رأي

عابر سبيل

بين الحكومة والقطاع الخاص
ابراهيم دقش
الإشاعات تطايرت، بعضها مصنوع والآخر مقصود، تنبئ عن “ارتحال” مجموعة شركات سودانية صرفة وناجحة مع تحديد الجهة والوجهة… ويبدو أن رئيس تلك المجموعة قصد أن يرد على الشائعات رداً عملياً وعلمياً، فدّعا نائب رئيس الجمهورية ووالي الخرطوم ووزير الزراعة الاتحادي وزميله وزير زراعة ولاية الخرطوم ومدير البنك (الزراعي السوداني) ونائب محافظ بنك (السودان المركزي)، ووزير الاستثمار في ولاية الخرطوم لحضور احتفالية “حصاد” القمح في المزرعة التجريبية في أطراف العاصمة، والتي تحتل مائة وعشرين ألف فدان… والفدان الواحد هناك أنتج خمسة وعشرين جوال قمح ويزيد بمواصفات نادرة في بلدان العالم الثالث أهمها التركيز على النوعية وليس الكمية، وذلك هو بيت القصيد… وكانت المفاجأة بالنسبة لي شخصياً سيطرة “المكننة” على الموقف فلا شيء يدار يدوياً، حتى الماء ناهيك عن الزراعة وإعداد التربة والحصد والقطع والتعبئة والشحن والنظافة… فهذا مستوى لا يوجد وصف له سوى أنه “رائع”… وقلت إن تلك كانت مفاجأة لي بحسبان أني عملت لفترة قصيرة زراعياً “بالمجاورة” كمساعد لوكيل أول وزارة الزراعة والأغذية والموارد الطبيعية، عندما كانت تضم كل القطاع الزراعي في جوفها من ري وثروة حيوانية وزراعة ومراعٍ واستثمار أراضي وموارد طبيعية في سبعينيات القرن الماضي، وبحكم وظيفتي أعلم أن “المكننة” أدخلتها الحكومة آنذاك في مشروع (الرهد الزراعي)، وأخمدت في مهدها بالإهمال وعدم الدربة وانعدام التدريب… وبيعت ماكيناتها في سوق الله أكبر فيما بعد بما فيها للأسف الشديد حاصدات القطن، وعادت حليمة إلى قديمها في المجال الزراعي، وهاأنذا أشهد الحلم يتحقق في حضن القطاع الخاص… وليس القمح وحده هو المزروع هناك، فالبرسيم يتم تصديره وينافس حتى رصيفه الأمريكي ويجلب العملة الصعبة، وقد حدثني المهندس الزراعي “ميرغني باشاب” أن البرسيم المصدر يتعرض للكشف عليه ويعاد إلى بلد المنشأ إذا لم يستوفِ أي من تسع مواصفات منها كمية البروتين وحجم الرطوبة، وعرفت منه أيضاً أن دورة البرسيم تمتد لثلاثة أو أربعة وعشرين يوماً فقط… وفيما القمح دورته ثلاثة أشهر، وأن الذرة الشامي دورته أربعة أشهر، وهو أيضاً يزرع هناك في مزرعة “الواحة” التي تصلها المياه من النيل عبر “التُرع” مع وجود محطة للري المحوري لكل خمسة وتسعين فداناً…
وسألت عن “معضلة” الأراضي بالنسبة لتلك المساحة الشاسعة التي عمرها ثماني سنوات، وإن كانت شكلت “عقبة” في بداياتها، فعرفت بأن “الأهالي” تحرشوا وطالبوا… وانتهى الأمر بتسوية ودية لعلّ أهم بنودها قيام الإدارة بمشروعات مسؤولية اجتماعية في المنطقة، من حفر آبار إلى تهيئة جوامع وبناء مدارس…الخ…
ومما يلفت النظر ابتكار استخدام “التبن” القمحي كعلف… وبطريقة علمية وتقنية متطورة شرحها لي الأخ “علي الشيخ” الذي فأجاني بأن لهم مزرعة قمح كبرى في الولاية الشمالية جنباً إلى جنب مزرعة تملكها الدولة، مما يعني أن الحكومة والقطاع الخاص يمكن أن يعملا سوياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي.
ولازال يرن في أذني سؤال من كان معي بالعربة وهي تقطع المسافة التي تقع عليها مزرعة الواحة: كل هذه المساحة “حقت” الزول دا؟ ويقصد “أسامة داؤد”، فلما رددت عليه إيجاباً قال بعفوية:
“زول زيّ دا حقو يدعموه”، فقلت له من الذي يدعم الآخر هو والدولة؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية