المشهد السياسي
وأين هم من هذا الحراك الإيجابي..؟
موسى يعقوب
تملأ الساحة السياسية الآن وتغمرها حِراكات كثيرة، في أولها حراك سلام دارفور الذي بدأ منذ خمس سنوات في العاصمة القطرية (الدوحة) وفي دارفور نفسها حيث الجماعات حاملة السلاح والمتمردة، وهو الذي نشهده اليوم تماماً، وتلك الجماعات تُحسم والاستقرار يعم، واتفاق سلام “الدوحة” القطرية يصل إلى خواتيمه بالاستفتاء الإداري حول الولايات أو الإقليم، الذي بدأ الحسم فيه قبل يومين وبنسبة قاربت الثمانين بالمائة أو زادت عليها في التسجيل.. وبقى إعلان نتيجة الاقتراع بعد ذلك، لتكون دارفور قد خرجت من الأزمة التي ضربتها منذ ثلاثة عشرة عاماً، وضاعف منها انفصال دولة جنوب السودان عبر دعمه وحضانته للجماعات المتمردة حاملة السلاح ولتلك التي تسندها سياسياً في الداخل.
حراك سلام دارفور وقد كانت له أبعاده السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية والتنموية بالنتيجة، كان قد وضع (النقط) على الحروف جراء أنه كان حراكاً إيجابياً وإضافة للنظام الحاكم وخصماً على المعارضين في الداخل والخارج. فزيارة السيد الرئيس “البشير” الأخيرة لولايات دارفور الخمس كانت خير شاهد على ذلك، من حيث الكم البشري الهائل الذي استقبله، والذي ربما كان له مردوده المتوقع عند الذهاب إلى صناديق الاقتراع على الاستفتاء الإداري وهو الولايات لا الإقليم.
على كل هذا الحراك الدارفوري بأشكاله المختلفة حراك إيجابي للغاية، ويتوجب على الآخرين أن يقرأوه في إطار المصلحة العامة، وليس المصلحة السياسية (الاعتراضية) الخاصة التي عانت البلاد من ويلاتها في السابق.. وقد كانت كثيرة.
فالديمقراطية الأولى التي فقدتها البلاد بتسليم الحزب الشريك السلطة للجيش في 17 نوفمبر 1958م بسبب الخلاف في الرأي والسياسات، كانت أحد تلك الويلات، وتلتها أخريات كما هو معلوم- أي مايو 1969 ويونيو 1989م.
والإيجابيات الأخرى في الحراك الولائي والعام التي بدت لها مردوداتها وما ينتظر منها، هي تلك التي أتت من بعض حكام الولايات الذين وجدوا في الدعم الشعبي والعام ما يدعم خططهم وتوجهاتهم في إعمار ولاياتهم وتجديد الحياة فيها.
فقبل مدة كان مولانا “أحمد هارون” (والي شمال كردفان) قد أعلن النفرة الشعبية لإعمار ولايته وتجديد الحياة في شُعبها.. فما عند الدولة والمركز وحده لا يكفي، وهناك الكثير الذي ينبغي عمله في التنمية والخدمات والصحة والتعليم.
وقد كان لتلك النفرة مردودها وعائدها الذي جعل السيد رئيس الجمهورية في زيارة خاصة للولاية يكرم السيد الوالي ويرفع من قدره وقدر مواطني الولاية التي كانت يوماً قد استضافت الدورة المدرسية الخامسة والعشرين، وقد كانت دورة ذات تميز وخصوصية ما تزال تذكر.
نفرة القاضي “أحمد محمد هارون” الشعبية لم تستثن سيدات الشاي والخدمات العامة كما رجال الأعمال والمؤسسات والمنظمات والزكاة.. الخ.. فكان لها عائدها الذي تمت ترجمته إلى خدمات وطرق ومدارس وأندية رياضية وثقافية نهضت بالعاصمة (الأبيض) وبقية مدن الولاية الأخرى.. فإشراك المواطن في تحقيق مصالحه أجدى من أن ينتظر ما يُعمل من أجله.. وذلك ما سبق للرئيس الأمريكي السابق “جون كنيدي” أن أكد عليه في زيارة له للجمهورية الألمانية إذ دعا إلى أن يسأل المواطن (ماذا أعمل من أجل وطني.. لا ماذا يعمل وطني من أجلي..؟) فالأزمة في بلادنا أن الكل ينتظر ماذا يُعمل من أجله لا العكس..!
ولكننا عوداً إلى بدء نذكر في إطار الحراك الإيجابي حراك المهندس “محمد طاهر أيلا” والي الجزيرة الذي يطرح هذه الأيام وبقوة شعار (نداء الجزيرة)، وهو الذي بدأه في عاصمته ود مدني تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، وجاء به إلى العاصمة الوطنية الخرطوم مخاطباً أبناء الجزيرة في الداخل والخارج وغيرهم وبين يديه جملة هموم ومشروعات وخدمات تحتاج إليها الولاية التي كانت الداعم الأول للموازنة العامة للبلاد عبر إنتاجها المعروف بالقطن طويل التيلة.
المهندس “أيلا” صاحب تجربة ناجحة في النهوض بولاية البحر الأحمر– كما هو معروف.. إلا أن ولاية الجزيرة في ظرفها الراهن تحتاج إلى نفرة كتلك التي قام بها السيد والي شمال كردفان مولانا “أحمد محمد هارون” وإن كانت للوالي “أيلا” مجاهداته على مختلف الصعد ومنذ أن بدأ رحلته في ولاية الجزيرة. فما ذكر أمام من حضروا لقاء قاعة الصداقة– أمس الأول– وفيه الكثير مما يدعو لتلك الهبّة والنصرة لتجاوزه يضع الجميع أمام واقع يتعين تجاوزه وبأعجل ما تيسر عبر شعار (نداء للجزيرة).. وكلنا للجزيرة.. فكانت التبرعات المهولة من رجال الأعمال والمؤسسات.
وقبل الوصول إلى خواتيم هذا المشهد السياسي نسأل: أين هم (المعارضون السياسيون) من هذا الحراك الإيجابي الذين يلزمهم (التجاوب) معه إيجاباً لا سلباً؟ فثقافة انتظار ما يُعمل انتهى وقتها والعمل معاً من أجل المطلوب للوطن ومواطنه هو المطلوب الآن.