«سيدي بيرق» .. صوت شرقاوي مدهون بإبداع (المسنكوب)
في قريته (مياس) الواقعة بين (هيا) وعطبرة.. دأب الطفل “سيدي بيرق حمد” علي التسلل إلى بيت جيرانه، تقوده أذناه إلى مكان صاحب الأوتار.. كان هناك فنان بجاوي يصدح بكلماته القوية بينما تجتذب ألحان آلة (المسنكوب) – أو الربابة بلغة البجا – طفلا تعلق قلبه بالفن.. الفنان يغني والطفل يستمع، وصنعت أو اكتشفت فيه الصدفة المكانية فناناً اتسم بالتمسك بتراثه الشرقي الأصيل.
الفنان “سيدي بيرق” استمرت مسيرته بعد ذلك، ويعد اليوم من الفنانين الشباب القلة الذين نذروا تجربتهم للمحافظة على فن سوداني خاص والارتقاء به.. (المجهر) دردشت معه حول الفن البجاوي وشجونه في هذه المساحة القصيرة:
} متي بدأت فنياً علي وجه التحديد؟
– منذ سنوات الطفولة، حين كنت أتسلل للاستماع للفنان البجاوي “موسي” في قريتنا (مياس)، ومع أني من قبيلة (الأمرأر)، إلا أن الألحان سرعان ما تجمع الأفئدة.. وقد قال لي “موسى” بعد أن استمع إلى صوتي: أنت فنان، ثم عمل على مساعدتي فنياً، ونصحني أن أواصل مسيرتي الفنية دون توقف، فأنا كما قال مشروع لفنان بجاوي كامل الدسم، ثم طلب مني أن ألتحق باتحاد الفنانين.
} هل عملت بنصائحه؟
– أخذت أغني دون توقف.. غنيت أغاني التراث المشترك للهدندوة، الأمرأر، البشاريين، والأرتيغا.
} مثل ماذا؟
– كان الشاعر البجاوي في السابق لا يستطيع قول الشعر العاطفي مباشرة، وذلك خشية أن يلحقه أذى، وبالتالي تجد أن الكثير من الأغاني لا يعرف أحد شاعرها بينما هي خلدت في وجداننا.
} هل من مثال لهذه الأغاني؟
– من أقدم الأغاني لدينا أغنية (توكي)، وتعني بلغة البجا (القشة المغروزة في الرمال بينما هي تتمايل بفعل نسمات الهواء)، وهنالك معني آخر يقول إنها تعني فرع الشجرة الذي يتمايل مع الرياح، ويصاحب هذه الأغنية الرقص (بي الرقبة)، حيث يشترك فيها النساء والرجال، وتتحدث هذه الأغنية عن الشجاعة والثبات.
} من هم شعراء التراث المعروفون هناك؟
“ولا أور” أو “أبو علي”، وكان هذا الرجل زعيما لقبيلة (الأتمن)، قد رحل عن هذه الدنيا قبل (120) عاماًَ، إلا أن شعره المليئ بالحكمة خلده الفنانون.. وتقول إحدى أغنياته: (إن الناس مختلفي الأعراق ولا ينظرون للأفق البعيد وللغد.. فإن العدو حتماً سيستغل الفرصة فيهزمهم، وعلى قدر كرههم لبعضهم البعض فإن نفوسهم تضعف، وعوضاً عن استفادتهم من ثرواتهم يستفيد منها شخص واحد بينما البقية محرومون).
} لمن غنيت من الشعراء؟
– غنيت للشاعر “حامد محمد طاهر” (7) من الأغنيات و”طارق الأمين” (12) أغنية، أما بقية الأعمال فهي من التراث البجاوي، وأنا في مسيرتي هذه أحافظ علي الأغنية التراثية البجاوية كما وجدناها، ولا أحاول ادخال أية أنماط أو تعديل لحني ما عليها، وبالمقابل أوجه صوت لوم للفنانين الذين يفعلون ذلك بحسب مزاجهم.
} كم أغنية خاصة لديك؟
– أنا صوتي مجاز، ولدي (50) أغنية خاصة.
} من يلحن لك؟
– تعاون معي شباب من أمثال “باكاش حسن” والفنان المعروف “سيدي دوشكا” الذي ساعدني كثيرا خاصة في الألحان، كما ساندني “فاروق محمد صديق” ودعم مسيرتي.
} تبدو وكأن همك الأوحد المحافظة على تراث البجا الغنائي؟
– لقد نلت عضوية اتحاد الفنانين ببورتسودان، الا أن ما حدث لنا هو التهميش بعينه وعدم الاهتمام، حتى المهرجانات لم يسمح لنا بالمشاركة فيها، وأنا عبر صحيفتكم أناشد (البجا) أن يعملوا علي تكوين اتحادات فنية خاصة بهم.
} لماذا خاصة بهم؟
– حتي يطوروا منتجهم الخاص، وللمحافظة عليه.. الغناء البجاوي بحاجة للاهتمام به من البجا وفنانيها، والتهميش امتد حتى إلى المهرجانات القومية ويمكنك أن تلاحظ كيف غابت أغاني البجا في مهرجان ليالي السودان.. هل تصدق أن ليلة كسلا موطن البجا لم يغن فيها أي صوت بجاوي؟
} هل يوجد فنانون لم يجدوا حظهم من الانتشار وفقا لحديثك؟
– في بورتسودان لدينا الفنان “طه أوشيك” والفنان “يس”، بالاضافة لفنانين آخرين، وهناك من يواصلون مثل “سيدي دوشكا” و”محمد البدري” في بورتسودان، بالاضافة للفنان “أحمد سعيد” و”عبد الله البجاوي”.