المؤتمر الشعبي.. هل يسعى لتصفية حساباته السياسية مع المعارضة؟
“كمال عمر” يوظف اعترافات “مبارك الفاضل” لاتهام خصومه السياسيين بالعمالة للأجنبي
الخرطوم – وليد النور
في تطور مثير وجديد على السياسة السودانية، اتهم المؤتمر الشعبي أحزاب المعارضة بالسعي لتصفية الجيش السوداني، بسبب علاقاتها بأجهزة استخبارات لدول أجنبية، من أجل الوصول إلى السلطة، لكن خبراء أمنيين رأوا أن المؤتمر الشعبي ربما يسعى إلى تصفية حساباته السياسية مع المعارضة التي أبعدته بعد مشاركته في الحوار الوطني الذي وصل الآن إلى نهاياته. واستفاد من تصريحات القيادي “مبارك الفاضل المهدي” التي شغلت الرأي العام الأسبوع المنصرم بتأكيده على ارتباطه، وتعاملاته مع استخبارات بعض الدول أثناء وجوده في المعارضة خارج البلاد، بيد أن جل المعارضين في دول العالم الثالث تكون لقاءاتهم وتعاملاتهم مع الدول المضيفة لهم مع أجهزة الأمن والمخابرات، لطبيعة عملها الذي دائماً يكون في السر، بجانب سعيها للاحتفاظ بعلاقات طيبة مع دول المعارضين، في وقت يرى الخبراء أن كل من يتعامل مع دولة أو أجهزتها الاستخباراتية سيخدم أجندتها ومصالحها أولاً، قبل أن يسعى لتحقيق مصالحه التي تتمثل في السعي للحصول على الدعم بكافة أشكاله المادية والمعنوية واللوجستية.
واتهم الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي الأستاذ “كمال عمر عبدالسلام” المعارضة السودانية بالعمالة عبر التنسيق مع دوائر استخباراتية لتأزيم الأوضاع بالبلاد، وقال إن الأحزاب الممانعة للحوار الوطني لديها أجندة لتصفية الجيش. وأشار الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي “كمال عمر” لدى مخاطبته ندوة عن الحوار بالأكاديمية العسكرية بـ”أم درمان”، (الخميس) الماضي، أن “المعارضة لا تفرق بين خلافاتها السياسية والوطن، وتجلس في أغلب الأحيان مع دوائر استخباراتية لتأزيم الوضع في البلاد”، وزاد “أن الأحزاب الرافضة للحوار لديها أجندة تتناول تصفية القوات المسلحة ومؤسسات الدولة وفصل الدين عن الدولة، وهذه نقاط خروجنا من المعارضة، ولن نسمح بانهيار البلاد”، وأضاف “عمر” أن القوات المسلحة طوال الأزمات السياسية “ظلت تقدم المهج والأرواح وتحافظ على البلاد”، لافتاً إلى أهمية أن يشمل أي تحول ديمقراطي أو استقرار القوات المسلحة، وأن تكون جزءاً أساسياً فيه، لأنها تتحمل نتائج القرار السياسي، واعتبر “كمال” أن “الحوار أكبر مشروع سياسي في تاريخ السودان لم تطرحه حتى الأنظمة السياسية التي تدَّعي الديمقراطية، جاء بإرادة وطنية داخلية ولن نقبل بأن تديره أميركا أو المجتمع الدولي”، وتابع “لجان الحوار اتصلت بكافة القوى السياسية والحركات المسلحة دون إقصاء لأحد، ولن نيأس من الرافضين وسنتواصل معهم من خلال الثوابت والمخرجات النهائية”، وشدد “عمر” على أن الصيغة التي طرح بها الحوار من شفافية ومعانٍ توصد الباب والمبررات أمام أي شرعية عمل مسلح ضد الدولة، موضحاً أن الحوار فرصة لتأسيس توافق سياسي حول القضايا والتحديات الماثلة، وزاد “لم نتكلم عن سلطة انتقالية، بل وضع توافقي لوحدة حقيقية”.
من جانبه استعرض الأمين السياسي للمؤتمر الوطني الحاكم “حامد ممتاز”، خلال الندوة، فلسفة ومقاصد الحوار الوطني، وقال ممتاز إن الحوار بدأ منذ خلق الإنسان ومجيئ الأنبياء بالرسالات، وتابع: “الحوار مع المشير البشير للتأكيد على رسالة التوحيد وهذه فلسفة الحوار”، وزاد “فالحوار من الاستقرار، والتنازل في حال التنازع، لأن النزاعات لا تحل المشاكل”.
وانتقد الخبير الأمني العميد معاش “حسن بيومي”، في حديثه لـ (المجهر) تناول الأحزاب لشأن الجيش في صراعها وخلافاتها مع بعض، واعتبر حديث الأحزاب عن الجيش (سُبة) في جبينها، واسترسل قائلاً: إن القوى السياسية سبق أن ارتكبت حماقة لا تغتفر بحلها لجهاز الأمن بعد انتفاضة رجب أبريل، مشيراً إلى أن الأحزاب يجب عليها أن تتحدث عن تطوير القوات المسلحة وتطويرها واستنكر الحديث في وسائل الإعلام عنها، لأن الجيش هو صمام أمان للبلاد.
ومن جهته قال الخبير العسكري أستاذ العلوم السياسية، اللواء(م) دكتور “محمد الأمين العباس” في حديثه لـ (المجهر) إنه لم يستبعد الكيد السياسي من قبل المؤتمر الشعبي، لتفسير حديث القيادي “مبارك الفاضل المهدي” عن تعامله مع أجهزة المخابرات الأجنبية، أثناء وجوده خارج البلاد لتصفية حساباته مع المعارضة، واعتبر “العباس” تعامل المعارضين في دول العالم الثالث مع أجهزة المخابرات، شيئاً طبيعياً، بيد أنه قال إن أي دولة تتعامل مع معارضين ستسعى لتحقيق مصالحها العليا أولاً قبل مصلحة المعارضين. وأردف أن بعض المعارضين قد يصعب عليهم إيجاد دولة تتماشى مع توجهاتهم ومصالحهم لا سيما مع دول الغرب، وأجهزتها الاستخباراتية. وقال إن بعض الأحداث السياسية في السودان تدهش السياسيين وأجهزة الاستخبارات، وأشار إلى توحد (41) حزباً سياسياً في وقت وجيز لتكوين تحالف ضد الحكومة، واعتبر أن التحالف بطريقته وسرعته ربما يثير شكوك الكثير من المراقبين للشأن السياسي والأمني في البلاد، ويستدرك “العباس” أن مشاركة السودان في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الهدف الأول منه رفع الحصار الأمريكي، ويضيف “ولكن الولايات المتحدة عاوزة تسل روحنا”.
وكان الفريق أول ركن “عماد الدين عدوي” رئيس هيئة الأركان المشتركة، قد أوضح موقف المؤسسة العسكرية ورؤيتها للحوار كمصدر من مصادر القوة والمنعة، بقوله إن مخرجات الحوار الوطني تسهم في بناء سياسة دفاعية وإستراتيجية عسكرية أكثر عمقاً وشمولاً وارتباطاً بقضايا البلاد”، موضحاً: “أن التغييرات التي سيحدثها الحوار في البلاد تتيح الفرصة للقوات المسلحة لتنمية القدرات وأداء واجباتها الدستورية على الوجه الأكمل ومواجهة التحديات الماثلة”.
وربط رئيس السلطة الإقليمية لدارفور دكتور “التجاني السيسي”، بين حتمية نجاح الحوار الوطني، في حل الأزمة الوطنية الشاملة، وتعزيز الوحدة الوطنية، باعتبارها مصدر قوة من جهة، وهزيمة المخططات الأجنبية من الجهة الأخرى، قائلاً: إن الأزمة السودانية بدأت منذ الاستقلال، واستمراريتها عبر الحقب المختلفة يشير إلى فشل السياسيين، والقادة في إدارتها، مبيناً أن عدم الاستغلال الأمثل للتنوع السوداني بوصفه مصدراً للقوة، ساهم في رفع وتيرة الاستقطاب السياسي، وأشار إلى عدد من الجهات التي لم يسمها، قائلاً إنها “تعمل ليل نهار لتنفيذ أجندة بعض الدول على المستوى الإقليمي والدولي للنيل من وحدة البلاد”. ومضى قائلاً: “إذا لم نتحاور ونتوافق بشفافية لوضع حد للتحديات، سيكون الوضع أسوأ، الحوار الوطني يعتبر المخرج الوحيد للأزمة السودانية وانتعاش الاقتصاد والتنمية”، وأشار إلى أثر العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد السوداني ورغبة بعض الجهات في أن يستمر الحصار لأجندة خاصة.
وكان القيادي “مبارك الفاضل المهدي” قد أقر بأن لديه علاقات واتصالات مع بعض أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، وعد ذلك أمراً طبيعياً، لجهة أن ملفات المعارضين في دول العالم الثالث تكون بيد أجهزة الاستخبارات. وأوضح الفاضل طبقاً لبرنامج “فوق العادة” بقناة الشروق الأسبوع المنصرم، أن دول العالم الأول تتعامل مع المعارضين عبر الدبلوماسيين، على عكس دول العالم الثالث، وقال: “كان لزاماً علينا التعامل معها، لأن طبيعة هذه الدول وتركيبتها تجعل من الاستخبارات إطاراً للتعامل مع القضايا المتعلقة بالمعارضات”.