المشهد السياسى
رحل “هيكل” وترك آمالاً عراض
موسى يعقوب
الصحفي المصري “محمد حسنين هيكل” خبرة صحفية سياسية مرموقة.. عاصرت كل العهود الرأسمالية والاشتراكية والعربية.. بل وهو الذي كان من مواليد 1923م، ثم مات قبل أيام وهو في سن الثالثة والتسعين من العمر، كان قد غطى كصحفي الحرب الكونية الثانية، وعاصر رموز ما بعد ذلك في المعسكرين (الغربي) و(الشرقي)، وبميلاد نظام الرئيس “عبد الناصر” ورفاقه كان هو الأقرب لذلك النظام، وهو رئيس تحرير صحيفة (الأهرام) المصرية الصحيفة الأشهر والأوسع انتشاراً في العالم العربي. وكان له فيها مقاله المعروف (بصراحة) الذي زاده شهرة، وكان قبلة لمن يبحث عن المعلومات والقراءات إلى أن صارت له كتبه وإصداراته السياسية الخاصة والرائجة الشهرة والتوزيع، والتي كان يقبض عائدها من الناشر قبل أن تصل إلى القارئ، فقد كانت سلعة مرغوبة وغير مشكوك في رواجها.
ويضاف إلى ذلك أن جمهورية مصر العربية وفي الحقبة الناصرية كان لها دورها الكبير في العالم العربي والعالم الثالث. وكانت قبلة لرواد التحرر الوطني وللزعماء الذين يبحثون مع غيرهم عن كيانات وكتل إقليمية ودولية تحفظ لهم حقوقهم ووجودهم في عالم، كان يتنازعه ويسيطر عليه قطبان هما المعسكر الغربي بقيادة “الولايات المتحدة” والشرقي بقيادة “الاتحاد السوفيتي”، وقد بدأ ذلك بـ(مؤتمر باندونق) الذي كان الرئيس “عبد الناصر” أحد رموزه، وكان فرصة لـ”هيكل” ليمد علاقاته واتصالاته مع عدد من الرموز الدولية والإقليمية.
وبعد رحيل “عبد الناصر” ووصول “السادات” إلى السلطة لم ينعم “محمد حسنين هيكل” بما كان ينعم به من علاقات.. ذلك أن بينه وبين الرئيس المصري كانت ثمة فجوة فقد فيها “هيكل” أوضاعه، ولكن ظل ممارساً صحفياً ومحللاً سياسياً وصاحب علاقات مستمرة وله قبوله. ففي “الولايات المتحدة الأمريكية” و”بريطانيا” وغيرهما، حيث المؤسسات الصحفية والإعلامية والأكاديمية، كانت لـ”هيكل” فرصة في المحاضرات والتحليلات السياسية، ذلك أنه كان موصولاً بالعالم الشرقي وقادته كالرئيس “تيتو” وقادة تلك الحقبة الآخرين – والعالم العربي بالضرورة ولا ريب.
وقد استثمر الراحل “هيكل” ذلك كله وخرج منه بسمعة وشهرة ومال واحترام، رغم أن ذلك قطع تواصله مع آخرين في المنطقة. فقد يذكر للصحفي الراحل “محمد حسنين هيكل” أنه لم يزر (جمهورية السودان) وهي الدولة الشقيقة والأقرب لبلده مصر إلا مرة واحدة في رفقة الرئيس “عبد الناصر” لحضور مؤتمر اللاءات الثلاثة بعد حرب 6 يونيو – حزيران 1967م.. وجاء ما قال عن مقتل الإمام “الهادي المهدي” ليزيد الفجوة بينه والسودانيين.
لكن، ومهما يكن من حال، فإن الرمز الصحفي المهني والسياسي والكاتب “محمد حسنين هيكل” قد أبدى حزنه وأسفه مؤخراً لما يجري في المنطقة العربية من ضعف في التواصل ومواصلة الأدوار مع الآخر.. وقد أشار في ذلك في لقاء تلفزيوني مصري أجري معه قبل وفاته بقليل – أي في مستهل هذا العام 2016م – إلى أنه يعلق آمالاً على أن تقوم جمهورية مصر العربية بدورها الطليعي السابق في المنطقة والإقليم والعالم.
ولعله لو عاش ليرى (قمة الكوميسا) في “شرم الشيخ” والتي سيجرى على هامشها لقاء يجمع بين “مصر”، “السودان” و”أثيوبيا” والمشترك بينهما الذي يستحق النظر كثير.. لشعر بأن أمله في عودة بلاده إلى دورها السابق والمعروف قد بدأ.
لقد رحل “محمد حسنين هيكل” وترك خلفه من الإرث الكثير شأن ابن جيله الدكتور “بطرس غالي”، الذي كان قد رحل قبله بأيام وهو في سن الـ(94) من العمر، فعليهما الرحمة فهو فقد مصري وعربي كبير.