(المجهر) تقتحم مخيم الجماعة الإسلامية المتهمة بالانتماء لـ(داعش) في شمال دارفور وتسرد الحقائق
بعد شائعة أطلقتها حركة تحرير السودان المتمردة
الجماعة تنتمي للطريقة التيجانية وشيخها يروي التفاصيل حول أصل الشائعة
قائد الدعم السريع التقى بهم وحدد لهم المكان ولا صحة لما روجه “مناوي”
شمال دارفور- محمد زكريا
تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي والمواقع الأسفيرية الأيام الماضية، أنباء تفيد بوجود جماعات إسلامية متشددة تنتمي لـ(داعش) دخلت ولاية شمال دارفور واستوطنت في إحدى محلياتها الغربية، فسارعت حكومة الولاية إلى نفي الخبر على لسان نائب والي الولاية “آدم حامد النحلة”، وأكد “النحلة” خلو الولاية تماماً من (داعش) وقدرة القوات المسلحة وانتشارها على كافة الشريط الحدودي مع دولتي ليبيا وتشاد.
(المجهر) اقتحمت بادية الجماعة بالقرب من بلدتي ديسا وغرير بولاية شمال دارفور، وتقصت حقيقة الحكاية فإلى مضابطها:
} في واحة صحراوية نائية محاطة بكثبان رملية وسلسلة جبلية ومجرى مائي، تبعد حوالي (185) كلم في الاتجاه الشمال الغربي من مدينة “الفاشر” عاصمة ولاية شمال دارفور، وحوالي (52) كلم في الاتجاه الشمالي من مدينة “كتم”، يجلس شيخ الطريقة التيجانية “حسن بحر الدين” نائب رئيس الجماعة وسط طلابه من حفظة كتاب الله تعالى والحديث الشريف تحت ظل شجرة كبيرة وهم يتلون آيات من القرآن الكريم والدعاء لشيخهم بالعودة بالسلامة في تسفاره، الشيخ “حسن” متوسط الحجم يميل لونه إلى السمرة، له لحية قصيرة تتخللها شعرات بيضاء يرتدي جلابية ويلف رأسه بطاقية خضراء وشال على كتفه، وأول ما لاحظته عليه هو هيبته من خلال طريقته في الحديث والتعامل مع تلاميذه.
يقول الشيخ في حديثه لـ(المجهر) إنه تعجب كثيراً عندما سمع شائعات تفيد بانتمائهم لـ(داعش) جاءوا من خارج السودان، وأضاف أنه سوداني الأصل من مواليد مدينه “كاس” بولاية وسط دارفور، وبها نشأ وتلقى تعليمه الأول، حيث حفظ القرآن على يد الشيخ “الشريف أحمد عبدالقادر” شيخ الطريقة التيجانية، ثم انتقل إلى خلوة مبروكة بمدينة “سنار” وتتلمذ على العديد من المشايخ والعلماء ودرس ألواناً من العلوم الشرعية، منها التفسير والفقه والحديث وغير ذلك.
} أصل الحكاية
يروي الشيخ “حسن” تفاصيل مجيئهم إلى بادية غرير التابعة لمحلية الواحة، وكيف وصلوا إليها وتساءل كيف يصفوننا بـ(داعش) ونحن أناس عاديون، إنه أمر لا يصدق، ويقول إنهم كانوا في خلوة مبروكة بـ”سنار” وقد عاشوا فيها فترة من الزمن، حيث كانت الخلوة بها ضوابط تعليمية جيدة، لا تتبرج فيها المرأة ولا إزعاج للأطفال والجميع حفظة للقرآن والحديث الشريف، وأضاف أنه وبعد وفاة الشيخ “الشريف أحمد عبدالقادر” مؤسس الخلوة في العام 2000، نشب خلاف بين مجموعة الشيخ “أبوالقاسم سلمان ملك” وهي ذات المجموعة التي وصلت دارفور، ومجموعة الشيخ “عبد الله محمد”، موضحاً أن الخلاف كان سببه من يكون خليفة للشيخ “الشريف” بعد وفاته، وأضاف أن الخلاف تطور إلى أن تدخلت الطريقة التيجانية بدولة الجزائر، وبأمر من الشيخ “البشير” في الجزائر تم اختيار الشيخ “أبو القاسم سليمان مالك” شيخاً للطريقة التيجانية بخلوة مبروكة بـ”سنار”، الأمر الذي رفضته مجموعة الشيخ “عبد الله” وبدأت الصراعات بين التيارين داخل الخلوة، وبحكمة من الشيخ “أبو القاسم” خوفاً من أن تسفك الدماء بين أبناء المسلمين، قام بتسليم كافة الممتلكات ورحل هو ومن معه من الطلاب إلى منزله بـ”سنار”، وبعد مضي وقت ليس بالقصير جاءهم طلب من أبناء محلية المالحة بولاية شمال دارفور تترجاهم بالذهاب إلى المالحة وإنشاء خلوة هناك لتدريس القرآن وعلومه، وتابع الشيخ قائلاً: وعند وصولنا المالحة، منحنا مالك المالحة مساحة تسعة كيلو مترات في الجزء الغربي من المدينة، لكن لأسباب لا نعلمها رفض بعض أهالي المنطقة وجودنا هناك بحجة أننا كثر ولدينا نساء وأطفال وثقافتنا تختلف عن ثقافتهم، حيث إن نساءنا جميعهن يرتدين الحجاب، طلبوا منا مغادرة المنطقة في غضون ثلاثين يوماً، مبيناً أنه وبالصدفة التقى الشيخ “أبو القاسم” بقائد قوات الدعم السريع القائد “محمد حمدان حميدتي” فطلب منه المجيء إلى الموقع الحالي الذي هم فيه، لتعليم أهله القرآن الكريم ونشره بين الناس، وقام باستئجار سبع شاحنات كبيرة لنقل الأسر وهذه كل الحكاية.
} حملات إعلامية مضللة
وتعرضت دارفور منذ اندلاع أزمتها في العام 2003 إلى حملات إعلامية مضللة أثرت سلباً على الرأي العام ما بين مصدق ومكذب، حيث شوهت سمعة الإقليم في إنسانها، ويقوم الإعلام الرسمي أحياناً بتصحيح المسار عبر النفي أو بعض التصريحات الصادرة من بعض المسؤولين، ويرى مراقبون للواقع الإعلامي بالإقليم ضرورة زيادة المواعين الإعلامية للحد من الشائعات الصادرة من بعض المغرضين، وتأتي هذه الحملات من باب المكايدة السياسية لإشعال الرأي العام. وكانت حركة جيش تحرير السودان (جناح مناوي)، قد قالت في بيان لها في وقت سابق، إنها رصدت تحركات لعناصر إسلامية تنتمي لـ(داعش) قوامها (700) شخص من ليبيا ومالي دخلت شمال دارفور، الأمر الذي يؤكد الدور الإعلامي السالب الذي تقوم به الحركات المسلحة في التأثير على الرأي العام العالمي.
يقول معتمد الرئاسة بولاية شمال دارفور “إبراهيم عزت” لـ(المجهر) إن المجموعة التي وصلت الولاية لا علاقة لها بالإرهاب، وهم حملة كتاب الله جاءوا من مختلف بقاع السودان لتعليم الدين الحنيف ونشره بين الناس، وليسوا من (داعش) أو إرهابيين كما يدعي البعض، واصفاً “مناوي” ومن معه بالمتطرفين، فيما استنكرت عضو المجلس الوطني عن قوائم المرأة “نوال عبدالرحمن جقران” حديث عضو البرلمان “الطيّب إبراهيم” حول دخول جماعات إسلامية متشددة بدارفور، وقالت لـ(المجهر) إن هذه الجماعة ليست لها علاقة بـ(داعش)، واصفة التصريحات بأنها عبارة عن دعاوى من جهات مغرضة تريد المتاجرة بقضية دارفور. وكان عضو البرلمان “إبراهيم الطيّب” بحسب بعض التصريحات التي تناقلتها بعض المواقع، قد قال إن جماعات دينية إسلامية من مالي ونيجيريا دخلت منطقة “ديسا”، وأشار إلى مخاوف أهالي المنطقة من ارتباطها بجماعات إسلامية متطرفة.
وخلال الجولة التي قامت بها (المجهر) داخل المخيم لاحظت حجم المعاناة التي يلاقيها الأطفال والنساء، حيث إن الجميع يفترشون الأرض، وحددت مخيمات خاصة للنساء يمنع الرجال الغرباء من الاقتراب منها إلا في حالات الضرورة، والتقت (المجهر) بعدد من الطلاب، يقول “عبدالكريم أحمد مبارك” وهو أحد الطلاب، إنه سوداني من منطقة “القضارف”، وأتى إلى المنطقة برفقة آخرين لمتابعة أمور دينه، واصفاً الشيخ “أبو القاسم” بالإمام العالم، فيما قال الطالب “بريمة عيسى بريمة” من بلدة “المزروب المعاليا” محلية عديلة، إنه دخل الخلوة منذ العام 1996 وتتلمذ على يد الشيخ “أبو القاسم” وما زال متواصلاً معه حتى اللحظة، وأضاف أن طبيعة معيشتهم تتدبر بقدرة الله سبحانه وتعالى، مستعرضاً شروط الانضمام إليه بضرورة حفظ المرأة وتعليمها وتفقهها في الدين، إلى جانب المحافظة على الصلوات في الجماعة والدعوة إلى وجه الله لا لغرض ولا مادة ولا سلطة ولا جاه، مشيراً إلى أنهم ومنذ مجيئهم إلى المنطقة، وجدوا حفاوة الاستقبال من أهل البلدة.
{ الإدارة الأهلية والشباب ترحب
وأعلنت الإدارة الأهلية بمنطقة “غرير” ترحيبها بمجموعة الطريقة التيجانية التي وصلت المنطقة قبل اثنين وعشرين يوماً، وقال وكيل إدارة قبيلة المهرية، رئيس الإدارة الأهلية بالمنطقة “مصطفى الدود مهدي” في حديثه لـ(المجهر) إن الذين جاءوا إلى المنطقة هم مواطنون سودانيون عزل وهم ضيوف عنده، وشيمة أهل السودان يكرمون الضيوف، مشيراً إلى أن من بينهم نساء وأطفال وهم في حاجه لتقديم الخدمات الضرورية، داعياً الإعلام المحلي والدولي بالدخول إلى المنطقة والوقوف على حقيقة الأمر، وقال إن الإعلام أصبح يمثل جزءاً كبيراً من حياة الناس، وأحياناً يروج للشائعات وتدخل الشكوك في قلوب الناس، فيما قال أحد شباب المنطقة يدعى “برعي عبدالرحمن بلولة” إن الشائعات التي تدور في بعض المواقع القصد منها استهداف المنطقة خاصة وأنها قد شهدت خلال الفترة الماضية عدة معارك أكبرها معركة “ديسا” التي استشهد فيها حوالي (500) شخص، معلناً في هذا الشأن ترحيبهم بالجماعة الإسلامية باعتبارهم أناساً عزل وليس لديهم سلاح أو أي شيء يهدد أمن المنطقة، مطالباً الحكومة الاتحادية والولائية بضرورة الاهتمام بالمجموعة وتوجيه المنظمات الوطنية لدعمهم خاصة وأنهم يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة، كما طالب السلطات الولائية بضرورة الاهتمام بتوفير الخدمات الضرورية لأهل “غرير” والقرى المجاورة لها.
{ السلطات تتقصى الحقيقة
وعلمت (المجهر) من مصادر مطلعة، أن السلطات المختصة بالولاية قد أرسلت أتياماً إلى بلدة “غرير” لتقصي حقيقة الجماعة، وكانت حكومة الولاية قد نفت في وقت سابق وجود أي جماعات إسلامية متشددة بالولاية، وقال نائب والي شمال دارفور “آدم النحلة” إن القوات المسلحة قادرة على حماية الحدود، مؤكداً استقرار الأوضاع الأمنية بمختلف المحليات.
{ جولة داخل المخيم
وخلال الجولة التي قامت بها الصحيفة داخل المخيم التقت بعدد من الطلاب والمشايخ، استنكر الجميع انتماءهم لأي جماعات متشددة، ولاحظت (المجهر) في جولتها حجم المعاناة التي يتلقاها الأطفال والنساء بالمخيم ، حيث إنهم جميعهم يفترشون الأرض وخصصت مخيمات خاصة بالنساء يمنع الرجال الغرباء من الاقتراب منها.
يقول الطالب “عبدالكريم أحمد مبارك” من أبناء “القضارف”، إنه جاء إلى المنطقة بغرض متابعة أمور دينه، وإنه لم يسمع بقصة أنهم (داعش) إلا عبر (المجهر)، حيث إن الاتصالات منقطعة تماماً بالمنطقة، واصفاً الشيخ “أبو القاسم” بالإمام العادل وقال إنهم يعتمدون في طريقة عيشهم من أكل وشرب على قدرة الله تعالى، فيما قال “عيسى بريمة” من منطقة “المزروب المعاليا” محلية عديلة، إنه دخل خلوة مبروكة بـ”سنار” منذ العام 1996، مشيراً إلى أن شروط الانضمام للمجموعة تتمثل في حفظ المرأة وتعليمها وتفقهها في القرآن والصلاة في جماعة والعمل من أجل الارتقاء بالأمة من براثن الجهل بالعبادات والمعاملات إلى ارتياد آفاق العلم والمعرفة، مؤكداً أن الجميع بالخلوة سودانيون من مختلف القبائل ولا يوجد بينهم شخص أجنبي، وأضاف أن معظمهم يحملون الرقم الوطني وأن برنامجهم يسمى محو الأمية الدينية.