حوارات

القيادي السابق بالمؤتمر الوطني دكتور "قطبي المهدي" في حوار مع (المجهر) (2)

حوار – سوسن يس
أمريكا تبتزنا بالمحكمة الجنائية وبالعقوبات ونحن نقع في الفخ!!
في التسعينيات قيّمنا مسألة العلاقة مع أمريكا وقلنا إنها حمقاء وهي من سيخسر!
الأمريكان ضغطوا على الذين تحت سيطرتهم ليقطعوا علاقتهم بنا.. والذين ليسوا تحت سيطرتهم من حلفائنا تركوا مهمة قطع علاقتنا معهم لنا نحن!!
ماذا كسبنا من مقاطعتنا لإيران؟! الأمريكان يريدوننا أن نقضي على علاقاتنا الخارجية حتى لا يتبقى لنا إلا الحذاء الأمريكي إما أن نلعقه وإلا …!
 
{ التوجهات العامة ألم تكن ضد أمريكا؟ (أمريكا روسيا قد دنا عذابها) لم يكن مجرد نشيد يردده شباب متحمس.. الإذاعة الرسمية كانت تبثه وكانت تبث رسائل تهديد ووعيد لأمريكا ما يعني أن الأمر كان توجه دولة.. وما زال الناس يذكرون أحاديث “يونس محمود”؟
– آي كان نشيد.. نشيد.. كانت هناك تعبئة عامة وكان هناك تآمر وعدوان على البلد.. فأنت تتوقع ماذا؟ هل تتوقع مني أن أقول (يا أمريكا يا سلاااام كتر خيرك وسأدير لك خدي الأيمن)؟
   أمريكا هي التي استعدتنا وهي التي ما زالت تستعدينا(فما تقولي لي، لأنه هناك شباب في أثناء الصراع مع أمريكا قالوا هذا الكلام معناه خلاص ثورة الإنقاذ كانت عايزة تحرك جيشها من هنا وتمشي تمسح أمريكا.. كونوا موضوعيين يا جماعة).. أمريكا هذه في مرحلة من المراحل (براها قالت السودان ليس دولة راعية للإرهاب، بل بالعكس السودان دولة متضررة من الإرهاب وتعاني من الإرهاب ومتعاونة في هذا الاتجاه).. بنوا على قرارهم الأول قرار أننا دولة راعية للإرهاب فقرروا المقاطعة والحصار.. ثم بعد حديثهم عن أننا لسنا راعين للإرهاب ما زالت المقاطعة مستمرة وما زال الحصار، بل اشتد في هذه الأيام.. أمريكا هي التي تستعدي السودان وهي التي تتآمر على السودان، وكل المشاكل التي حدثت لنا هي تقف من خلفها.. فأنت لا يمكن أن تقولي لي أنتم قلتم (أمريكا روسيا قد دنا عذابها) فمعناه أن….
الأمر كان طبيعياً! كانت هناك تعبئة عامة ونحن كنا ندافع عن أنفسنا ونقاتل في كل الجبهات.. كان هناك ناس يموتون.. بلدنا كانت مستهدفة فماذا كنت تريدين منا أن نفعل؟!
{ حسن السياسة كان يوجب عليكم أن تفعلوا شيئاً آخر غير (أمريكا روسيا قد دنا عذابها).. الآن بعد كل هذه الفترة ألا ترى ذلك؟
– شوفي.. هؤلاء الناس الذين يرددون هذا الكلام في المعارضة  فتقوا آذاننا طوال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات بالحديث عن (أمريكا والامبريالية.. الامبريالية.. الامبريالية) صدعونا بها.. (ناس الحزب الشيوعي واليساريين بكافة أصنافهم كلهم كانوا يرددون هذا الكلام)، بل كانوا يتهمون الإسلاميين في ذلك الوقت بأنهم عملاء أمريكا.. وفجأة بين ليلة وضحاها أصبحوا يقولون لنا كيف تهاجمون أمريكا وتقولون عنها هذا الكلام؟!
