تباين خيارات "السيسي" و"أبوقردة" بشأن استفتاء دارفور مكابرة.. أم مكايدة ؟
(3.5) مليون سجلوا من جملة نحو (4,5) مليون ناخب
تقرير: سيف جامع
يبدو أن الخلافات التي فرقت بين قطبي حزب (التحرير والعدالة) ، قبل أن ينشق إلى حزبين، حمل أحدهما اسم (التحرير والعدالة القومي) ،برئاسة رئيس السلطة الإقليمية لدارفور “د. التجاني سيسي”، والآخر (حزب التحرير والعدالة) برئاسة “بحر إدريس أبوقردة” ، الذي يشغل منصب وزير الصحة الاتحادي، يبدو أنها لم تكن مجرد خلافات في إدارة الحزب، فإذا بالخلاف يعود من جديد، بإعلان حزب “أبو قردة” الغريم لـ”السيسي” تأييده لخيار الولايات في استفتاء دارفور الإداري ،المزمع قيامه (أبريل) المقبل، فيما تمسك حزب “السيسي” بخيار الإقليم ، الذي نادت به حركة التحرير والعدالة ، إبان مفاوضاتها مع الحكومة في العاصمة القطرية ، الدوحة، كما أن خيار الإقليم ظل مطلب معظم حركات دارفور الموقعة، والتي ما زالت تحمل السلاح منذ أبوجا، وحتى الاتفاق الأخير بالدوحة ،الذي بموجبه دخل “لسيسي” و”أبوقردة” في شراكة مع الحكومة.
وربما يستغرب الكثيرون لتغير مواقف بعض الحركات ،التي كانت تتبنى خيار الإقليم، قبل أن تشارك في الحكومة وتنحاز مؤخراً إلى الولايات. ووقعت على اتفاقية السلام مع الحكومة حوالى (30) حركة ثورية بدارفور، لكن معظمها أيد خيار الإقليم ، باستثناء حركة التحرير والعدالة ، التي يرأسها الدكتور “التجاني سيسي”، ورجح مراقبون أن “السيسي” تبنى هذا الخيار تمهيداً لتوليه مهمة رئاسة الإقليم، حال صوت مواطنو دارفور لذلك، لكن يرى آخرون أن “السيسي” ربما سيخرج من جهوية دارفور الضيقة ، إلى أفق أكثر قومية، حيث يتوقع أن يكلف بمنصب رئيس الوزراء ، في الحكومة الانتقالية المرتقبة.
وعلى أرض الواقع ، فإن الحكومة ماضية نحو قيام استفتاء دارفور، في موعده ، حيث أعلنت مفوضية الاستفتاء الإداري لدارفور، (الخميس) الماضي، أن أكثر من (3,5) مليون شخص سجلوا من جملة نحو (4,5) مليون للمشاركة في الاستفتاء الذ سيقرر الإبقاء على ولايات دارفور الخمس أو تحولها لإقليم واحد.
وتنص وثيقة الدوحة للسلام في دارفور الموقعة في 2011 ، بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة، على إجراء استفتاء بدارفور تُضمَّن نتيجته في الدستور الدائم للبلاد.
ولعل اشتداد الخصومة السياسية بين رفاق السلاح السابقين ، قد دفع بـ”بحر أبوقردة” إلى المكابرة ، وتأييد خيار الولايات نكاية بخصمة (التجاني سيسي)، ويري (أبوقردة) أن عملية الاستفتاء المرتقبة متعلقة فقط، بخيارات أهل دارفور في تحديد مستوى الحكم المناسب لأهدافهم التنموية، مؤكداً على دعم حزبه لخيار الولايات ، تمشياً مع رغبة قواعدهم في ولايات دارفور الخمس، وبحسب “أبوقردة” أن خيار الولايات أثبت جدواه في تحقيق ما يصبو إليه المواطن الدارفوري.
فيما يدافع “التجاني سيسي” عن تأييده لنظام الإقليم الواحد في دارفور، بدلاً عن (5) ولايات لتفادي الصراعات القبلية في الإقليم، ويحمل “السيسي” في ذات الوقت التقسيم الإداري لولايات دارفور مسؤولية تفشي الصراعات الأهلية.
ويقول الخبير الإستراتيجي المراقب للشأن الدارفوري (د.إسماعيل حمد جار النبي) إن الاستفتاء حول خياري الإقليم أو الولايات ، مطلب الحركات المسجلة والموقعة، لكن الحكومة في مفاوضات أبوجا رفضت هذا الطرح ، وأكدت على بقاء دارفور في وضع الولايات، وبدخول المحكمين الدوليين عرض في نهاية الأمر لمواطني دارفور لحسم الجدل بقيام الاستفتاء المزمع قيامه (أبريل) القادم، ويضيف (بالنسبة لأبوقردة ومجموعته، فهم تنصلوا عن مبدئهم حينما كانوا في حركة التحرير والعدالة، من خيار الإقليم الذي كانوا ينادون به ، وأعلنوا تأييدهم لخيار الولايات، بخلاف (السيسي) الذي ظل ثابتاً في موقفه، الذي حدده إبان المفاوضات.
