عواصف "سيسي"
{ يجلس “د. التجاني سيسي” رئيس السلطة الإقليمية في دارفور فوق (كومة) من العشب الجاف، وسط رياح متناهية السرعة، وشرر يتطاير من فوق الرجل، ويمنة ويسرى. وحول “السيسي” شامتون وطامعون ومتربصون ومشفقون، والتجربة التي يخوضها الآن تتعرّض لامتحان عسير يُهدِّد بفشلها، واحتراق مركب قائدها في اليابسة قبل أن يبتل بماء البحر.
{ يواجه د. “التيجاني سيسي” تململاً وسط قواته العسكرية، وسخطاً؛ جعله يتعرض للاحتجاز في مقر السلطة والتهديد؛ حتى أنقذ الموقف العصيب والي شمال دارفور “عثمان كبر”، وذلك قبل ساعات من انعقاد مؤتمر أهل دارفور الأسبوع الماضي.. وحادث (الخناق) بين العسكر ود. “سيسي”، له علاقة مباشرة بتصدعات أخرى داخل حركته بجناحها السياسي، حيث (ضاقت) مواعين السلطة الإقليمية عن استيعاب جيش (عرمرم) من السياسيين المتطلعين للسلطة القادمين من مشارب شتى وأحزاب عديدة.. بعضهم (تربى) في أحضان المؤتمر الوطني، رضع من ثديه حينما كان يفيض اللبن، وآخرون (ترجلوا) من قيادة حركات أخرى مسلحة، وفئة ثالثة من المنسوبين لأحزاب المعارضة تطاول عليهم انتظار سقوط النظام، فالتحقوا بحلفائه من المسلحين ليأكلوا بارداً ويشربوا شراباً حلو المذاق.. وسط هذه الجيوش المتطلعة للمال والسلطة والجاه.. يجد د. “التجاني سيسي” نفسه تحاصره المشاكل والأزمات. فالمال عند الحكومة الاتحادية جفت منابعه، وقلت موارده، وبات البترول الذي يخرج من جوف الأرض لا يكفي حتى الاستهلاك الداخلي. والحكومة القطرية، التي صنعت اتفاق الدوحة من العدم، وجمعت شتات الحركات المسلحة، وجاءت بالدكتور “التجاني سيسي” من الأمم المتحدة، كموظف دولي لا علاقة له بالقتل والسلب والنهب، وجعلته قائداً لجماعات متعددة المذاهب موحدة تحت سقف حركة التحرير والعدالة، ولكن الحكومة القطرية حتى اللحظة لم تدفع مليون دولار واحداً؛ حتى تجعل من “السيسي” قائداً في دارفور بيده المال والقرار، وتصبح وثيقة الدوحة إطار موجب يدفع آخرين من حملة السلاح للالتحاق بالاتفاقية.
{ مع شح المال الداخلي وإمساك المانحين من العرب والأعاجم عن دعم السلطة الإقليمية، يواجه د. “التجاني سيسي” وسلطته وضعاً حرجاً جعل الرجل بتهذيبه الشديد ورقته وسماحة خلقه، يقول في المؤتمر دارفور الأخير (بعد عام من الآن سنجلس لمراجعة موقفنا إما أنجزنا ما جاء في الوثيقة وإما رفعنا يدنا وذهبنا)، تسرّبت تلك العبارة، ولم يلتقطها أحد.. رغم أن كل ما يحيط باتفاقية الدوحة لا يبعث بالاطمئنان، وعلامات الفشل التي تلوح في الأفق ستذهب بالاتفاقية لمقبرة تضم اتفاقيات عديدة، ولن يخسر د. “تجاني سيسي” شيئاً، ولكن الخاسر من فشل اتفاق الدوحة هي دارفور أولاً، وشعبها المتطلع لوقف دوران العنف، والحكومة السودانية، التي رمت (بثقلها)، ووضعت كل (بيضها) في سلة “السيسي”؛ حتى فشل اتفاقية الدوحة، ثم الخاسر الأخير حكومة قطر التي باعت للناس الأحلام، وقدمت نفسها منقذاً للفشل الذي لازم حل قضية دارفور..
فماذا تفعل الخرطوم والدوحة؟، وما هي خيارات د. “السيسي” في ظل الواقع المرير جداً في دارفور الآن؟!.