بعد.. ومسافة
السعودية والأمن العربي
مصطفى أبو العزائم
تلقيت رسالة على بريدي الإلكتروني من الأخ الكريم الدكتور “حسن حسب الله سعيد”، الحاصل على إجازته العلمية الرفيعة في اقتصاديات المياه، وهو يعمل أستاذاً جامعياً ومحاضراً في عدد من الجامعات السوداني، ومن بينها كلية “دلتا للعلوم والتكنولوجيا”.
رسالة الدكتور “حسن حسب الله سعيد” التي بعث بها إلينا تلمس موضوعاً مهماً وحيوياً، هو دور المملكة العربية السعودية في حماية الأمن العربي.. ولا أريد الاسترسال، بل أترك الرسالة تفصح عما فيها وأظنها تفتح لنا أبواباً جديدة للنقاش، حول أمن الحرمين وأمن البحر الأحمر وأمن الخليج وأمن المنطقة.. وإلى نص الرسالة:
تميزت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك الراحل “عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود” بالاتزان والحكمة ولا يكاد يختلف اثنان في حكمة المملكة واتزانها في كل المواقف الصعبة التي مرت بها منطقتي الشرق الأوسط والخليج، ولا تسمع في يوم من الأيام تصريحاً من مسؤول في المملكة أو موقفاً فيه إساءة أو تدخلاً في شؤون الغير أو انتقاصاً من الآخرين، وهذا في تقديري نابع من قيم الإنسان السعودي والتي هي متجذرة في أعماق الإنسان العربي المسلم.
دور المملكة العربية السعودية وواجبها في حماية الأمن العربي وأمن منطقة الخليج والشرق الأوسط دور إستراتيجي ومهم بالدرجة الأولى، فالسعودية تنطلق في ذلك في موقعها المركزي في حماية مقدسات الأمة الإسلامية في الحرمين الشريفين.
وهي بفضل الله قامت ولا تزال تقوم بدور كبير وملموس في هذا الأمر يدعمها في ذلك رضا واطمئنان المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها رغم الهمز واللمز الذي تقوم به الدولة الفارسية وعملاؤها في لبنان وبعض الدول غير المعتبرة، فقد وفرت المملكة العربية السعودية الخدمة الفاخرة والمتميزة لحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسول الله “صلى الله عليه وسلم” وهيأت المرافق والخدمات المساندة من سكن وترحيل وإعاشة يتساوى فيها نزلاء الفنادق خمسة نجوم مع عامة ضيوف الرحمن.
والأهم من ذلك توفر الأمن بتدريب الكوادر الأمنية على اعتبار أنهم مكلفون بخدمة ضيوف الرحمن وليس الحراسة المسلحة، ومن سمات النجاح في ذلك أنك تنعم بهذه الخدمة دون أن ترى ما يزعجك أو يضايق نشاطك.
المملكة العربية السعودية اهتمت بالأمن منذ الوهلة الأولى، فقد كون الراحل الملك “عبد العزيز” رحمه الله قبل أكثر من مائة عام أول قوات للحدود في المنطقة، حيث تمتاز المملكة بأطول حدود على مستوى الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
وطورت المملكة قدراتها الدفاعية وامتلكت الأسلحة المتطورة ودربت شبابها وابتعثتهم إلى أوربا وأمريكا ونالوا أعلى الدرجات في العلوم الأمنية والإستراتيجية والتدريب، وذلك بإنشاء أكاديمية الأمير “نايف” الأمنية التي صارت فيما بعد جامعة استقطبت الخبراء والعلماء وأصبحت تمنح الدرجات العلمية في هذا المجال.
وشاركت المملكة في ابتدار والتوقيع على الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تمنع الجريمة العابرة للدول ومكافحة المخدرات، وكانت نموذجاً للتجارب الناجحة التي استفادت منها الدول الأخرى.
استهداف المملكة العربية السعودية من قبل بعض الدول والكيانات المشبوهة ليس نابعاً من فراغ، وإنما غيظ وحقد على الأعمال والمشروعات الحضارية الضخمة التي قامت بها المملكة ليس في داخلها وشعبها فقط وإنما في جميع أركان المعمورة، فلا تكاد تذهب إلى بلد في أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا وأوروبا وآسيا وأفريقيا إلا وتجد المراكز الثقافية والدعوية والجامعات والمستوصفات والمساجد ومشروعات المياه والإغاثة العاجلة ودعم طلاب العلم ونشر الكتاب، وهذه الأنشطة كانت غصة في حلوق الكثيرين، وليس المال هو سبب هذه الأعمال، فهناك دول عربية وإسلامية تمتلك أكثر من مدخرات المملكة العربية السعودية ولكنها الحكمة والتوفيق الرباني.
الظروف والأحوال التي شهدها العالم خلال فترة حكم الملك “فهد” والملك “عبد الله” رحمهما الله اقتضت إعمال الحكمة، ولأن العاصفة كانت قوية ضد المملكة ومع تركيز الملك “فهد” والملك “عبد الله” رحمهما الله على البناء الداخلي الذي نتج عنه أعظم نظام للضمان الاجتماعي الذي انعكس على استقرار اقتصاد المملكة وعدم تأثره بتذبذب أسعار البترول والصادرات الأخرى، إلا أن الملك “سلمان بن عبد العزيز” الرجل القوي في الأسرة الحاكمة وجد نفسه أمام مهام جسيمة ليس فقط تجاه شعبه ومملكته وإنما تجاه الأمة الإسلامية، ولعل الله يفتح على يديه أبواب التوفيق ورفع رأس الأمة.
إشعال الفتن في اليمن جنوب المملكة وتمزيق العراق وسوريا وتذويب قضية الأمة في فلسطين في شمالها وإثارة القلاقل في البحرين، كل هذه السيناريوهات تضع المملكة أمام المسؤولية المباشرة تجاه الأمن العربي وأمن الشرق الأوسط وعدم الاستقرار وتفتت الأمن في هذه الدول تؤثر بطريقة مباشرة على أمن المملكة، وبالتالي المقدسات الإسلامية التي هي قلب الأمة بكاملها.
لقد نجح الملك “سلمان بن عبد العزيز” في حشد القوى الإسلامية في (رعد الشمال)، وهي رسالة قوية للعالم أجمع عكست قدرات المملكة العربية السعودية ومكانتها في العالم الإسلامي.
لن يفوت على قيادة المملكة خبث الأعداء، والواجب سد الثغرات وحشد الطاقات، فالعدو متربص وله مراكب سياسية وأكاديمية وعملاء ومؤسسات دولية فلا تكاد تخرج من حقل ألغام إلا وقد أكمل زراعة حقل آخر في اتجاه مختلف لإرباك الجهود، وصدق الله العظيم إذ يقول: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ).. (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
مراكز البحوث والمعلومات في الغرب، والتي تمد أصحاب القرار في أمريكا وأوربا لا تخفي خبثها، فهي قطعاً تجهز عدداً من السيناريوهات المتوقعة، فإذا نجحت المملكة في سوريا واليمن على الأرض حاصروا نجاحها بقرارات من مجلس الأمن، وإذا توسعت رقعة الحرب ساندوا كلا الطرفين لمزيد من الاستنزاف.
إن دعوات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لن تذهب سدى بإذن الله، فهي داعمة إن شاء الله ومساندة لواجب تقوم به المملكة العربية السعودية في حماية الأمن العربي.
د. حسن حسب الله سعيد
دكتوراه في اقتصاديات المياه
محاضر بكلية دلتا العلوم والتكنولوجيا
Dhassan.saied@gmail.com