تفاقم الأزمة وقلق صيدلاني : سوق الدواء .. من يحسم الفوضى؟
ما زالت أزمة الأدوية تراوح مكانها، فقد أصبح المواطنون يعيشون تحت مطرقة غلاء الأسعار، خاصة الدواء بعد أن سجلت أسعاره ارتفاعاً جنونياً، وصل إلى (100%) بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار (300) مرة.
وأبدى موردون وصيدلانيون قلقهم حيال استمرار ارتفاع الأسعار مما أدى لتوقف عدد كبير من شركات ومصانع الأدوية، بعد أن تكبدت خسائر فادحة في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار الذي شهد ارتفاعاً متواصلاً منذ بداية العام الحالي.
والناظر إلى حال الدواء الآن يجده أصبح سلعة تحت العرض والطلب، ففي كل يوم تجد الدواء بسعر مختلف، بسبب عزوف شركات الدواء عن استيراد الأدوية مما أدى إلى خلو أرفف الصيدليات وانعدام الأدوية المنقذة للحياة، خاصة أدوية الضغط وأمصال لدغات العقارب، وأدوية الصرع، وبعض أنواع المخدر العام وأدوية الحساسية. ولعل الكرت الأصفر الذي رفعته جمعية حماية المستهلك في وجه الحكومة هو بمثابة جرس الإنذار ودق لناقوس الخطر الذي أصبح يهدد حياة المواطنين.
{ المرض لا ينتظر
عدد كبير من المرضى لا يستطيع دفع فاتورة الدواء، وأصبح العلاج في متناول الميسورين فقط، وقد قام بعض المرضى بشراء كميات من الأدوية لتفادي المعاناة في البحث، إذ إن حاملي بطاقة التأمين لا يجدون الدواء بسبب أن أدوية التأمين (خارج التغطية)، وشنت أوساط صيدلانية هجوماً على شركات الأدوية بسبب ما وصفته بحالة الجشع المُمارس من قبلها، وقالت إنها تنفذ إضراباً خفياً وغير معلن، وطالب صيدلانيون الحكومة بضرورة التدخل العاجل واتخاذ إجراءات لحسم الفوضى في قطاع الدواء وحماية المرضى بتوفير الأدوية لهم، وأكدوا مغادرة بعض أصحاب الشركات إلى خارج البلاد بعد أن أغلقوا شركاتهم، وأشاروا إلى وجود (200) شركة مهددة بالإفلاس بعد أن وصلت خسائرها إلى (60) مليون دولار. وشدّد الصيدلانيون على ضرورة إيجاد الدولة لبدائل عاجلة، باعتبار أن المرض لا ينتظر، وأن الدواء مفروض على المريض ولا خيار في اختياره، كما أنه لا يمكن تصنيفه ضمن السلع الأخرى.
وحذر د. صلاح سوار الدهب، رئيس اتحاد الصيادلة من تفاقم أزمة الدواء بالبلاد، وتوقف مصانع وشركات الأدوية، وحدوث ندرة وشح في الأدوية في حالة استمرار ارتفاع الأسعار. ووصف سوار الدهب الوضع الحالي بالخطير والمعقد، وتوقع حدوث ندرة في الأدوية خلال الفترة القادمة في حال عدم تخصيص نقد أجنبي لصرف الدواء بالسعر الموازي، مؤكداً زيادة أسعار الدواء بنسبة (100%)، وقال إن تحرير سعر صرف الدواء لا يعني تحرير سعره في الأسواق، وأشار إلى أن الدواء لا يزال مقيداً، وأكد وجود مساعٍ من الاتحاد للحصول على سعر (5.3) للدولار لكي لا تحصل ندرة في الدواء. ودافع رئيس الاتحاد عن شركات الدواء، وقال إنها تعاني ضغوطاً ولديها مطالبات بمبالغ ضخمة تصل إلى (60) مليون دولار لشركات عالمية.
{ الصحة تتهرب
أكد د. بهاء الدين عبد الحميد الأمين العام لغرفة صناعي الأدوية، عدم التوصل حتى الآن لحلول جذرية لمشكلة الدواء، وقال إن ارتفاع سعر صرف الدولار ساهم بصورة أساسية في تفاقم الأزمة، وقال إن سعر الصرف زاد (300) مرة مما أثر على سعر الأدوية، وأشار إلى أن العام الماضي حصلت فيه زيادة بنسبة (20%)، والآن من (70%) إلى (92%). وانتقد د. بهاء الدين تهرب المجلس القومي للأدوية والسموم والوزراء المعنيين من مواجهة وحل المشكلة، مؤكداً ارتفاع الأصناف الدوائية إلى (40%) بجانب ارتفاع سعر مدخلات الأدوية المصنعة محلياً بنسبة (60%)، وتوقع استمرار المشكلة، وقال إن الهروب لن يحل المشكلة، وطالب بضرورة تحديد سعر يقدر عليه المواطن، وحذر من مغبة توقف مصانع الأدوية وحدوث شح وندرة في حالة عدم تخصيص مبالغ لصرف الدواء.
