عابر سبيل
زمان قدور!!
ابراهيم دقش
دشن النادي العائلي هذا الأسبوع كتاب الأستاذ “السر أحمد قدور” (زمان الناس)، وهو في الحقيقة زمان المؤلف شخصياً الذي عاشه، وأن قال إنه زمان الوطن في مقدمته.. والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات دبجها يراع “قدور” ومعظمها نشرته جريدة (الخرطوم)، إما إبان اغترابها في “القاهرة” أو بعد عودتها للوطن.
يبحث “السر قدور” في جزئية عن عودة العاصمة المثلثة إلى نفسها، ويشير إلى دخوله (حوش) الإذاعة في 1954م ويجد فيها الأستاذ “حلمي إبراهيم” ساعداً أيمن لمديرها المقتدر “متولي عيد”، ويعرج على المسرح السوداني فيتذكر مسرحية (المك نمر) ونتذكر “خالد أبو الروس”، “ميسرة السراج”، “خالد العجباني” و”عثمان علي حسين” من رواد المسرح.. وينقب في مكان آخر عن مصطلح أغنية الوسط ليقفز إلى مؤسس الندوة الأدبية المرحوم “عبد الله حامد الأمين”.. ويتوقف عند قضية أبو جنزير في “عطبرة” التي شغلت الناس وحولها “حسن عبد المجيد” إلى مسلسل إذاعي بعنوان (ساري الليل) وأخرجه “أحمد قباني”، ثم يتساءل عن حوار اندلع حول جدوى نشر أخبار الجريمة في الصحف.. وتناول المؤلف توقف عرض أفلام السينما وكيف أنه أفسح المجال لأفلام (الضلمة)، وعرج على الصحافة الإقليمية تمثلت في (كردفان) و(الجزيرة)، ولم ينس (جائزة الطيب صالح) التي سماها (موسم الهجرة إلى الجمال).. كان لي شرف الحديث في ليلة (التدشين)، فقلت عن المؤلف إنه استدعاه اللواء “طلعت فريد” عندما كان وزيراً للاستعلامات في عهد نوفمبر ليؤلف قصيدة يحقق بها (وزنة) مع قصيدة (أنا السوداني) التي كان يرددها “العطبراوي” ويقول فيها (لا وإلى العرب ترجع الفطن)، ولما طلب ذلك من “قدور” وخرج الأخير مزمجراً (أنا ترزي يقول لي عايزها بكرة الساعة 12؟ لكنه يعود في الموعد ومعه قصيدة (أنا أفريقي أنا سوداني).
وقلت إن كتاب “قدور” لم يفاجئني لأنه طلب مني ذات يوم أخذه إلى (سوق الموية) في أم درمان، وما أن قرّعته بأن عقله فسد قال لي: المطلوب مكان (سوق الموية)، فأنا أريد أن (أشم) رائحة التاريخ وعبق الزمان في ذلك المكان الذي اندثر.. كما رديت كيف أنه ألف أغنية (عايز أشوفك تانى مرة، ألف مرة) وأعطاها لـ”عائشة الفلاتية” التي فرحت بها، لكن ما أن أرتها لأحد العازفين حتى صاح فيها: ألف مرة، وتاني مرة أصلك صرافة؟ فأعادتها لـ”السر” الذي خص بها “العاقب محمد حسن” الذي أبدع في تلحينها مما أثار حنق الفلاتية، فما أن قابلت “قدور” في حوش الإذاعة حتى قالت له: بس منك ومن “عوض جبريل”! فلما استفسر عن العلاقة بينه وبين “جبريل” قالت له: تجمع بينكما القبح (الشنا)، وحكيت كذلك أن “السر قدور” قال لي قبل سنوات: ما عاوزين السودان الجديد بتاع قرنق، ولا المجتمع الذي تنشده الإنقاذ.. نريد السودان القديم.. ولما سألته رد على الفور: لكن تحفظ السر، هو السودان الذي لو وجدك الشرطي ثملاً ما اعتقلك وإنما جلب لك (تاكسياً) ليحملك لدارك! وما قصد “قدور” بذلك سوى إشاعة روح العفو والتسامح والتجاوز.
(زمان الناس) سفر يستحق القراءة.. ودون مجاملة!