة
فالمواطن “علي الجيلي يرى ” أن السلع الغذائية شهدت زيادة غير مبررة كردة فعل لزيادة سعر الدولار في السوق الأسود.
ولفت “الجيلي” إلى أن كيلو اللحم العجالي قفز من (35) إلى (50) جنيهاً، أي أن الزيادة وصلت إلى 30%، متسائلاً عن دور الأجهزة الرقابية؟ واستطرد قائلا ً: الآن كل تاجر يتحكم في سعر المواد الغذائية، ولا تتم محاسبته بحجة أن السلع عرض وطلب، وأشار إلى أن «أغلب السلع الاستهلاكية المستوردة زاد سعرها سواء المعلبات أو المواد التموينية والأمر ذاته ينطبق على أسعار اللحوم والدجاج والأسماك وتقدر الزيادة بنسبة (30%).
ولام “الجيلي” التجار الذين يقومون بتخزين بعض البضائع بغرض رفع أسعارها، وطالب السلطات المحلية بحماية المستهلكين من جشع التجار.
أما المواطن “حسن إسماعيل”، فقال «رغم أن هناك سلعاً متعددة شهدت تراجعاً في الأسعار منذ الربع الأخير من العام الماضي، بينما هناك سلع بالمقابل زادت اسعارها ، بعد الحديث عن ارتفاع سعر الدولار، دون أن تراعي حالة المواطن وهو المغلوب على أمره، ولا رادع لهؤلاء الجشعين ، حتى جمعية حماية المستهلك التي لا تزال صامتة.، على حد قوله .
على ذات الصعيد قال المواطن “صلاح إبراهيم” إن الأسعار تتحدد في السوق بمزاجية بحتة، فمثلاً سعر (العجورة) الصغيرة كان بـ(1) جنيه الآن بـ(5) جنيهات، مضيفاً: ” معاشي لا يتعدى الـ(500) جنيه وعليّ إيجار وأقساط وأبنائي في مدارس ولدي التزامات، وإن زادت عليه السلع فلن أستطيع الوفاء بكل تلك الالتزامات “، وقال ان الأسعار تزيد دون رقيب والسيطرة على المواد الغذائية لـ(3 أو 4) تجار يتلاعبون بالأسعار بسبب ضعف الرقابة، لا سيما أن معظم الناس بعد التحرير، تبحث عن الربح غض النظر عن مصدره وعن كونه حلالا أم حراماً.)
تجار القطاعي يتبرأون ويتهمون تجار الاجمالي
وعلى الطرف الآخر، وليس ببعيد عن ما قاله المواطنون أعلاه، فإن التجار أنفسهم يشتكون من الركود وعدم إقبال المواطنين على شراء بضاعتهم، حيث أكد تجار الإجمالي بسوق أم درمان، أن الزيادة تختلف باختلاف السلع المحلية والمستوردة. وتوقعوا زيادة مفرطة في أسعار السلع الغذائية الفترة المقبلة.
وينفي تجار القطاعي ان يكونوا هم السبب في ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني، وإنما ترتفع الاسعار تبعا لتزايد الإقبال علي السلع (خاصة تلك التي لها علاقة برمضان) وقلة المعروض منها، بالإضافة إلى جشع التجار الكبار، أو “التماسيح، على حد وصفهم ، ” الذين يتحكمون في الأسعار لصالحهم في ظل الانفلات وعدم السيطرة وغياب التشريعات والقوانين التي تحمي المستهلك من جشعهم ،”ويبيعون لنا بالأسعار المرتفعة ويتركون لنا الاحتكاك المباشر مع المستهلك الذي يتهمنا بالجشع والاستغلال، رغم أننا ضحايا مثلهم، حيث يقل هامش الربح كلما ارتفعت الأسعار” وفق ماقال أحد تجار ام درمان .
وأكد تجار القطاعي) أنهم مضطرون لزيادة الأسعار لتقليل حجم الخسائر، وذلك بعد رفع تجار الجملة والمستوردون أسعار الجملة، بنسب تصل إلى 25%، وسط حالة ركود تضرب الأسواق بسبب الارتفاع الجنوني في غالبية الأسعار، ما خلف خسائر كبيرة لصغار التجار.
وقال “شريف الطيب” ،صاحب بقالة، بـ”الحلفايا”: إن أسعار الزيوت والألبان ومنتجاتها ارتفعت، بنسب تقترب من 25%، كما ارتفعت أسعار الأرز والعدس والسكر بنسبة ، 30% مقارنة بسعرها قبل شهرين.
وأضاف: أن الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني، هو السبب الرئيسي في هذه الارتفاعات، يضاف إلى ذلك قيام بعض التجار باستغلال أزمة سوق الصرف، وإضافة هامش ربح كبير، الى جانب غياب الرقابة عن الأسواق، كل تلك هي أسباب تدفع إلى استمرار ارتفاع أسعار السلع.
ولفت “شريف” إلى أن ارتفاع الأسعار تسبب في انخفاض نسبة المبيعات بنسبة لا تقل عن 25%، وذلك بعدما أحجم المواطنون عن الشراء بسبب ضيق ذات اليد.
وبين التاجر بسوق الجملة بأم درمان “عبد الرحيم العقلي” أن ارتفاع سعر الدولار وراء زيادة أسعار السلع، إضافة إلى اقتراب شهر رمضان، كل ذلك أدى إلى ارتفاع جميع أسعار السلع بالسوق.
الاسواق تعاني من عزوف الزبائن :
أما التاجر “أحمد سليمان” فقال «إن الأسواق تعاني اليوم عزوفاً من المواطنين نتيجة لارتفاع أسعار السلع، وهو ما أصاب الزبائن بانتكاسة أو إحباط، وأصبح حديث المجالس عن سنوات عجاف وسياسة تقشف آتية، ما جعل الكثير من المواطنين يستعد لموجة التقشف، فأصبح السوق خالياً من الزبائن.
وأضاف “سليمان”: (رغم أن المتوقع في حال التقشف اتجاه المواطنين إلى السلع الأرخص سعراً،الا اننا نلاحظ هروبهم لتعكر المزاج الشرائي، وبعدما كنا نشهد اكتساحاً من المواطنين نهاية الأسبوع ، أصبحنا نبحث اليوم عنهم، وهذا حالنا الآن. فما الذي سيكون عليه الحال إذا تجاوز سعر الدولار سقفه الـ 13 جنيهاً؟).
وقال التاجر بسوق أم درمان “أمير السر” «إن سياسة الدولة هي (السوق المفتوح) ولا يمكنها التحكم في أسعاره، لا سيما أن معظم السلع مستوردة، والبعض منها إنتاج محلي، وحتى السلع المحلية كالخضراوات والفاكهة، زاد سعرها ، ومن ضمنها الخضراوات الورقية (الجرجير- الخضرة – الرجلة- الخ)، متوقعاً استمرار الزيادة مجدداً في الأسعار ، في حال استمرار ارتفاع سعر الدولار.
فيما أرجع الجزار بسوق صابرين “حمد معروف”، الارتفاع في أسعار اللحوم الحمراء إلى ارتفاع سعر الدولار، بجانب ارتفاع تكاليف الترحيل والمواد الغذائية.
الحد من ارتفاع الدولار
واعتبر خبراء اقتصاديون أن الارتفاع الجنوني للأسعار مرده لضعف الإنتاج، والعملة الوطنية، وعدم الرقابة على الأسواق.
وعزا الخبير الاقتصادي والأستاذ بـ(جامعة المغتربين) الدكتور “محمد الناير” الزيادة غير المبررة لأسعار السلع للارتفاع الكبير في سعر الدولار، إضافة إلى مضاربة التجار في أسعاره عند اقتراب شهر رمضان كل عام.
وشدد “الناير” على ضرورة إجراء معالجات للحد من ارتفاع سعر الصرف، لتشمل معالجات في المدى المتوسط وأخرى على المدى البعيد، بزيادة الإنتاج وتخفيض التكلفة، التي تؤدي –بدورها- إلى خفض الواردات وزيادة الصادرات.
وأشار “الناير” إلى أن المعالجات قصيرة المدى، تتمثل في الحصول على وديعة أو قرض لدعم المدفوعات، بالإضافة إلى تقديم حوافز تشجيعية للمغتربين لإعادة ثقتهم، لتحويل مدخراتهم عبر النظام المصرفي، وتسليمها لهم بالنقد الأجنبي، وإنشاء بورصة الذهب والمعادن ، التي اقترحتها وزارة المعادن، ونبه إلى أن إنشاءها يتطلب إجازة قانون هيئة الأسواق ، حتى تساهم في الحد من تهريب الذهب، وتعظيم الفائدة من قطاع التعدين وتقضي على المضاربات.
وفي ذات السياق يقول الدكتور “خليفة موسى” أستاذ الاقتصاد بجامعة أم درمان الإسلامية: (نحن أصبحنا نعاني في الفترة الأخيرة من ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات ، وانعكس ذلك على معدل التضخم الذي ارتفع، أيضاً، وترجع أسباب هذه الزيادة إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية المستوردة، وذلك نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للسلع، ويستغل بعض التجار الجشعين هذه الزيادة لمضاعفة نسبة الزيادة، وبعد ارتفاع سعر العملات الأجنبية أمام الجنيه السوداني، أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة خاصة أننا نستورد أكثر من 70% من احتياجاتنا من السلع الغذائية ، ونحو 75% من المواد الخام، ومستلزمات الإنتاج، والسلع الوسيطة.
ويطالب الدكتور “خليفة” بضرورة إصدار قانون يحدد هامش ربح كحد أقصى للأسعار المحلية، بحيث لا يزيد السعر إلا في حالة زيادة التكلفة ، وبنفس النسبة، وينخفض في حالة انخفاضها وهذا يتفق مع آليات العرض والطلب.، على حد قوله .