المجهر مع رياضي من الطبقة الوسطى "عبد المنعم عبد العال"
حوار – صديق دلاى
لم أرَ أكرم من “الطيب عبد الله” وأعظم من “مهدي الفكي”
في الثمانينيات شاهدت نساء يشجعن هلال – مريخ من المساطب
لا أكره المريخ وكثيراً ما أصفق له وأشجع الأهلي ضد الهلال
كان “صلاح إدريس” مشجع (ينط) السلك وجمال مؤهل
بدون شك “مدني” أعظم من الخرطوم لأننا سافرنا لـ”كوريا الجنوبية” عام 57
أصعب مباراة في حياتي طرفاها (الهلال) و(الأهلي)
كثيراً ما نقرأ روايات عظيمة، ونمني أنفسنا أن نلتقي بأبطال معينين وأكثر من ذلك، كما هو متفق أن تغرم بشخصيات مميزة ثم يخيب ظنك وأنت تلتقي بهم سيما لو ناقشتهم واختلفتم، وفئات الناس متنوعة بأقدارهم، ويكفي لقائي المهم بالأستاذ “عبد المنعم عبد العال” بقامة ضابط حربية، وملامح فيها خليط من الأهلية والأصول وبعض من البرجوازية، لو تمعنت فيه لخرج من خيالك عالم السكة الحديد والسودان، ديمقراطي يصدر الماشية، ويحرز الكأسات، ويصوّت ضد “أمريكا” بقوة الجغرافية والتاريخ، و”منعم” حالة فريدة لسودان ضاع من بين أيدينا.
(المجهر السياسي) جلست معه مطولاً واكتفت (أولاً) بحلقتين أظهر فيهما صفحات خفية من تاريخ الرياضة والمجتمع لم يطلب منا توقيف التسجيل، وكان هيناً وليناً بديمقراطية منسجمة من عمر حافل بالتجارب والمواقف والحكايات، لم يحتاج لدراسة جامعية ودرجات علمية وتشدق، واكتفى بنشأته وسط الناس العاديين، حيث (النفاج) والسوق وعالم (الكورة).
{ كيف حال الذاكرة يا عمي “منعم”؟
– أنا من عمري (5) سنوات أعرف ماذا أفعل.
{ ولكن لماذا الرياضة تحديداً؟
– بيتنا كله رياضيين عمي “علي حميدة”، “الفاتح”، “عبدو” و”حسن حميدة”، وبقيت مع الأهلة بالوراثة.
{ من المناسب أن نفتح الحديث برئيس غير عادي هو “الطيب عبد الله”؟
– حبه للهلال لدرجة أنه لم يتزوج، فصار الهلال زوجة وأولاداً وأماً وإخوة ودنيا وهدفاً ومصيراً.
– { اللامع فيه؟
– في حياتي لم أرَ أكرم منه.
{ في عمرك المديد بإذن الله.. كيف تتحدث عن أقطاب المريخ؟
– أعظم الناس هو “مهدي الفكي”، “شاخور” و”حسن أبو العائلة”.
{ أنت من الإداريين الذين جاءوا للرياضة من المساطب الشعبية؟
– هذه حقيقة شجعت الهلال وأنا صغير مع أعمامي، وحينما صرت صبياً كنا نركب قطر مدني (المحلي) 12 ظهراً ونرجع بقطر الأبيض نغني ونرقص على سطحه.
{ كيف كان حال المساطب الشعبية في تلك الأيام؟
– منتهى الرقي والاحترام وفي الثمانينيات شاهدت نساء يشجعن هلال – مريخ من تلك المساطب.
{ هل كان منظراً عادياً؟
– لا لم يكن منظراً عادياً.
{ أين تكمن عظمة الهلال تاريخياً؟
– في نوع قياداته كنا لما نشوف “صديق منذول” مراجع عام و”الهادي صيام” رئيس حسابات و”إبراهومة” و”برعي” معلمين، وقس عليهم “جكسا” و”الدحيش” و”علي قاقارين” كانوا بالفعل يجبروك على احترامهم.
{ كل الساحة في “العرضة شمال” و”العرضة جنوب” راقية ومحترمة؟
– لا هلال بدون مريخ ولا مريخ بدون هلال، وكانوا كلهم يأتون من عائلات عظيمة ومحترمة.
