(المجهر) تتقاسم مع د."راشد دياب" رحلة التشرد والنجومية من (ود أزرق) إلى "مدريد" (3-3).
عشت مشرداً في ايطالياً..وعملت في نظافة حمامات..وحارس كلاب..
حب الجامعة فشل لأن فتاتي رفضت مقاسمتي ثمن (شيلة العرس)..
لو كنت (نرجسياً) كان عملت حوض سباحة وبنيت قصر و(وريتكم النرجسية كويس)
حوار – محمد إبراهيم الحاج
*الحب في الجامعة..يقال إنك كنت كثير الحب في الجامعة؟
-نعم كان عندي أكتر من علاقة صداقة في الجامعة..الفرز بين الحب والعاطفة وبين الرغبة في أن تكون محبوباً والرغبة في تعويض الأم..أول مرة حبيت..ماكنت متخيل انو ممكن تحبني بت..كنت في الثانوي ..وتشجعت وقلت ليها أنتي عاجباني…وكلمة حب صعبة جداً..وقالت لي أنت برضو عاجبني..انتبهت وقتها انو ما عارف العاجبها فيني شنو..قمت طوالي رسمت ليها رسمة فيها تعبير عن حبى ..واتأكدت أنها حبتني..ولما تكون ماشة معاي في الشارع كانت حقيقة وجدية كاملة انو في امرأة من كل نساء العالم بقت معاي أنا، وأنا ماشي معاها حصلت عزلة من باقي العالم وبقى فيه ارتباط بالسماء والأرض والحيوانات في الشارع والطبيعة وانو قلبها بينبض عشاني.
*كيف كان وقع الحب الأول عليك؟
-ده إحساس كان أكبر من الواقع ذاتو..وتحول من طفل إلى شخص تركز الفعل الإنساني حوله. والحب عاطفة غريبة تنقلك من اللا محسوس إلى المحسوس والعكس..بعد وصلتها رجعت مبسوط وفرحان و(كنت بشوت الحصحاص في الشارع)، ووقع بعضه على الكلاب ونبحت فيني..و(سكتني) وارتبطت الفرحة بنوع من الخوف وألهمني ذلك انو ما أعلن الحب كتير.
*كم استمرت علاقتكم؟
-عندما جئت إلى الكلية ما اتواصلنا..وهي كانت ناضجة وكان المغتربون بيفترسو النساء هنا بسرعة شديدة..وافترسها واحد من المغتربين.
*اتخلت عنك؟
-هي بتقول أنا ما اشتغلت بيها..لكن في الكلية لقيت العالم بتاعي..أصلاً أنا بحب المرأة وحالة الحب عندها أبعاد كثيرة..ممكن تكون بتحب أكبر قدر من النساء لكن عاطفتك تكون تجاه واحدة..الحب هو حب الجمال..حب الونسة والصوت وكل امرأة عندها حاجة جميلة.
*هل كنت مميزاً إلى حد أن تكون جاذباً للفتيات في الجامعة؟
-كان عندي نوع من الشخصية في ملابسي وغيرها..وكنت بسافر إلى الخارج وشخصيتي مقاومة..والمرأة تحب هذا النوع من الرجال.
*كنت دون جوان في الجامعة؟
-لا ليس دون جوان…الدون جوان بيكون عندو أكتر من فتاة ولديه قدرة على التواصل معهن..أنا كنت محبوباً من البنات..بيجوا مخصوص في استديو التلوين عشان ارسمهم، ورسمت كتير من الزميلات.. وفيه ناس بيقرأوا الحوار ده ح يتذكروا..كانوا فتيات جميلات جداً..والمرآة لم تكن سهلة انو تشوفها طوالي وما كان فيه طريقة تواعد فتاة وتذهب إلى آي مكان.
*كان المجتمع يراقبكم؟
-لم تكن هناك طريقة ..تمشي وين ذاتو..درست أيضاً في جامعة القاهرة الفرع..درست فلسفة وكان عندي زميلات هناك..كانت تضم كثيراً من الفتيات الجميلات…أحببت واحدة اسمها (ملكة الحوش) وكانت أجمل فتاة في الجامعة..كان الفتيات بيحبوا فينا حاجات معينة مثل الشخصية وطريقة الكلام ..والدون جوان ده هو الشخص اللي بيكون مركز في حياتو كلها يجذب أكبر عدد من الفتيات بطرق مختلفة ويحبهم ..أنا الحب عندي صعب.