{ دكتور “قطبي” بصراحة ما هو أكبر أخطاء الإنقاذ؟
– والله شوفي.. نحن كنا في الإنقاذ.. لكن أنتم أقدر على تحديد الأخطاء منا نحن الذين كنا في زحمة معركة الإنقاذ..
 أفتكر أن واحداً من الأخطاء مخرجات (نيفاشا).. وأنا كنت مفاوضاً رئيسياً في فترة ما قبل (نيفاشا) وكانت لنا مواقف واضحة.. لذلك أنا أقول حدث تباعد بين الممارسة وسياسات ومواقف الثورة.. و(نيفاشا) كانت تمثل بالنسبة لي الافتراق الواضح لسياسات الحكومة أو المؤتمر الوطني عن المبادئ الأساسية.. وهذا نتائجه وضحت وكانت سيئة جداً بالنسبة للوطن ككل وبالنسبة للجنوب.
{ هل كنت تأمل في حل لمشكلة الجنوب بوسيلة أخرى غير اتفاقية (نيفاشا)؟ مآخذك على نوعية الاتفاقية أم على نوعية الحل؟
– أنا كنت مشاركاً في المفاوضات لسنين بحثاً عن حل.. لكن أنا أفتكر الاتفاقية كانت ما صحيحة.
{ ترى أنها كانت عبارة عن فخ؟
– ( والله يا خي جايز.. الناس النصبوا الفخ عارفين إنهم بنصبوا في فخ فعلاً).
{ ولكنكم وقعتم في الفخ؟
– للأسف.. هناك أناس كانوا يتصورون أنه لو نحن قبلنا بـ(نيفاشا) علاقتنا بالغرب ستتغير والجنوبيون سيقبلون بالوحدة.. وهذا عدم فهم للحركة الشعبية وأهدافها النهائية وعدم فهم للغرب وما يريده حقيقة للسودان.
{ المشكلة هي أن عدم الفهم للغرب ما زال مستمراً وإلى الآن هناك آمال بأن أمريكا ستطبع العلاقات إذا نحن فعلنا كذا وكذا.. أمريكا تجرنا منذ سنوات بحبل اسمه التطبيع ورفع الحصار ونحن نجري وراءها؟
– نعم.. بالضبط.. أمريكا تبتزنا الآن.. تبتزنا بالعقوبات، وتبتزنا بالمحكمة الدولية، وتبتزنا بالحركات المسلحة ونحن (بنقع في الفخ).. إلى الآن نحن نظن أنه من الممكن أن نرضي أمريكا بتقديم تنازلات معينة في مواقفنا الأساسية وفي علاقاتنا الخارجية وفي….والأيام أثبتت أنه كلما تنازلت لأمريكا أكثر هي تشدد عليك الضغط وربما إلى الآن الناس ما وعيت تماماً لما تفعله بنا أمريكا خاصة في مجال الحصار الاقتصادي.. أمريكا ما زالت إلى اليوم تمارس مزيداً من التشدد غير المسبوق مع أية دولة في العالم لا مع كوبا ولا مع الاتحاد السوفيتي ولا مع إيران.. وعندما نبحث عن المبرر، لماذا هم يفعلون معنا ذلك! نجد أنفسنا ضائعين (ما قادرين نعرف لغاية هسة لماذا أمريكا تفعل معنا ذلك بعد كل البنسويهوا دا).
{ الغريب ليس هو ما تفعله معنا أمريكا لكن الغريب هو ما نفعله نحن.. لماذا ننخدع في كل مرة لأمريكا ولماذا نجري وراءها ونصدق في كل مرة أنها ستفعل لنا كذا إذا فعلنا كذا.. ماذا تسمي ما نقوم به إذا لم تسمه سوء سياسات وضعف في السياسة وفي التقديرات..؟
– (أنا والله قبل كدا صحفيين أمريكان سألوني هذا السؤال.. إنتو جاريين ورا أمريكا دي دايرين بيها شنو؟ والله العظيم).. شوفي، أنا أذكر أنه في التسعينيات نحن قيّمنا هذه المسألة وأنا كنت في الخارجية في ذلك الوقت.. قيّمنا هذا الموضوع ووجدنا أنه لا توجد هناك مساعدات تقدم إلينا من أمريكا، ليس لدينا مع أمريكا ميزان تجاري، ليس هناك تعامل تجاري معها، ليست هناك استثمارات أمريكية في البلاد فقلنا (في النهاية أمريكا اللي ح تخسر ما نحن).
