القيادي السابق بالمؤتمر الوطني "قطبي المهدي" في حوار مع (المجهر) (1)
حوار- سوسن يس
أنتقد المؤتمر الوطني ولا أهاجمه لأن الوطني حزبي!
إذا كنت معادية للإنقاذ وتريدين أن تهاجميها فهذا الحوار (مافي داعي ليهو)!
(أمريكا روسيا قد دنا عذابها) لم تكن سياسة دولة وإنما كانت هتافات شباب متحمس!
(الإنقاذ) في بداياتها لم تستعدِ أحداً.. و”الترابي” سافر إلى أمريكا والتقى الكونغرس ليحاول إقناعهم أننا ليست لدينا مشكلة مع أمريكا!
رغم إصراره على تأكيد ابتعاده عن حزب المؤتمر الوطني، وأنه لم يعد رجلاً حزبياً، لدرجة حذّر إحدى الصحف التي حاورته من أن تصفه في الحوار بأنه قيادي يتبع للمؤتمر الوطني، رغم ذلك بدا الدكتور “قطبي المهدي” في هذا الحوار متعصباً في انتمائه للمؤتمر الوطني، متشدداً في تأييده لسياسات وتوجهات الإنقاذ الأولى.. لدرجة أن هم بإنهاء الحوار أكثر من مرة- لأنه عدّ بعض الأسئلة تهاجم الوطني وتعارض سياسات الإنقاذ الأولى، وبرر موقفه بقوله: (أنا أنتقد المؤتمر الوطني ولا أهاجمه لأن المؤتمر الوطني حزبي).
الدكتور “قطبي المهدي” يقول إن قضيته الأساسية التي ابتعد لأجلها من المؤتمر الوطني هي قضية الإصلاح. لكن دعوة الإصلاح التي يرفعها دكتور “قطبي” تختلف عن غيرها من دعوات الإصلاح التي برزت وتبرز داخل الحزب من حين لآخر!! فما مفهوم دكتور “قطبي المهدي” للإصلاح؟ وكيف ينظر لمسيرة الإنقاذ ولتوجهاتها وسياساتها خلال فترتها الأولى؟
كيف ينظر لقضية التطبيع مع أمريكا و…؟؟
هذه النقاط وغيرها كانت هي محاور هذا الحوار.. فإلى مضابطه.
{ دكتور “قطبي” أين موقعك الآن من حزب المؤتمر الوطني.. يبدو أنك ابتعدت تماماً؟
– ما زلت مقتنعاً- على الأقل- بميثاق الحزب وبخطابه السياسي وبمواقفه السياسية الداخلية والخارجية بشكل عام.. وأفتكر أنه في ما يلي الممارسة العملية الحزب لم يوفق في الالتزام بهذه المبادئ كثيراً ومنذ العام 2000 أصبح هنالك تباعد أو فجوة بين مبادئ الحزب ومبادئ ثورة الإنقاذ، والممارسة العملية في الحزب وفي الدولة نفسها، وهذا أدى تدريجياً إلى تباين في وجهات النظر والمواقف بيني وكثير من قيادات الحزب وصلت حد الخلاف في بعض الأشياء الأساسية، وهذا كانت نتيجته الحتمية أن أبتعد، والابتعاد أعتقد أنه كان من الجانبين.. لم يعد وجودي مريحاً لبعض القيادات، ولم أكن أنا أيضاً مرتاحاً، فكان الابتعاد وكان فراقاً بإحسان، كما يقولون.. لكن ما زلت أؤيد الحزب في الوضع السياسي الموجود الآن، وأفتكر أنه الحزب الأفضل والأقوى والمعبر الأقوى الآن عن المجتمع السوداني وعن ثقافة السودانيين وعن مبادئهم، والأقدر أيضاً على توفير الأمن القومي والاجتماعي في نفس الوقت.. ما زال هو الأفضل، وعندما أنظر في الساحة الآن لا أجد بديلاً أفضل من المؤتمر الوطني لكن قضيتي الأساسية هي إصلاح المؤتمر.
{ إصلاحه بالعودة إلى مبادئ ثورة الإنقاذ؟
– نعم.. نعم.
{ تعني لو كان الحزب حافظ على مبادئه التي جاء بها لظللت فيه وما ابتعدت عنه؟
– شوفي، العمل السياسي طبعاً عمل متطور وأنا مشكلتي أن الحزب لم يستطع أن يطور نفسه، والحكومة ما زالت منغلقة في مربع متأخر ومشغولة بقضايا انصرافية ومستنزفة كل طاقة البلد في هذه القضايا، لذلك ليس هناك تقدم في مجال التنمية والنهضة الوطنية.