{ البنك المركزي في قفص الاتهام
د. صلاح سوار الدهب، رئيس اتحاد الصيادلة اتهم بنك السودان بالضبابية وعدم الشفافية، وقال إنه غير قادر على تخصيص سعر رسمي حتى الآن، وأكد سوار الدهب، أن بنك السودان رفض منح مناشير للبنوك لتوفير الدواء، وحمّله المسؤولية جراء سياساته التي قال إنها غير واضحة، وأشار إلى ضرورة التزام البنك بسداد (50) مليون يورو أسبوعياً، مؤكداً خروج صيدليات من السوق، وتوقع خروج الشركات أيضاً بعد معاناتها، كما أشار إلى وجود مشكلة رقابية دوائية على الولايات وتوزيع الخدمة على المناطق النائية.
وطالب د. ياسر ميرغني، الأمين العام لجمعية حماية المستهلك الحكومة بتوفير (200) مليون يورو لدعم الأدوية سنوياً، وقال أن المنظمة الدولية للمستهلك وجهت الجمعية بإشهار الكرت الأصفر في وجه الحكومة تنبيهاً لخطورة الوضع الدوائي بالبلاد، وقال لـ(المجهر): على الدولة أن توفر الدولار مدعوماً للاستيراد، ودعم الدواء بمبلغ (2,70) جنيه أسوة بالقمح، ولفت إلى أن المواطنين بإمكانهم التخلي عن القمح لكن لا يمكنهم التخلي عن الأدوية، وشدّد على ضرورة دعم الصناعة الوطنية، وإلغاء كل الرسوم المفروضة على التعبئة والتغليف، والإيقاف الفوري لاستيراد كل الأصناف الدوائية التي تُصنع محلياً، وتوسيع وإلزامية مظلة التأمين الصحي والضمان الاجتماعي لتوفير الأدوية المجانية للمرضى.
{ أدوية التأمين خارج التغطية
أكدت د. هالة أبو زيد، مدير قسم الطوارئ بمستشفى الخرطوم انعدام الأدوية المنقذة للحياة بالإمدادات الطبية، خاصة أدوية تليف الكبد وصد الصرع والخيوط الجراحية لعمليات الاستكشاف، ونوع من المخدر العام، قالت إنها غير موجودة الآن بالإمدادات بالرغم من تأكيد الهيئة بتوفير الأدوية المنقذة للحياة، وقالت د. هالة إن أرباح الإمدادات الطبية وصلت (247%)، وأشارت إلى لجوء إدارة المستشفى لشراء الأدوية من السوق الأسود بثلاثة أضعاف المبلغ المحدد، وهاجمت د. هالة التأمين الصحي مؤكدة عدم ثقتها فيه، وعزت ذلك لكونه يفرق بين المرضى ويقوم بتوفير الرخيصة، وقالت إن معظم المرضى لا يجدون الأدوية التي يحتاجونها، ويضطرون لشراء الدواء من جيبهم الخاص بمبالغ باهظة، وأكدت مدير قسم الطوارئ ضرورة ضبط صناعة الأدوية، وكشفت عن مديونية على أدوية التأمين بقسم العظام بالمستشفى بمبلغ (247) مليون جنيه، مشيرة لمعاناة المستشفى في توفير المعدات والمعينات للمرضى، وأضافت إن الدواء سلعة كبيرة ومهمة تتطلب الاهتمام من المسؤولين والقائمين على أمر الصحة بالبلاد، وأشارت إلى أن وزارة المالية الاتحادية تدفع مبلغ (8) ملايين جنيه للعلاج المجاني والأدوية المنقذة للحياة، وأبدت تشككها في كيفية توزيعها، وطالبت باستقطاع جزء من الميزانية لتوفير الأدوية على أن تكون هناك شفافية وتنسيق بين الجهات ذات الصلة.
وأكد ممثل المجلس القومي للأدوية والسموم د. أسامة بابكر، أن المجلس بدأ في تخفيض أسعار حوالي (269) من الأصناف الدوائية بنسبة (49%)، وتشمل أدوية الضغط والسكري، وبعض أدوية السرطان، والأدوية المنفذة للحياة (الباهظة الثمن)، وهرمون النمو، وأدوية الأطفال والنساء كالمضادات الحيوية.
وأرجع د. أسامة ارتفاع أسعار الدواء إلى ارتفاع سعر العملة الصعبة، وقال إن المجلس القومي من اختصاصاته وضع تسعيرة الدواء حسب القانون، وأكد أن الدواء يعدّ السلعة الوحيدة المسعرة وفقاً للقانون، وأن المجلس يتدخل في تحديد السعر للمواطن، وقطع بأن المجلس القومي بدأ في تخفيض سعر الدواء بالعملة الصعبة منذ لحظة وصول الدواء للميناء، مؤكداً الاستمرار في تخفيض الدواء بسعر العملة.
{ المخرج من الأزمة
يرى خبراء، أن المخرج من الأزمة هو تدخل الدولة باتخاذ قرارات حاسمة بتخصيص سعر صرف الدواء لمنع المضاربة في الأسواق وجشع التجار، وإلزام البنك المركزي بتوفير العملات الصعبة للشركات، والإيقاف الفوري لاستيراد الأدوية المصنعة محلياً، بجانب إدخال الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لعلاج الشرائح الفقيرة، على أن لا تكون ربحية واستثمارية.