مسألة مستعجلة
لماذا يُهدر حق الدائن؟!
نجل الدين ادم
بدأت محاولات جديدة لتعديل مادة (يبقى لحين السداد) تحت مخاوف الآثار الاجتماعية والأضرار المترتبة على السجين، وتبدو المحاولات هذه المرة قوية، وأمس تبنت إحدى لجان البرلمان ورشة عمل ساخنة بالخصوص تحدث فيها كل أهل الشأن وأدلوا جميعهم بدلوهم، ولعل المؤشرات تشير إلى ترجيح أغلبية الحاضرين لضرورة تعديل المادة.. اتفق مع حتمية التعديل لتلافي الآثار الاجتماعية السالبة التي يخلفها تنفيذ القانون على المدين، لكن شريطة أن لا يكون ذلك على حساب الدائن، فبمثل ما يصيب المدين من آثار اجتماعية سالبة وزعزعة للأسر وغيرها ينطبق الحال على الدائن إذا ما أهدر حقه وسُحبت قوة الشيك الذي يحرره المدين وجعله كورقة بلا قوة قانونية، وسيتوقف حاله إن كان تاجراً مثلاً جراء ضياع حقه وستنهار أسرته إلى… الخ.
أصل القضية كما أشرت يكمن في أن هناك دائناً وآخر مديناً استدان وعجز عن الوفاء بما أخذه من أموال، الأمر الذي أحاله إلى السجن بموجب الشيك الذي حرره أو أي التزام كتابي آخر.
لا أعرف كيف يستقيم ميزان العدالة ونحن نركز على طرف دون الآخر، ومن خلال ملاحظاتي لشكل الجدل القائم في مبدأ تعديل مادة (يبقى لحين السداد) أن هناك معادلة مختلة يجب أن ننظر لها بعين الاعتبار.. هذه المشكلة ليست في التوصيف القانوني فحسب، بل تتعداه إلى توصيف آخر ربما يكون أهم، ويبدو من خلال التحركات أن أغلب القانونيين وليس جميعهم يميلون إلى تعديل المادة بما يخفف عن المدين، وهذا بالتأكيد يعني الضغط على الدائن.
أما الاقتصاديون فوجهة نظرهم تكمن في حتمية وجود ضمانات في العقود أو الالتزامات الورقية التي تحرر، وأية محاولة لجعل الشيك مدنياً فإن ذلك يفقده قوته القانونية، وأجد نفسي أدعم بقوة مبدأ إيجاد مقترحات تعديل لا تتجاوز حق الدائن.
لم يقف أغلب القانونيين عند الآثار الاقتصادية لتحويل هذا الشيك إلى مدني، وأتوقع إذا ما كان هذا هو الخيار أن يحدث انهيار في شكل التعاملات التعاقدية في ظل تحول الشيك إلى ورقة لا حول ولا قوة لها، ستتضرر البنوك بقدر كبير، وستقل التعاملات المالية، وسيتوقف التمويل، وكل ذلك يكون بدعاوى معالجة الآثار الاجتماعية السالبة المترتبة على السجناء.
أتمنى أن يقف المشرعون بحكمة على هذه القضية الحساسة حتى لا يقع الضرر على طرف دون آخر، وطالما الأمر بدأ بنقاش وورش عمل أتمنى أن يستمر وأن يكون رأي الاقتصاديين حاضراً لأهميته في إيجاد معادلة توفيقية.
أعجبت بالملاحظة أو التعليق المهم الذي طرحه رئيس البرلمان مولانا “إبراهيم أحمد عمر” متسائلاً: (لماذا يتم تجاهل الدائن والاهتمام بالمدين برغم أن الأخير لم يوفِ بالعهود؟)، وتساءل كذلك عن الشريعة والعدل في هذا الصدد.. بالفعل نحن محتاجون إلى النظر للقضية بأبعادها كافة وعدم التركيز على ما هو أمام أعيننا، بل يفترض أن تكون النظرة في المعالجة شاملة.
أدعو وزير العدل إلى عدم استعجال أي تعديل في هذا الصدد لتجنب الآثار السالبة.. الموضوع أكبر من أن هناك متضررين يقبعون في السجون جراء عدم الوفاء بديونهم.. الموضوع يعني اقتصاد بلد، ويعني مبدأ مراعاة الحقوق والالتزام بالشرع والقانون، لذلك فإنني أجد نفسي أحرض نواب البرلمان على عدم تمرير أي تعديل لا يراعي هذه الحقوق في حال أصرت وزارة العدل عليه.. والله المستعان.
==