ويرى الخبير “إسماعيل” أن “أبوقردة” غيّر موقفه لكنه لم يوضح الأسباب المنطقية، ووصف موقفه بالانتهازي،على حد تعبيره ، ولا يمثل حركات دارفور التي طالبت بالإقليم.
وترى حركة تحرير السودان بجناحيها -عبد الواحد نور ،ومني أركو مناوي- وحركة العدل والمساواة، بقيادة “جبريل إبراهيم”، أن الوقت غير مناسب لإجراء الاستفتاء بالإقليم ، “نظراً لعدم وجود أمن أو استقرار حقيقيين”.
وتشير بيانات الحركتين إلى أن استمرار النزوح واللجوء مع عدم الاستقرار بالمنطقة ، “لن يمكن أي جهة من تحديد ما إذا كان شعب دارفور بحاجة إلى استفتاء من عدمه”.
وفى موازاة ذلك ، فإن أكثر من حركة جزء من الحوار ،الذي جرى بـ”الخرطوم”، تؤيد قيام الاستفتاء باعتباره استحقاقاً دستورياً، نصت عليه اتفاقية السلام، لكن ينظر إليها البعض بأنها لا تعبر كلها عن أشواق أهل دارفور كما يشير د”.إسماعيل حمد جار النبي”، وينظر إليها بأنها ظاهرة انتهازية ، ويقول (أصبح الوقوف ضد الدولة، ليس من أجل المبادئ كما كان في بدايات التمرد، وإنما لأجل تحقيق مكاسب شخصية، ابتداء من تجربة أبوجا وإلى الدوحة . وهذا يتطلب موقفاً من أهل دارفور تجاه هذه الحركات، وكذلك موقفاً من جميع أهل السودان، لأن دارفور ليست حصرياً على هذه الحركات).
ويقول إنه من خلال روح الحوار، يبدو أن الوضع بدارفور يتجه إلى الأفضل، وفي الحوار تم التمهيد لإرساء السلام والاستفتاء يعضد ذلك ،وأهل دارفور قادرون على تحقيق مكتسباتهم سواء عبر الحوار، أو تصويتهم لخيار الولايات أو الإقليم، معتبراً أن الذين رفضوا الاستفتاء لأسباب سياسية مرتبطة بمصالحهم، وليس بمصلحة المواطن، والآن دارفور أكثر أمناً واستقراراً، ويتوقع تصويت المواطنين بغالبية لخيار الولايات.
هذا وقد سجل في الكشوفات حوالي (3.5) مليون مواطن في الاستفتاء بولايات دارفور ، بحيث يرى مراقبون أن هذا الرقم أكبر دليل على أن هنالك رغبة من المواطنين، لتحديد الوضع الإداري لدارفور، كما أن العدد فاق عدد الذين سجلوا للانتخابات الأخيرة.
وكان حزب التحرير والعدالة بقيادة “بحر أبوقردة”، قد طالب مفوضية استفتاء دارفور بمعالجة الخلل في الرموز الخاصة، بالاقتراع ، وفقاً لنصوص وثيقة الدوحة للسلام، حيث رأى الحزب أن ما صدر عن المفوضية من رموز ، لا يتسق مع ما جاء في الوثيقة، وقال الحزب إن المعالجة مهمة ، حتى لا تعطي فرصة لمناهضي الاستفتاء بأن يتخذوا ذلك ذريعة، وأضاف أن الوثيقة تحدثت عن خيارين، إقليم وولايات، لكن الرموز التي أصدرتها المفوضية ، كانت عبارة عن قطية تشير للإقليم وخمس قطاطي غير مؤطرة، ومن المفترض أن تؤطر بقطية للدلالة على ولايات داخل الإقليم، وهذا التصريح يؤكد أن لحزب “أبوقردة” تحفظات على المفوضية ، ويوضح بجلاء أن موقف الحزب تجاه الاستفتاء لم يأخذ فيه رأي قياداته.
ويبرر الناطق الرسمي باسم التحرير والعدالة القومي (أحمد فضل)، موقف حزبه من خيار الإقليم، حيث أكد أنه موقف قديم يعود لعام 2011 حينما كانت الحركة تفاوض الحكومة السودانية، مشيراً إلى أن خياري الإقليم والولايات موجودان ، فعلى مستوى الإقليم أن تكون داخله الولايات، وهو موقفنا، وما تم النص عليه باتفاقية الدوحة، وأكد “أحمد فضل” أن خيار الولايات لا يذوِّب الولايات، حيث إنها ستظل موجودة داخل الإقليم.
وقال لـ(المجهر) اخترنا خيار الإقليم لعدة أسباب، منها توحيد مجتمع أهل دارفور، كما أن الكثيرين غيرنا، يرون أن الإقليم ضمان لأهل دارفور من الفرقة والشتات وينهي كثيراً من الخلافات القبلية بدارفور، وأضاف “حالياً قيادات الحزب نزلت إلى دارفور تبشر بخيار الإقليم، لأنه جاء وفقاً لقناعتنا ، التي قامت عليها الحركة ، والآن لم نتخلَ عن الخيار، عندما تحولنا إلى حزب.