{ أنت تأخذ على الحزب أنه توجد فجوة بين مبادئ ثورة الإنقاذ والممارسة العملية.. في حين يرى الكثيرون أن هذه المبادئ التي جاءت بها الإنقاذ هي سبب هذا الانهيار الحادث الآن وأنه لولا هذه المبادئ لما حدث الانهيار؟
– طبعاً هذا كلام المعارضة التي كانت من أول يوم رافضة لثورة الإنقاذ، والثورة في البداية جاءت برؤية واضحة وهذا هو الذي أنتج الإنجازات التي تمت في البداية، وهذه الرؤية كانت تحتاج لروح ثورية تقدمية إيجابية حتى تستطيع أن تنفذ هذه الأشياء وتحشد طاقات الأمة من أجل النهضة، ونجحت في هذا نجاحاً كبيراً جداً، لكن منذ العام 2000 تغير الوضع جداً وأصبح الجنوح نحو المساومة مع الجهات التي لا تريد للثورة أن تتقدم وكانت مساومات لا طائل من ورائها ما جنينا منها سوى انفصال الجنوب والتنازل عن كثير من مبادئ الثورة، وما زالت القضايا التي كنا نتنازل من أجلها معلقة فأصبحنا ننتقل من تفاوض لتفاوض ومن تنازل لتنازل ومن معارك انصرافية شغلونا بها عن العمل الحقيقي في مجال البناء الوطني.
{ ماذا تعني بقضايا انصرافية.. قضايا انصرافية مثل ماذا؟
– يعني أنت الآن تفاوض مجموعة من المرتزقة والعملاء والمخربين الذين يعيشون على المشكلة، يعني لا يريدون حلاً.
{ تعني الحوار الوطني؟
– لا، ليس الحوار الوطني.. ليس الحوار الوطني.. الحوارات التي بدأت منذ قيام هذه الثورة مع الحركة الشعبية ومع الحركات المتمردة كلها.. واضح جداً أنهم لا يريدون حلاً وإنما يريدون أن يعيشوا على المشكلة.
{ لكن قد يقول لك قائل إن معظم هذه التمردات خلقتها السياسات الخاطئة والنهج الذي انتهجته الإنقاذ في بداياتها؟
– لا، هذا غير صحيح.. أنت لا تستطيعين أن تثبتي هذا.. لأن السياسات لم تكن خاطئة، بل لأول مرة تأتي حكومة تهتم بالمناطق المهمشة.. وأنا من الممكن أن أضرب لك أمثلة من دارفور نفسها.. ستجدين أن الحكومات السابقة التي تقود الآن المعارضة مع هؤلاء الناس هي المسؤولة عن هذه الأوضاع.. بالعكس الإنقاذ عندما جاءت ومنذ أول يوم كانت تمثل كل المناطق وإذا رجعت لمجلس قيادة الثورة ستجدينه كان ممثلاً لكل هذه المناطق دارفور وجبال النوبة والجنوب، وأول ما بدأت، بدأت ببرامج تنمية قومية شملت كل مناطق السودان.. دارفور هذه الثورة عندما قامت وجدت فيها عشرين مدرسة ثانوية فقط فعملت مائة مدرسة ثانوية.
{ والآن فيها مائة معسكر أو أكثر من مائة وليس مئة مدرسة؟
– لا.. عملت مائة مدرسة ثانوية.. وهذا كله تعطل بسبب هذه الحركات.. التنمية تعطلت في دارفور وفي جبال النوبة وفي جنوب كردفان بسبب هذا.. أنت تنشئ مشروعات تنمية فيختطف الخبراء وتختطف الآليات.. حتى الأجانب قتلوهم.. في جنوب كردفان قتلوا كم صيني بالفؤوس لأنهم ذهبوا في مشروعات تنمية وفي معسكر تلودي، معسكر الشركة الصينية التي تعمل في إنشاء الطريق اختطفوا وقتلوا وحتى في دارفور.. كلما يذهب مهندسو (سوداتل) أو مهندسو هيئة توفير المياه تختطف الآليات أو يختطف المهندسون.
{ لكن هذا يحدث بسبب فشل من؟ أنا كسلطات…
– (مقاطعاً بسرعة وغضب): شوفي.. نحن نكون موضوعيين في الحوار وإلا فأنا ما بقبل الحوار.. أنا أعطيتك حقائق.. أنت قلت لي إن سياسات الإنقاذ كانت خاطئة (وأنا وريتك سياسات الإنقاذ كانت شنو ووريتك الحركات المسلحة بتعمل في شنو).. إذن من المسؤول؟ من المسؤول؟ هل المسؤولة هي الحكومة؟ الحكومة مستشعرة مسؤوليتها كحكومة قومية وواضعة موضوع التنمية في أولوياتها، وهي تريد أن تنمي البلد بدليل أن كل مشروعات التنمية التي تم إنجازها شاملة للبلد كله سواءً كانت طرق، سواءً كانت كهرباء فأنت لا يمكن أن تتهم الحكومة بأن سياساتها الخاطئة أدت للتمرد.. التمرد هو الذي يعطل هذه المشروعات وهؤلاء الناس أنت تجلس معهم (وبتسألهم عايزين شنو؟ عايزين تنمية وعايزين خدمات دايرين تمثيل لينا في السلطة.. اتفضلوا ما عندكم أي مشكلة).. هل هناك حكومة قبل هذه الحكومة مثلت أهل الهامش أكثر من هذه الحكومة؟!
{ المسألة ليست تمثيلاً.. قل هل جاءت حكومة قبل هذه الحكومة أحدثت تنمية في الهامش مثلما فعلت هذه الحكومة؟
– طيب.. هل هناك حكومة أحدثت تنمية في الهامش أكثر من هذه الحكومة؟!
{ الآن هل هناك تنمية في الهامش.. كل الحكومات السابقة لم تشهد فتراتها مثل هذه الحروبات والتمردات الحادثة الآن.. كان هناك استقرار على الأقل وأمن في مناطق دارفور وفي غيرها؟
– قال بسرعة: هذا هو السؤال: لماذا هذه التمردات تحدث الآن في ظل الحكومة التي اهتمت بالهامش؟!
{ بالضبط هذا أهم سؤال.. ففي تقديرك ما هي إجابته؟
– نعم.. شكراً لك.. معنى هذا أن هناك جهات لا تريد تنمية ولا تريد استقراراً لحكومة عازمة على التنمية.
{ و(اشمعنى) حكومة الإنقاذ من دون كل الحكومات السابقة تظهر لها جهات لا تريد تنمية؟
– (أنت لو فاهمة العالم وفاهمة السياسة العالمية بتعرفي الإجابة).. أصلاً هناك حكومات وطنية دائماً تتعرض لهجمات من الجهات التي تريد أن تستغل شعوب العالم.
{ هل لأن حكومة الإنقاذ توجهها إسلامي؟
– “نمرة واحد” لأن توجهها إسلامي.. ثانياً لأنها مصرة على أن تمتلك قرارها السياسي وأن لا تكون تابعة لأي محور أجنبي.. ثالثاً لأن أية تنمية في العالم الثالث معناها الاستغناء عن الاتكال والاعتماد على العالم الأول المهيمن.. العالم الأول المهيمن يريد أن تستمر هذه الهيمنة وأن يكون العالم الثالث فقط مصدراً للمواد الأولية وسوقاً لمنتجاتهم.. فإذا ما استغل العالم الثالث منتجاته ولم يصدرها لهم مواد خام وأصبحت له صناعاته أين سيذهبون؟ أوروبا هذه تعيش على ماذا تعيش على تخلفنا.. وكل بلدانها لا تملك أي شيء لا مواد خام لا موارد طبيعية لا.. لا… يستوردون من دول العالم الثالث المواد بأرخص الأثمان ويأتون بها إلينا بأسعار مضاعفة كمنتجات.. فالدول الاستعمارية لا تريد للعالم الثالث أن يقوم باستغلال موارده.. هي ما خرجت من بلادنا ليحدث هذا هي تريد للوضع أن يستمر كما هو.
{ دكتور هناك رؤية مختلفة قليلاً عن رؤيتك هذه أريد أن أسمع رأيك فيها حتى لو أغضبتك أرجو أن أسمع رأيك.. فأنا “شايفاك” متعصب للوطني رغم حديثك عن أنك ابتعدت عنه؟
– (لا أنا ما بغضب أنا أكتر زول بنتقد المؤتمر الوطني).. بنتقده انتقاد موضوعي.. لا أهاجمه، لكن أنتقده لأنه حزبي وأنا أرى أنه أكثر حزب يمثل الآن قدر الكثير جداً من السودانيين ويجب أن يكون في أفضل حالاته لأن أية مشكلة فيه تعني مشكلة للبلد.
{ يمثل قدر كثير جداً من السودانيين لأنه الآن في السلطة؟
– نعم.
{ وليس لأن قواعده كبيرة؟
– لا، هو قواعده كبيرة فعلاً إذا قارنتِه ببقية الأحزاب لكن لأنه يمثل السلطة فعلاً.
{ أنت ترى أن الغرب الآن يعيش على تخلفنا لكن ألا ترى أنه بالإمكان أن نقول بعبارة أخرى إن الغرب يعيش على سوء سياساتنا؟ وأوضح دليل على ذلك أن الإنقاذ ومنذ أن جاءت…
– (مقاطعة).. (شوفي).. إذا أنت معادية لثورة لإنقاذ وتريدين أن تهاجميها فهذا الحوار (مافي معنى ليهو).. أنا لا أريد أن أتكلم مع شخص عنده موقف مسبق.
{ لماذا؟ أنا أسأل عن رأيك حول قضية فلماذا لا تجيب وتحاول إقناعي بما تراه؟
– (شوفي.. أنا أقول ليك حاجة تفهميها عني أول حاجة أنا زول ما حزبي وأكبر دليل هو موقفي الآن من المؤتمر الوطني)، أنا شخص قومي بالدرجة الأولى وأنا معني في المقام الأول بالنهضة الوطنية وبأمن البلد واستقراره وهذا هو معياري الذي أقيس به أي شيء سواء حركات مسلحة، سواء حوار جارٍ، سواء علاقاتنا الخارجية بالدول الأخرى، فإذا كنت تريدين أن تتكلمي مع شخص هذا موقفه (خلاص) أما إذا كنت تريدين أن تأتي كمعارضة وأنا كحكومة والجدل العقيم فأنا لست مستعداً لذلك.. لست مستعداً.. (قال ذلك وهو يبعد جهاز التسجيل من أمامه)
{ يا دكتور هذا حوار.. يعني ليس بالضرورة أن نكون متفقين حول القضايا موضوع الحوار؟
– لا ليس ضرورياً.. (أنت أطرحي عليّ أسئلة عشان أنا أوري القارئ.. فالحكاية ليست بيني وبينك فقط.. هناك قارئ غير معني بنقاش أي شخصين.. هو معني بأن هذا الشخص كان “مسؤولاً” والآن عنده رأي يريد أن يقوله.. هذه هي وجهة نظري.
{ دكتور “قطبي” كشخصية قومية وبعيداً عن المؤتمر الوطني.. ما رأيك في مسألة انقلابنا من موقف (أمريكا روسيا قد دنا عذابها) ومحطة الوعيد والتوعد لأمريكا إلى الموقف الذي نقفه الآن الجري واللهث من أجل خطب ود أمريكا وأقدامنا حفيت في سبيل تطبيع علاقاتنا معها.. وهي ترفض وتتمنع.. ألا ترى أن هذا دليل على سوء سياسات الإنقاذ الأولى؟
– (والله أول حاجة السؤال ذاتو ساذج جداً).. أولاً (أمريكا روسيا قد دنا عذابها) أنت لا يمكن أن تقولي عنها إنها كانت سياسة دولة.. هذا شباب متحمس شاعر أن له معركة مع الاستعمار قال هذا الكلام.. وكل شعوب العالم الثالث في مرحلة التحرر لديها أناشيدها الوطنية والثورية.. الاستشهاد بهذا الأمر غير صحيح.. والحكومة هذه أنا أعرفها حق المعرفة، أولاً هي منذ أن قامت لم ترد أن تستعدي أحداً أو تستهدف أحداً.. منذ أن قامت، الدكتور “حسن الترابي”، وهو شخصية أساسية وراء النظام، قام بالسفر إلى أمريكا والتقى الكونغرس في جلسة استماع وحاول أن يشرح لهم أننا ليس لدينا موقف مسبق مع أمريكا لأننا تاريخياً ليست لدينا مشكلة مع أمريكا.. بريطانيا استعمرتنا، من الممكن أن تكون هناك مرارات تجاهها، لكن أمريكا ليس لدينا شيء معها.