إلى "د. كاشا" وناس الدويم
التجانى حاج موسى
“هبَّ النسيم غمرني.. جاب لي خبر أليم.. ذكرني أيام سعودي.. وأيامي ألفي الدويم”، ونحن ناس الدويم لمن نتكلم عنها للآخرين يعتقدون أننا نتحدث عن “المدينة الفاضلة” تلك التي صورها الفيلسوف “أفلاطون” وهو يحكي عن فلسفة الحكم، والتي صاغها بصورة خيالية حتى صارت مضرب المثل “فلان أفلاطوني”.
تذكرتها مدينتي (الفاضلة) والتي شهدت صرخة ميلادي في أواخر أربعينيات القرن الماضي، فهاجت كوامن الروح والذاكرة، فتذكرت الأغنية التي بدأت بها حديثي هذا، فأطلقت تنهيدة حرّى وبدأت تتداعى الصور والأحداث والناس والأماكن والنيل الأبيض العظيم، والذي يتسع فلا يكاد يرى الواقف في ضفته الغربية ذلك الذي يقف في الضفة الشرقية.. وتذكرت متعة عبوره بالبنطون “المعدية”.. كنا نركبها بلا سبب غير متعة النظر إلى النيل والمراكب والصيادين خاصة وربان البنطون العم “عطية” – له الرحمة – والد كل من الأخوين “د. حسين” و”د. بكري”.. الآن أنشأت حكومة الإنقاذ كبري ضخم ولعله من أكبر الجسور التي شيدتها الإنقاذ.. شكراً جزيلاً للحكومة نيابة عن أهل الدويم – والحق يقال – الإنقاذ شيدت العديد من الجسور في كل مجاري المياه من أنهار ويحسب لها بناءها تلك الجسور لأن لها فوائد لا حصر لها.. و”الدويم” يا جماعة الخير كانت عاصمة مديرية “النيل الأبيض”.. وكانت تضاهي عاصمتنا الخرطوم وتبزها من حيث الموقع والثروات الاقتصادية، وما عارف ليه اختاروا ناس النظام الاتحادي مدينة “ربك” عشان تكون عاصمة ولاية “النيل الأبيض” بدل “الدويم”؟! طبعاً هذا مجرد سؤالي يا أهلي في “كوستي” و”ربك”.. والتحايا للأخ “د. كاشا” والينا الهمام الجديد.. أبشر بالخير وأنت تقود مسيرة البناء والتعمير في ولاية عريقة حافلة بمواردها البشرية والطبيعية والاقتصادية، ولها إرث تاريخي قديم ولها الفضل في رفد الوطن بمعظم رجالات التربية والتعليم.. ودعني أذكر لك على سبيل المثال بعض العظماء من أهل “الدويم” من الذين رحلوا والذين على قيد الحياة.. والمعلومة أقدمها للقارئ الكريم لأني على يقين أنك تقرأ كتابك جيداً لكل ولاية وليت أمرها.. أولهم الزعيم الشاعر المهندس القانوني السياسي الضليع “محمد أحمد محجوب” – له الرحمة – و”سر الختم الخليفة” المعلم الذي قاد دفة البلاد السياسية في حكومة أكتوبر – يرحمه الله – والراحل جدنا “علي عبد الله جاد الله” – كسَّار قلم “ميك ميك” المدير الانجليزي وهو خال الزعيم سيدي “الصادق المهدي”.. والراحل الزعيم الاتحادي الشيخ الوسيلة الشيخ السماني، والد إخواني السماني القطب الاتحادي ووزير الدولة للخارجية الأسبق، واللواء حقوقي “حاتم” والي ولاية البحر الأحمر الأسبق، كذلك الراحل العم “فضيل حسن عبد المنعم” صهر الزعيم سيدي “عبد الرحمن المهدي” والقطب الاتحادي الراحل العم “أحمد سعيد”، والراحل عمنا القاضي “سلمان محمود” والد الراحل الشاعر “فاروق”، والراحل رجل الاقتصاد الشهير “د. خليل عثمان” والراحل “العمدة عمران” وغيرهم، كُثر من العظماء الأماجد ومن ذكرتهم على سبيل المثال، وبالطبع لابد من ذكر إخوتي وأقراني الأعزاء من قادة شهدتهم ساحة العمل العام، أخي وصديقي “د. عبد الحليم المتعافي” والي الخرطوم الأسبق ووزير الزراعة الاتحادي السابق، تزاملنا ونحن أطفال في سوق الدويم، كان صبي جزار في طربيزة والده شيخ الجزارين بالمدينة، وكنت أبيع أكياس ورق الأسمنت بالسوق تحت إشراف حبوبتي “فاطمة بت الفكي” والدة أمي “دار السلام” التي كانت لها دكة بالسوق تبيع فيها (البصل والويكة والخضر والتوابل).. وطبعاً أخي وصديقي بروفيسور “إبراهيم غندور” الذي لي معه أجمل الذكريات، فكلانا كان حارس مرمى، “غندور” حارس فريق (الهلال) وشخصي حارس فريق (النيل)، وأخونا الأكبر “عبد المحمود حاج صالح” النائب العام الأسبق الشهير ورجل القانون الضليع أطال الله عمره.. ورتل من الأحياء الذين تقلدوا مناصب رفيعة في الدولة وأساتذة جامعات منهم الفريق طبيب “الأمين عثمان سيد أحمد” وإخوتي أبناء العم الراحل “محجوب السباعي عثمان” المهندس الزراعي، و”الأمين” الفنان التشكيلي المعروف، و”الطيب” الإداري المرموق، والوالد الراحل المفكر المهندس “حسين عبد العزيز”.
أخي “د. كاشا” حديثي هذا أسوقه لكم وأنتم تحضرون للدورة المدرسية التي ستجرى فعالياتها بالولاية التي أنتم تديرون أمورها، كلنا معك بث روح النفير في أبناء وبنات “النيل الأبيض” الولاية الواعدة بالخير العميم، ولا ننسى أستاذ الأجيال الشاعر الكبير “عمران العاقب” أمد الله في أيامه، فهو من الجيل الذي عمل بمعهد التربية بـ(بخت الرضا)، والذي صدر له ديوان (أهازيج الليل) قبل أيام.
(أهازيج الليل) للشاعر أستاذنا “عمران العاقب” حرىٌ بنا الاحتفال بالديوان وبالرجل الرائع الذي عشق الشعر منذ طفولته المبكرة أيام كان تلميذاً صغيراً بمعهد التربية بـ(بخت الرضا) يقول في مقدمة ديوانه:
“تمنيت أن أكون شاعراً وكان للوالد صديق ما لبث أن أفضيت إليه بما في نفسي فما كان منه إلا أن ذهب إلى منزله وعاد يحمل صندوقاً ضخماً وضعه أمامي وفتحته فإذا به يحوي عدداً من الروايات البوليسية، قائلاً: اقرأ هذه الكتب وسوف تكون شاعراً عظيماً..، شكرت العم “عنتر” على هديته – وهذا اسمه – تناولت أول كتاب منها وكان عن اللص الشهير “أرسين لوبين” وكانت القصة شائقة وتناولت غيرها وغيرها حتى أتيت على صندوق العم “عنتر”، وبعد هذا الجهد المضني الذي استمر طويلاً لم يفتح الله عليَّ ببيت من الشعر ولكن روايات العم “عنتر” أصّلت عادة القراءة”.
الشكر أجزله للصديق الدكتور “الصديق عمر الصديق” الذي راجع الديوان، ولأستاذنا الأديب الشاعر “مصطفى عوض الله بشارة” الذي كتب دراسات أدبية لبعض نصوص الديوان في برنامجه الإذاعي (شعر وموسيقى)، ونشر بعض قصائد الديوان في صفحته الراتبة بصحيفة (الوفاق) الغراء.