{ كم هي الصولات والجولات باسم الرياضة؟
– كنا ذات مرة في “اليونان” باسم الأكاديمية الأولمبية من (201) دولة وكنا (5) ممثلين، ومعنا وفد إسرائيلي مشارك تعايشنا معهم واختلطنا بهم وبصراحة صافحناهم فرداً فرداً وكانوا راقيين جداً معنا.
{ هل تناقشتم فيما يفعلونه بالشعب الفلسطيني؟
– تناقشنا طويلاً وسألونا (ليه بتكرهونا ونحن شعب مشرد).
{ لابد أنك تكره المريخ؟
– بالعكس أنا مشجع مثالي ولا أكره المريخ، وكثيراً ما أصفق للمريخ حينما يلعب باسم السودان، وأنا عموماً ضد التعصب في كل شيء.
– { إذا جرت مباراة بين الهلال وأهلي مدني لمن يدق قلب “نعوم”؟
– – ليس الأهلي فقط بل أي فريق من مدني (أرض الميلاد والآباء) سأقف ضد الهلال الذي أعشقه وأحبه.
{ هل مدني (أم المدائن) أعظم من الخرطوم؟
– بدون شك “مدني” أعظم من “الخرطوم”، لأن منتخب الجزيرة سافر إلى “ليبيا” في 1970م، وسافرنا من “مدني” إلى “الصين” ببعثة فاز فيها منتخب مدني، ذهبنا إلى “زنزبار” وسافرنا إلى “كوريا الجنوبية” عام 57.
{ كوريا الجنوبية وعام 57؟
– نعم وحصلت مشكلة كبيرة حرم اللاعب “معتصم عبد الرحمن” كاسم محظور، ولعبنا أول مباراة هزمنا فيها هزيمة كبيرة، ذهبنا أنا و”كمال شداد” لمدير الرياضة “عبد الفتاح حمد”، شرحنا له المشكلة، وأخيراً سافر “معتصم” وأعطاه السفير الكوري بالخرطوم (200) دولار هدية، ولعبنا المباراة التانية بقوة وطلعت تعادل.
{ قلت هزمنا هزيمة كبيرة (كم كانت نتيجة مباراتنا مع كوريا الجنوبية آنذاك)؟
– هزمنا (8 _ صفر)
{ ما هو الشيء الذي فقده نادي الهلال ذلك الكيان الكبير؟
– التربية.
{ التربية؟
– عامل التربية هو الذي يفتقده الهلال.
{ كيف تقدر المسافة بين “الطيب عبد الله” و”الكاردينال”؟
– “الطيب عبد الله” أنفق ماله على الهلال، بينما “الكاردينال” يفعل الآن ببنائه الجوهرة الزرقاء.
{ معقول لا توجد مسافة بينهما؟
– الاثنان مؤهلان.
{ طيب “صلاح إدريس” و”جمال الوالي”؟
– “صلاح إدريس” مؤهل وهو بتاع بنوك مثلي، و”جمال الوالي” مؤهل ومن أسرة كريمة، وكان والده رئيس إتحاد، وحكا لي “صلاح” ووجدتها صحيحة أنه كان مشجعاً (ينط) السلك ويحضر تمارين الهلال، وحكا لي قصة كأنها حصلت هذه الأيام، كان في لاعب اسمه “حجو” والهلال يرغب في تسجيله، فسافرا ومعه “إبراهيم يحيى الكوارتي” وخطفاه من “مدني” بعد المغيب.
{ و”جمال الوالي”؟
– يمكن “جمال” لم نكن نراه في الملاعب، ولكن على العموم لا يوجد سوداني ليست له علاقة مع الرياضة.
{ هل لعبت (الكورة) باعتراف؟
– كل (القضاريف) التي أعاني منها حالياً جاءت بسبب (نطة) لاستلام (كورة) مرفوعة من (الكورنال)، وهناك إداريون عظماء لم يلعبوا (الكورة) في حياتهم مثل “محمد حليم”، ومفارقة ثانية أن “حسن أبو العائلة” لعب في الهلال والمريخ.