{ هل أنت مقتنع بهذه الرؤية؟
– لا.. لا.. هذا كان في ذلك الوقت.. قلنا هي خسرت امتيازات البترول وفي ذلك الوقت كانت هناك (شيفرون) وكانت كثير من الشركات الأمريكية راغبة في أن تتعامل معنا.. قلنا هذه سياسة حمقاء من أمريكا أضرت بمصالح الشركات الأمريكية وأضرت بمصالح أمريكا.. وفي ذلك الوقت كنا قررنا أن نخرج من حكاية الاعتماد على الغرب هذه لأن هذا كان (مفهوماً) سائداً في مرحلة ما بعد الاستقلال، لأن قبل الاستقلال علاقاتنا كلها كانت مع الغرب.. وفعلاً نجحنا كثيراً في أن نخترق الحصار وفي أن نتجه للدول الآسيوية ولبعض الدول الغربية واستطعنا أن نقوم بإنجازات كبيرة جداً سواء في مجال البترول أو في غيره. وشعر الأمريكان أن مقاطعتهم لنا وحدهم لن تؤثر علينا فبدأوا يضغطون على الأوروبيين وحتى على أخوتنا العرب والأفارقة ليحاصروا السودان معهم.. وهنا أصبحت المقاطعة فعالة.. وهذا طبعاً هم جربوه في العراق وجربوه مع ليبيا.. عندما قاطعت أمريكا العراق، الدول العربية كلها قاطعت العراق مع أمريكا والدول الأوروبية والعالم كله قاطع العراق، ونفس الأمر اتبعوه في ليبيا إلى أن اضطروا “القذافي” إلى اتخاذ إجراءات مذلة جداً حتى يستطيع أن يتنفس. نحن الآن لا نعاني من الضغوط الأمريكية، نحن نعاني من الضغوط التي تمارس على الجهات التي تتعامل معنا خاصة في موضوع التحويلات البنكية.. كان هناك بنك فرنسي يتعامل معنا فقاموا بتغريمه (100) مليون دولار أو يورو لا أذكر، فخافت كل البنوك حتى العربية من التعامل مع السودان، وهناك قصص كثيرة السودانيون لم يسمعوا بها عن مستثمرين حاولوا أن يقوموا بتحويل أموال إلى السودان وعن المحاسبة التي تعرضت لها بنوك تعاملت معنا.. عندك مثلاً الشركة الكندية (تالسمان) التي كانت تعمل في كردفان وهي أول شركة تقريباً ساعدتنا في استخراج البترول مارسوا عليها ضغوطاً شديدة جدا فاضطرت لأن تنسحب.. هذا هو المؤثر في الموضوع وسيظل مؤثراً.. لكن الأمر يعتمد على أنك يتوجب عليك أن تفعل ماذا لتواجه هذه المسألة.. طيب.. أنت قطعت علاقاتك بالدولة الوحيدة التي كانت واقفة معك، إيران، وطردت السفير الإيراني، وأغلقت الملحقيات، وفعلت وفعلت، وحملت جيشك ليحاربهم في اليمن.. النتيجة كانت ماذا مع الأمريكان؟!
{ ما رأيك في هذا الإجراء الذي اتخذته الحكومة بخصوص إيران.. ألست راضياً عن هذه الخطوة؟
– أنا أنظر ما هي النتيجة؟ ماذا كسبنا؟ مزيداً من الضغوط الأمريكية.. هم يريدونك تخسر حلفاءك كلهم أو تخسر الجهات التي تتعامل معك كلها، التي ليست تحت سلطة أمريكا.. التي تحت سلطة أمريكا ضغطت عليها وأوقفتها منك والتي ليست تحت سلطتها (خلوك إنت تقوم بالمهمة دي وتقضي على علاقاتك الخارجية.. وفي النهاية لا يتبقى لك إلا الحذاء الأمريكي إما أن تلعقه أو…).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية