تضارب الناطقين وتعدد ألسِنَة الحكومة .. غياب مسؤولية أم إستراتيجية؟
على ماذا يستند المؤتمر الوطني في اختياره للشخصيات التي تشغل مواقع مهمة سواءً داخل الحكومة أو الحزب؟ وهل هناك خطة لإدارة هذه المؤسسات مُتفق عليها تحكم مسار عملها أم يعتمد هؤلاء الأشخاص على تقديرات شخصية؟، ووفقاً لذلك يكون خطاب القيادي أو المسؤول يعبر عن مستوى تفكير أو تقدير هذا الشخص، وهل فعلاً يصدر خطاب الناطق الرسمي في الحكومة أو الحزب حول القضايا الحساسة بعد خضوعه لدراسة ونظر، ويتم اختيار المشاركين في البرامج الحوارية في الفضائيات حينما تطرأ قضايا وفقاً لمقدرات الشخص واختصاصاته، أم أن هذا الأمر يتم بصورة خارجة عن إرادة الجهات المسؤولة؟ هذه الأسئلة وغيرها أصبح يطرحها الناس كلما خرج قيادي بتصريح لا يتوافق أو يتناغم مع ما يدور في الساحة؛ الأمر الذي يدعو الجهة إلى نفي ما ورد أو التبرؤ من تبعيته وتمثيله لها أو حينما يشارك بعضهم في البرامج الحوارية المؤثرة التي تحظى بنسبة مشاركة عالية ليكذب الواقع، ويكون بالأساس لا يعلم شيئاً أو مُغيَّباً، وبالمقابل يكون هناك من هو أجدر منه وممسكاً بالملف، لكنه يظل صامتاً، والحالة هذه انطبقت قبل ذلك على مجموعة نيفاشا أمثال سيد الخطيب وإدريس عبد القادر اللذين ظلا مبتعدين عن الإعلام، رغم أن الاتفاقية كانت من صنعهم، في الآونة الأخيرة تكرر هذا الأمر كثيراً، وتكرر معه النفي والمغالطات لدرجة أربكت الساحة السياسية، وأصبح للحكومة لسانان، وللحزب عدة ألسُن؛ ونتيجة لذلك كان يصرح أكثر من مسؤول في القضية الواحدة، وتبعاً لذلك تبرز التباينات ولا يدري الناس حينها أيهما يعبر عن رأي الحكومة، وسبق قبل ذلك أن نبه وزير الخارجية حينما قال إن هناك جهات عديدة تتحدث عن ملف وزارته، وتتسبب في ما سمَّاه بـ(لخبطة الشغل)، والشهر الماضي كذلك طالع الناس تصريحين مختلفين في قضية واحدة، ففي الوقت الذي قالت فيه قيادات مسؤولة أن لا زيادة في سلعة السكر، أكدت قيادات أخرى للإعلام تحرير سلعة السكر؛ الأمر الذي دعا الناس إلى التساؤل عن أين الحقيقة؟، وانطبق هذا الأمر على موضوع الدولار، حيث سبق أن نوه مسؤولون إلى أن البنك المركزي سيستمر في ضخ الدولار إلى الصرافات، فيما نقلت الصحف في اليوم الثاني تأكيدات مفادها إيقاف ضخ الدولار إلى الصرافات.
بالأمس صدرت صحف الخرطوم، وعلى صدر صفحاتها الأولى خبران متضاربان؛ فالصحف التي طُبعت في وقت مبكر قالت إن وزير التجارة أعلن فك الحظر عن السيارات المستعملة، بينما نفت صحف أخرى طُبعت في وقت متأخر هذا الخبر، وجاء ذلك على لسان الرئيس، والسؤال المشروع كيف يحدث ذلك في دولة واحدة؟، ألم يكن هناك اتفاق حول هذا الأمر بين الوزارات المختصة ووزرائها، وأقصد وزارتي التجارة والمالية صاحبتي هذا القرار والمدافع الأول عنه، والملاحظ أن كل هذه القضايا مرتبطة بالمواطن، يبقى أن حجم الإفرازات السالبة سيكون كبيراً، بعض الناس يعزي بروز ظاهرة تضارب التصريحات إلى ابتعاد العارفين عن دوائر الإعلام، وترك الساحة إلى آخرين بعيدين عن مراكز صناعة القرار، بجانب كثرة المتحدثين باسم الحكومة والحزب، بينما يرى آخرون أن المسألة مرتبطة بعدم وجود إستراتيجية وأُطُر تحكم موضوع الناطق والمتحدث بصورة عامة، ولهذا السبب يرى هؤلاء أن موضوع الناطق ظل يمثل مشكلة للدولة، لاسيما أن هناك ناطقاً باسم الحكومة وهو وزير الإعلام، وناطقاً باسم الجيش، وآخر باسم الشرطة، وناطقاً بالخارجية وأيضاً استحدث الحزب الحاكم، مؤخراً، منصباً للناطق باسم الحزب، حتى يتفادى مسألة صدور أكثر من تصريح على لسان قياداته في قضية واحدة، وقيل إن هذا الأمر كان يسبب إزعاجاً لأمانة الإعلام؛ ولهذا السبب تم الاتفاق على أن يكون هناك ناطق رسمي باسم الحزب، في أواخر أيام غندور قبل أن يغادر الأمانة، لكن رغم ذلك لم يستطع هذا المنصب حل المشكلة لأن من يشغله في أغلب الأحيان لا يملك المعلومات المهمة والطارئة، كما أنه لم يستطع ضبط خطاب القيادات داخل المركز العام للحزب، التي ظلت تصرح بصورة راتبة في شتى الموضوعات، ولا يدري أحد أين يكمن القصور هل في مؤسسات الحزب أم في شخصية الناطق التي لم تستطع فتح قنوات للتعامل بسرعة مع المعلومة الطارئة والحدث المهم؟، وأيضاً هناك إشكالات وتضارب على صعيد المعبرين بلسان الحكومة ناتج عن غياب المعلومة أوعدم التنسيق بين هؤلاء المسؤولين؛ ولهذا السبب قيل إن المهندس عبد الله مسار حينما كان وزيراً للإعلام حاول إرجاع ملف الناطق لوزارته، حينما قال: (وزارة الإعلام هي المتحدث باسم الدولة)، لكنه لم يستطع فعل ذلك، إلى أن غادر الوزارة وظلت الأزمة قائمة، ووزير الإعلام الحالي دكتور أحمد بلال كذلك حاول الاجتماع بالناطقين، ربما لتنظيم هذا الموضوع، وبالمقابل هناك أيضاً ثمة مشكلات ارتبطت بالمشاركين في البرامج الحوارية في الفضائيات سواءً كانوا من الحكومة أو الحزب، فالحكومة منذ فترة ظلت تدفع بشخصيات بعيدة عن الملفات محل الحدث أو قد يكونوا دفعوا بأنفسهم إلى هذه القنوات، كما ذكر الناطق باسم الحزب حينما قال، في موضوع مشاركة ربيع عبد العاطي المثيرة للجدل بقناة الجزيرة، إن ربيع كان يمثل نفسه، لكن دعونا كذلك نسأل هل تشارك القيادات المقتدرة والفاعلة في الحزب في مثل هذه اللقاءات أو حتى تتجاوب مع طلبات الإعلام الخارجي الذي يحاول متابعة قضايا السودان الساخنة؟ واقع الحال يؤكد أن كثيراً من قيادات الوطني الحاكمة والمسؤولة عن ما يحدث أصبحت تعتذر عن الحديث، كأنها ليست مشاركة في مسؤولية عامة، وأمثلة هؤلاء كثيرة، وحتى أنه في أيام احتلال هجليج شكا ممثل قناة الجزيرة، في لقاء أقيم في بيت نائب الرئيس وشارك فيه د.نافع، عن عدم تمكنهم من الحصول على إفادات من مسؤولي المؤتمر الوطني المؤثرين؛ لأنهم لا يتجاوبون معهم، في حين كانت المعلومات متوفرة للقناة من قبل مسؤولي الحركة الشعبية، فلماذا لا يخصص المؤتمر الوطني شخصيات للمشاركات الحوارية وفقاً لموضوع الحوار والشخصيات المشاركة من الطرف الآخر؟، ولماذا لا يكون هناك ناطق واحد باسم الحزب والحكومة (بالضرورة من المؤتمر الوطني) يمتلك معلومات وحاضر الذهن في كل القضايا سواءً كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى ثقافية، ويجيد الحوار والنقاش وحتى إذا لم يستطع إقناع معارضيه يتمكن من إحداث المعادلة المطلوبة والمرضية للمعارض والمتابع؟ ولماذا يستهلك الحزب المقتدرين في ملفات تنفيذية يومية مرهقة مثل ملف دارفور، الذي يمسك به الدكتور أمين حسن عمر، ويُغيِّب تلك الشخصيات الإعلامية المثقفة والمقنعة عن منصب الناطق؟