*كان عندك ارتباط جاد في الجامعة؟
-البنت اللي حبيتها في الجامعة كنت ناوي أتزوجها..اكتشفت انو برضو ما كان موضوع جدي..هناك فرق بين إنك تحب البنت وإنك تكون معاها وتتزوجها..عندما اتخرجنا في الجامعة اشتغلت بمرتب أعلى من مرتبي أنا ..عملت في وزارة الثقافة (مفتش)..وحولوني إلى مجلة سودان ناو وهي اشتغلت في شركة حكومية وكان مرتبها أكبر من مرتبي .
*هل كان هذا هو سبب فراقكما؟
-قلت ليها مادام نحن اتخرجنا مع بعض مفروض نشترك قيمة (ِشيلة العرس)، استنكرت الموضوع وقالت لي كيف الكلام ده..آنت الراجل ومفروض تجيبها أنت..وده الاختلاف الكبير وشعرت انو أنا قصتي ميتة جداً..وطوالي جاء ضابط واتزوجها وبعدها أنا سافرت (جاب الشيلة).
*هل كان اغترابك بسبب فشلك العاطفي؟
-لا أبداً..وأنا طالب في الثانوي وفي السنة الأولى من كلية الفنون سافرت إلى أوروبا وكان عمري وقتها (19) سنة ومن مدني مشيت إسكندرية ومنها إلى اليونان ومنها إلى فرنسا وانجلترا وسنة (76) عملت معرض في انجلترا وكنت وقتها طالباً في كلية الفنون.
{بدأت من هنا فكرة السفر؟
-أهلي ما كان عندهم إمكانيات عشان يسفروني..وأنا ضجرت من السودان وقتها لأنو ماكانو بيقدموا لي الحاجة اللي أنا عايزها..ماخشيت الكلية عشان أتعلم الرسم..أنا كنت بعرف ارسم..جئتها لكي أتعلم مفاهيم الإبداع والفكر الجمالي والفني وتبادل الأفكار وغيرها..وزهجت من الكلية.لكن لقيت الدراسة هناك غالية جدا واضطررت إلى العودة إلى السودان.
*من أين حصلت على الأموال للسفر؟
-كنت في الكلية ما بنوم كنت بمشي أبيع اللوحات في البلاط الصيني أثناء الزيارة في المستشفى وجمعت قروش التذكرة وزملائي كانوا يعتقدون أنني من أسرة غنية ولم استطع إقناعهم انو القروش دي عملتها لوحدي وكانت المنحة الشهرية أربعة جنيهات ونصف..وكنت بعمل في اليوم تلاتة جنيه، في اليوم ببيع اكتر من عشرين لوحة كنت بشيلها في ضهري…ودي من الحاجات اللي استغرب فيها الناس انو كيف “راشد دياب” عندو قروش..لأنهم في الوقت اللي كانوا بينوموا فيهو كنت أنا ببحث وامشي المراكز الثقافية وأرسل للجامعات في الخارج لأنو خلاص قنعت من السودان..وفعلاً وجدت مناهج مختلفة في أثينا وروما وفيها إضافات كثيرة ومختلفة.
*هل كان سفرك بغرض العمل أو الدراسة؟
-سافرت للمعرفة وأفتكر انو من الأشياء الأساسية في تكوين الفنان هو السفر..بحب السفر..كان همي هو تجميع خبرة بصرية وحتى في بحث درجة الدكتوراة كان عن فلسفة الفنون السودانية.
*سافرت من هنا إلى انجلترا؟
-نعم.
*كيف كانت بداياتك هناك؟
-عشت تجربة صعبة جداً واشتغلت في حاجات كتيرة جداً..لما سافرت كان في جيبي عشرة جنيهات فقط..لكن اشتغلت في الطريق وعملت آي حاجة في نظافة الحمامات وعامل سوبر ماركت وفي حراسة كلاب كنت بسوق الكلاب وأفسحهم..وكنت بنقل الورق في أثينا.
*ونادل؟
-لا نادل دي كانت مهنة كبيرة تختار لها الفتيات الجميلات..لكن اشتغلت في نظافة حمامات الفنادق والكافتيريات في انجلترا واليونان وايطاليا..وفي ايطاليا كنت مشرداً بلف في الشوارع وأنوم في محطة القطر وكانت تجربة لابد منها.
