بعد.. ومسافة
القفز فوق حواجز الحصار (!)
مصطفى أبو العزائم
يعاني الشعب السوداني معاناة كبيرة بسبب الحصار الظالم المفروض عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، رغم المحاولات المستمرة لكسر طوق العزلة الذي حاول الغرب أن يفرضه على بلادنا، وذلك بالاتجاه شرقاً نحو الصين الشعبية، والسعي وراء علاقات تبادل مصالح ومنافع مع دول الجوار، لأن في هذا خيراً ضامناً للاستقرار ليس للسودان وحده، بل لكل دول الجوار السوداني، ولكل دول المنطقة والإقليم.
الآن يمكن القول إن القرار الشجاع بفتح حدود السودان مع دولة جنوب السودان هو أحد المرتكزات التي يمكن أن تقفز بها بلادنا فوق حواجز الحصار المضروب عليها، ويؤكد على وعي القيادة السياسية بأهمية استتباب الأمن كأساس للاستقرار ثم التنمية.. وهو قرار نرى أنه (قد) يسحب البساط من تحت أقدام الحركات المسلحة المعارضة للنظام في “الخرطوم”، و(ربما) يدفع بها للدخول في حوار مع الحكومة لتسوية الخلافات القائمة وصولاً إلى حل يرضي كل الأطراف.
ليس هذا القرار وحده، بل هناك اتفاق تعاون خلال اليومين الماضيين بين البنك المركزي– بنك السودان– والبنك التجاري الإثيوبي لتوسيع قاعدة التعامل المصرفي بين البلدين الشقيقين، من ثلاثة إلى ستة بنوك إثيوبية خلال هذا العام، بالإضافة إلى فتح فرع للبنك التجاري الإثيوبي في السودان ضمن سعي “الخرطوم” و”أديس أبابا” لتطوير الاستثمار والتجارة بين البلدين.
إذن ما حدث لم يكن حدثاً عابراً، بل هو يعمل ويؤسس لشكل جديد من أشكال العلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين، ويقضي الاتفاق– حسبما تم الإعلان عنه– بفتح حسابات للبنوك السودانية في إثيوبيا، وفتح حسابات للبنوك الإثيوبية في السودان، والتعامل بين الجنيه السوداني في إثيوبيا والبر الإثيوبي في السودان وفقاً للمعايير الدولية المتعارف عليها.
كان لبلادنا سابق تعاملات اقتصادية– متقدمة على عصرها آنذاك– مع الشقيقة مصر، وكان هناك تعامل تجاري وفق ما كان يعرف باسم (الدولار الحسابي).. الآن إذا توجهت سياسة الدولة الاقتصادية نحو هذا الطريق فمن المؤكد أن العملة الوطنية ستقوى وتتقوى بمثل هذه الشراكات الذكية التي لن تضعف الدولار، لكنها لن تجعل منه العملة الأولى التي تقاس عليها عملة البلاد، خاصة وأن هناك اتفاقاً سابقاً مع الصين الصديقة للتعامل باليوان الصيني، ونحن نعرف حجم التبادل التجاري بين السودان والصين.. وعلمنا مؤخراً أن حجم التبادل التجاري بين السودان وإثيوبيا يحتل المرتبة الثالثة في إثيوبيا وفق معلومات رسمية أعلنتها “أديس أبابا”.. ونعرف حجم الوجود والعمالة الإثيوبية في بلادنا وحجم التحويلات الشهرية والسنوية التي تتم خارج القنوات الرسمية.. ونعرف أن إثيوبيا تتنفس من رئة سودانية في البحر الأحمر، تدخل منها أكثر وارداتها، وتخرج منها أكثر صادراتها.الجنيه السوداني الآن وبمثل هذه الاتفاقيات سيتعافى قريباً.. لكن الأهم سيبقى هو ترشيد الإنفاق الحكومي في غير مشروعات التنمية.