جوهر الأزمة
{ لن تفلح جهود التسوية التي يقودها الاتحاد الأفريقي ولجنة “أمبيكي” في ترطيب العلاقة بين الخرطوم وجوبا، وإبعاد شبح نشوب حرب حدودية في وجود أزمة بالنيل الأزرق وجنوب كردفان لها ارتباط مباشر بالنزاع والخلاف بين الدولتين.
{ الخرطوم تتوق لعلاقات حسنة مع جوبا وحدود آمنة، وجوبا عيونها على البترول، وبطنها (تخور) جوعاً، وتسعى أولاً لاستعادة ضخ النفط.. وتغمض (العاصمتان) (عيونهما) عن أصل الأداء والخلاف المتمثل في النزاع بين الحركة الشعبية في المنطقتين والحكومة الاتحادية، وتشخيص الأزمة بهذا (التبسيط) لن يسقط قضية (أبيي)، التي يعتبرها بعض الجنوبيين قضية (ثانوية)، وهي كذلك، وأمام الطرفين قرار محكمة التحكيم الأخير، وهو قرار (سينفذ) في نهاية الأمر، ولا فرصة للتراجع عنه لكلا الطرفين.
{ قضية النيل الأزرق وجنوب كردفان (أعادها) مجلس الأمن للحل من خلال (اتفاق أديس أبابا) الذي توصل إليه “نافع” و”عقار” في يوليو من العام الماضي، واعتبره مجلس الأمن نافعاً جداً لعلاج الأزمة.. رغم تجاوز الأحداث لبعض بنوده غير الجوهرية، إلا أن القضية برمتها إذا تولى أمرها أهلها (الحقيقيون) لن يطول النزاع، وفي تجربة اتفاق الهدنة بسويسرا مثال يحتذى، وعبرة لأولي الألباب، حينما (تفاوض) “الحلو” و”دانيال كودي” من جهة الحركة، و”مركزو” و”عيسى أبكر” من جهة الحكومة، وكلاهما أبناء لجنوب كردفان يعرفون بعضهم جيداً، ولكن في مفاوضات نيفاشا أصبح “جون قرنق” ممثلاً للنوبة طرف الحركة، و”غازي صلاح الدين” ثم “علي عثمان” من بعده ممثلين لجبال النوبة المؤتمر الوطني.. فولدت اتفاقية مأزومة لم تلبِ طموحات أهل الولاية، ودفعت الحكومة المركزية من المال ما كان كفيلاً بتعمير المنطقة، ولكن الحرب تجددت لشعور أبناء النوبة بأن قضيتهم السياسية لم تُحل بعد.. وما الانتخابات إلا ذريعة فقط تم استغلالها لإعلان الحرب.
{ ما أشبه الليل بالبارحة ينوب عن النوبة من جهة الحركة الشعبية “مالك عقار” و”ياسر عرمان”، وينوب عن جنوب كردفان من جهة المؤتمر الوطني “إدريس عبد القادر” و”مطرف صديق” والسفير “عمر دهب”، وأصحاب الحق ينظرون كل مساء لوجه الشاشة البلورية يتابعون أخبار ولايتهم على شاشة التلفزة.. وتلفهم الحيرة ماذا يجري في (دهاليز الصمت)، وهل تتولى الأطراف التي صنعت الأزمة الحالية مرة أخرى معالجة قضية منطقة نيابة عن أهلها؟!.
{ المشاركة في المفاوضات ليست (ترفاً)، ولا تضيف للمشاركين – بشخوصهم – امتيازات، ولكن الإنسان يقرر مصيره بنفسه، ولا ينتظر الآخرين ليقرروا نيابة عنه (يعيش) وماذا يكسب!!.. وقد تعرض السودان بانقسامه لدولتين لزلزال عنيف جداً، وما تبقى من السودان ينبغي المحافظة عليه والتراضي بين سكانه؛ وفق منظومة قيم سلوكية محددة، وعقد اجتماعي يؤلف بين مكوناته؛ حتى يستريح السودانيون من رهق الحروب والنزاعات.