*كنت مشرداً في ايطاليا؟
-كنا بنفطر في الفاتيكان الساعة تلاتة صباحاً..لأنو كنا بنصحى بدري قبل ما يجوا يرشونا بالموية في محطة القطر ..ودي كانت تجربة مهمة جداً..وكنا بنلبس كل ملابسنا..مش لأنها عاجبانا ..فقط لأنو ما كان عندنا مكان نضع فيه ملابسنا..وما عندنا غرف.
*كيف انتقلت من مرحلة التشرد إلى أن تكون فناناً معروفاً؟
-كل هذه التجربة خلاصتها انو عندي ثقة في نفسي عالية جداً..وشعرت أني بختلف عن دفعتي..مش أحسن منهم بس بختلف عنهم…بعضهم خضع للمجتمع..البعض اغترب وعمل أسر وأصبحوا سعيدين لكن أنا سعادتي كانت في أن أحقق وجودي في العالم كفنان..لما مشيت لندن قابلت مديرة الصالة اسمها مارغريت قلت ليها أنا من السودان عايز أعمل معرض وأطلعتها على أعمال..وفي لندن كنت ارسم الناس في الشارع. ووافقت وعملت لي معرض وكنت وقتها طالباً في السنة الثانية ولم يكن زملائي يصدقون أنني عملت معرض في أوروبا.. ودي كانت بداية العالمية لا أستطيع أن أقول كل الكلام.
*ثم انتقلت إلى اسبانيا؟
-ذهبت إلى اسبانيا وحضرت هناك والحمد لله اسبانيا مناخها قريب من السودان وكنت السوداني الوحيد في تلك الفترة الذي ذهب إلى اسبانيا لأنو كل الناس كانو يسافرون إلى انجلترا وأمريكا وغيرت الفكرة انو الفن ليس في انجلترا وأمريكا فقط .
*ثم تزوجت من اسبانية؟
-كانت زميلتي في الجامعة وهي امرأة فاضلة جداً وفنانة معروفة في اسبانيا وأنجبت منها بنتاً وولداً وبنت (دار النعيم وجفيل) وهسه بقوا كبار دار النعيم فنانة تشكيلية، وجفيل تخصص في الفلسفة.
*ما هو الفرق بين المرأة الاسبانية والسودانية؟
-المرأة هي المرأة في العالم كله..لكن المرأة الأوربية عقلانية أكثر وتأثير المجتمع عليها ما كثير زي ما عندنا..المرأة السودانية ضحية للأسر الاجتماعي أكثر من الأسر الذاتي ما بتقدر تقاوم المجتمع كثير.
*كثير من المبدعين السودانيين اقترنوا بأوروبيات؟
-الطيب صالح وعبد الله الطيب وغيرهم، المرأة بالنسبة لهم هي رافد مهم جداً لحياتهم تتفهم ظروفهم وطبيعة تفكيرهم وحركتهم ما بتكون طوالي بتلاحقوا (أنت وين) وعملت شنو وجيب شنو وهمها ترضى أسرتها ..يعني فيه أشياء أخرى مثلاً الفنان في البداية ما بيكون بيقدر يرضيها ويرضي أسرتها في كثير من الأشياء لها علاقة بالمجتمع أكثر من المرأة..مثلاً في الزواج ما في زول بيرضى تتزوج ليهو واحدة تلبس ليهو فستان زفاف أبيض إلا يكون فنان عادي وبسيط.
*هل سبق أن قال لك أحد من الناس (أنت مجنون)؟
-طبعا ما بيقولوها لي عديل..الفن هو تنظيم للجنون .. الفنان لا يظهر جنونه لأنه يعيشه مع نفسه..لكن لو اتغلبت عليهو حاسة التعبير العالية بيقوم بينزلها في العمل مثلاً في أحيان كثيرة لو قلت الحاجات البفكر فيها مع نفسي وقلتها أمام الناس المجتمع بيحس فعلاً أني مجنون.
*يقال إنك ثري جداً…وأن هذا الثراء نتيجة لارتباط بإحدى المنظمات التي تدعو للسلام مع إسرائيل؟
-وين المنظمة دي..أديني اسم منظمة واحدة طوالي ح أتعامل معاها.
*يعني لا تمانع في إنشاء علاقات مع إسرائيل؟
-لا علاقة لي مع أي منظمة إسرائيلية ..لكن لو فيه منظمة زي دي تدعو للسلام طوالي…السلام ده نحن عايزنو.