{ كان “أبو العائلة” تاريخ مختلف في إدارة نادي المريخ؟
– في يوم واحد شطب (14) لاعباً أساسياً لأنه كان يحب المريخ بطريقة عمياء، ولا كبير له على كيان المريخ.
{ (الشلليات) في المجتمع الرياضي؟
– أقسم بالله أنا فزت بإتحاد مدني عشرة مرات بالتزكية، وعملنا (المؤتمر الكروي الأول في السودان) بمدني عام 1979م، وقدمنا (19) ورقة متخصصة، وكل اتحادات السودان كانوا ضيوفاً علينا في “مدني”.
{ حتى الخرطوم؟
– الخرطوم بالخصوص رفضت الحضور إلا في اللحظات الأخيرة حينما توافدت الاتحادات من جميع مناطق السودان، وحجتها أن “مدني” تحيك مؤامرة لعمل إتحاد عام موازٍ.
{ ما عنوان ورقة “شداد” و”عبد المنعم”؟
– ورقتي مختصة بالمنافسات، بينما ورقة “شداد” محصورة في الفرق القومية.
{ وكيف كانت مخرجات المؤتمر الكروي عام 79؟
– كل الدوريات المحلية عملوها الإنجليز بخطة أن لا تتوحد هذه البلد في أي يوم من أيام المستقبل، فكونوا (60) إتحاداً.
{ ما هو العنوان المناسب لسقوطكم في الانتخابات الفائتة؟
– الظلم ظلمات.
{ وبعد ذلك؟
– جاءوا ببدعة جديدة هو أن لا يترشح الرئيس بعد دورتين متتاليتين ليحرم في المرة الثالثة لانو دا عمل طوعي ما عندو سن ولا معاش.
{ المهم كان هناك انتخابات؟
– لم تكن نزيهة وسمعنا أن السلطة السياسية القائمة تدخلت بالأموال الطائلة لشراء الذمم كما حصل لنا في إتحاد مدني، حينما سمعنا هتافات التأييد بنسبة (99%)، ثم خسرنا المعركة خسارة كبيرة.
{ السياسة تصنع الرياضة؟
– ولكن (حوش) الرياضة للرياضيين وأهل الرياضة مثل أهل مكة أدرى بشعابها.
{ لم نتعود على الفساد الرياضي كما هو في المجال السياسي؟
– الأمور (بايظة) منذ تدخل “النميري” بالقرار الغريب (الرياضة الجماهيرية)، وأظن السبب بسيط أن “النميري” زعل من الهلال في كأس الدهب، وربما شاهد سلوكاً غير لائق من أحد اللاعبين.
{ المهم القرار حصل؟
– ونتيجته خروج كل النجوم والإداريين والحكام والمدربين، والغريب أن مدة سريان هذا القرار كان لسنة ونصف فقط ،ولكنها خربت (كورتنا) حتى هذه اللحظة.
{ أجمل شيء في المجال الرياضي؟
– قبيلة متضامنة بالرغم من كل ما يظهر لكم من تناحر و(شلليات) وصراعات.
{ الخذلان في الرياضة له طعم العلقم؟
– خذلنا في مباريات خارجية كثيرة، وكانت تجارب مريرة جداً.
{ أصعب مباراة على الإطلاق؟
– مباراة بين الأهلي مدني والهلال بالخرطوم، وكان الهلال مهزوماً فيها، فدخلت جماهيره الملعب ومع إدانة الهلال، لكننا خسرنا نتيجة المباراة بسبب لاعب عليه (3) كروت، وأشيه أنني صاحب الخطة ليخسر الأهلي المباراة وما زالت تلك اللعنة تلازمني حتى اليوم وعاملة لي مشكلة تاريخية.
{ حكايات عجيبة تعبر عن حراك حيوي في الساحة الرياضية؟
– مرة فقدنا مباراة بسبب لاعب كبير شرب (كرتونة ويسكي) قبيل المباراة.
{ مين اللاعب دا؟
– بعد كل تلك السنوات، مستحيل أخبرك به.
{ قبل ثلاث سنوات سقطت انتخابياً؟
– دي أول مرة في حياتي أسقط في انتخابات.