*حتى مع إسرائيل؟
-مع إسرائيل ومع أي حتة.
*هل أنت من أنصار التطبيع مع إسرائيل؟
-أنا مش مع التطبيع مع إسرائيل بالذات أنا مع أنصار التطبيع مع الإنسان اللي بيكون الإنسان هو الهدف وليس العقيدة ..إذا كان فيه إسرائيلي إنساني يحترمني ..أنا برضوا بحترموا وبقدروا ما ممكن أحقد على زول ما بيحقد علي..حتى في هذا السودان هناك أناس لا يستحقون الاحترام ..الدول لا تمثل رأي الأغلبية ورأي المفكرين..اليهود فيهم ناس كويسين جداً وفيهم ناس بيحتقروا الإسلام ويحتقروا العرب.
*هل من الممكن أن يطبع السودان علاقاته مع إسرائيل؟
-السودان ماعندو سبب يكون عندو مشكلة مع أي دولة..لا أقول طبع مع إسرائيل أو أمريكا أو ألمانيا أو غيرها..نحن هسه عايزين نطبع مع أمريكا ليه؟ إذا كان الوازع ديني أو أخلاقي ده موقف..إذا كان وازع عدم تقدير للسودان وعدم احترام ده موقف..لكن لا يمكن نرفض مجرد الرفض إنسان أو أي جهة تمد يدها لكن لا نلهث أو نجري وراء إسرائيل…إذا كان عند إسرائيل مصالح مع السودان مفروض تكون فيه ندية في التفكير…وهل من الممكن نكون جسر لعلاقة بين إسرائيل وفلسطين؟..ده ممكن جداٍ..لا يمكن نقطع علاقتنا مع دول العالم لمصالح خاصة بدول ثانية…الدولة تتعامل مع الدولة اللي عايزة تتعامل معاها..إسرائيل ما عندها مشكلة مع السودان..نشوف المشكلة وين ده موضوع حساس جداً.
*هل آنت غني؟
-أنا لست ثرياً…أنا عندي إمكانيات إبداع كبيرة والحمد لله ثروتي لم تأتِ، ففي يوم من الأيام ح يكتشفوا انو فيه زول اسمو راشد دياب عنده أعمال تقدر بملايين الدولارات ..ثروتي في الأرض والمركز وحب الناس لي وفي الحافز اللي أجده..أي مكان امشي ليهو الحمد لله الناس بيستقبلوني بحفاوة شديدة مع أني ما سياسي.
*يعني ما عندك قروش كتيرة؟
-القروش بتظهر لما تحاول تمنح إحساس أنك أهم من الناس وأنك ما بتتعامل مع كل الناس…دي القروش هسه فيه ناس كتيرين ما بتقدر تشوفهم..لأنو عندهم قروش..والقروش تغنيهم عن الناس..وأنا قروشي في حب الناس..أكتر ثروة أنا بستمتع بيها ولا يستمتع بيها أي زول في العالم هي علاقتي مع الشعب السوداني.
*د.”راشد دياب” نرجسي؟
-رد بسخرية ظاهرة: والله أنا نرجسي جداً..لو ما نرجسي ما كنت عملت مركز ثقافي..كان عملت لي قصر فيهو حوض سباحة وقعدت و(وريتكم النرجسية كويس)..هسه اللي عامل حوض سباحة ده ما نرجسي…ولا عشان طلع راشد دياب للجمهور وفتح ليهم أبوابو ومساحة أسبوعية للحوار..فيه زول نرجسي يفتح منتدى للحوار كل أسبوع؟
كان بيكون مقفول في حتة مقفولة..النرجسي ده روحو بس..ماعندو هم المجتمع.
*طيب شنو سر ملابسك..وجلابيتك الغالية؟
-اللبس هو عبارة عن تطور معرفي لقيم جمالية سودانية متصلة بالحضارة العربية الأفريقية..أنا بقول عربي أفريقي لازم أظهرا في ملابسي..اللون الرموز العربية والأفريقية بتظهر في شكلي..أنا ماعايز أقول أنا أفريقي عربي وأكون لابس جلابية عربية بيضاء وعمة بيضاء لأنو أنا عربي..بعدين مش أنا بس مفروض الناس تفكر في العمارة..تكون عمارة عربية أفريقية وتفكر في طبيعة الحياة.