تقارير

الحكومة والمعارضة.. سياسيون خارج سياق التغيير!!

لا يختلف الناس في أن التطورات السياسية والاقتصادية الأخيرة التي تمخضت عن انفصال الجنوب، وتمثلت في توتر العلاقة بين حكومتي شمال وجنوب السودان؛ بسبب المواجهات المسلحة بين البلدين في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب إغلاق أنبوب نفط الجنوب، وتوقف التجارة على جانب الحدود، قد أفرزت هذه الأشياء واقعاً جديداً في الساحة السياسية والاقتصادية في السودان، لكن بالمقابل قد يختلف المراقبون والقوى السياسية التي أصبحت تلعب دوراً كبيراً الآن، فيما يدور من حراك في توصيف الحالة السياسية السودانية الآنية هذه.
 المعارضة من ناحيتها اعتبرت ما يحدث على المستويين السياسي والاقتصادي بداية لاندلاع ثورة شعبية، بعد أن توفرت لها الأسباب الموضوعية، أو كما اعتقدت وذهبت أكثر من ذلك، حينما قررت في اجتماع سابق، عقدته بدار الوطني الاتحادي في 26 يونيو 2012م الماضي، التوقيع على وثيقتي البديل الديمقراطي والإعلان الدستوري، وحدّدت فيهما الفترة الانتقالية بثلاث سنوات، ودعت إلى قيام مجلس للسيادة وآخر للوزراء، إضافة إلى المجلس التشريعي. وقالت: هذان المقترحان قدمتهما لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية التي تعقب تغيير النظام، لكن – كما هو معلوم – أرجأت هذه القوى التوقيع على الوثيقة في اجتماعها الأول الذي التأم وانفض دون أن يتم الاتفاق عليها، إلى أن تمكنت في اجتماعها الأخير التوقيع على الوثيقة، واتفقت فيه المعارضة على تغيير الدستور، وتكوين حكومة انتقالية لمدة عامين، إلا أن ما يراه الناس في الواقع، وتعكسه اللقاءات الراتبة لهذه القوى، لا يعبر عن هذه الروح، لا من حيث التنظيم، ولا التخطيط للمرحلة القادمة، ولا من حيث عملية التكتيك التي تنشغل بها الأحزاب المعارضة.
} في جانب السلطة، اعتبرت القيادات المسؤولة في الحكومة ما يدور من تفاعلات سياسية وضغوط اقتصادية أمراً عادياً، والشعب قادر على تحمُّلها. وما تقوم بالتظاهرات مجموعات معزولة لا تستطيع تغيير النظام. وهناك من قال إن جهات خارجية هي التي تدير ما يحدث من احتجاجات، مثل نائب الرئيس “الحاج آدم”، بينما أكد النائب الأول للرئيس بأنهم تجاوزوا الهيكلة، وتراجع الهلع بشأن السلع. ومسؤولون آخرون اتهموا بعض الفضائيات بتضخيم ما يحدث في السودان لشيء في نفس يعقوب. ومضوا ينفذون في حزمتهم الإصلاحية، لكن التقليص الحكومي للوزارات، واختيار المسؤولين جاء مخيباً للآمال، ولم يكن بحجم الإعلان والتوقع، حيث تمت الإطاحة بالتكنوقرط لصالح النافذين، وعاد الحرس القديم إلى موقعه.. والأهم من ذلك أن الحزب الحاكم يبدو أنه واجه مقاومة من منسوبيه في سياق ما يسمى بصراع القوى؛ ولهذا السبب اضطر للإبقاء على وزارة الطاقة ووزارة المعادن، رغم تشابه الاختصاصات، وكانت الكهرباء من نصيب “أسامة عبد الله” مع أن وزيرها السابق من المختصين في هذا المجال، هذا بشأن واقع المعارضة والحكومة.
} هناك قوى ثالثة تفكر بعيداً عن أشواق وأماني القوى السياسية (حكومة ومعارضة) لا تريد استمرار الأوضاع السياسية على هذا النهج، وكذلك لا تفكر في المعارضة كبديل، قد تكون لأسباب تتعلق بتاريخ تجربتها، ونظرتها للمستقبل السياسي، أو عدم اتفاقها على منهج محدد، والآن هذه القوى تفكر بعيداً عن هذه الأحزاب.
}على ضوء هذا المشهد المعقد الذي تتباعد فيه الرؤى بين القوى الفاعلة في الساحة الآن ما يصدر من تصريحات، دعونا نسأل بعيداً عمّا تقوله الحكومة، وتخطط له المعارضة، عن حجم ما يدور الآن في السودان من أحداث، وهل فعلاً يعيش وضعاً استثنائياً يمكن أن يفضي لثورة شعبية أم أن الأحزاب المعارضة تعبر عن أمانٍ وإسقاطات داخلية، وتحاول عبر بعض الفضائيات صناعة ثورة لم تتبلور ملامحها بعد، وبالمقابل هل تعبر تصريحات كبار المسؤولين عن واقع ما يحدث، وما نُفِّذ من إصلاحات، ويقال من إفادات، قادر على امتصاص الغضبة الشعبية في بلدهم أم أنها تعكس أماني وإسقاطات الداخلية، لا علاقة لها بالواقع، وأين موقع القوى الثالثة من هذا الحراك؟!..
 لتكوين صورة حقيقة تعبر عن المشهد الآني، طرحنا هذه الأسئلة على بعض المراقبين والمختصين.. علماء النفس وصفوا من ينطبق عليهم قول إنهم يعبرون عن أمانٍ إذا صح التوصيف بالذين يعبرون عن إسقاطات داخلية، أما القران الكريم فقد استخدم كلمة (أماني) (ليس بأمانيهم)، وبالضرورة معلوم أن كلمة (أماني) استخدمت في القرآن للتعبير عن أشياء سالبة.
دكتور “عبد الطيف البوني” حينما طرحنا عليه هذه الأسئلة عبر الهاتف لم يبتعد كثيراً عن الرؤى العلمية والتأصيلية، حيث أكد أن الحكومة والمعارضة تحبان سماع ما تتمنيانه، ووصف هذا الأمر بالخلل النفسي؛ لأن كل طرف يحاول قراءة الواقع من زاوية أمانيه. وقطع بعدم وجود قراءة موضوعية للأحداث التي تدور الآن من الجانبين، وسمى ما يصدر من الحكومة والمعارضة من قراءات، بالقراءة (الرغائبية)..
أما الدكتور “خالد التجاني” رئيس تحرير صحيفة إيلاف، فقد أكد لـ(المجهر) عبر الهاتف أن ما يحدث الآن أكبر من الطرفين (الحكومة والمعارضة)، وما نشهده في الساحة أن كل طرف يحاول تجيير الأمر لصالحه. وأكد أن من ينفي حدوث تغيير واهم، ومن يحاول تجييره لصالحه سيكون أكثر وهماً.
وحول توصيف الحالة بدقة هل هي ثورة أم احتجاجات روتينية، قال “البوني” ما يحدث لا يمكن وصفه بالثورة الشعبية، وكذلك ليس هو بالأمر الذي يمكن استسهاله وتجاهله، لأنه بذرة لثورة لا يستطيع أحد التكُّهن بأنها ستنتهي باقتلاع النظام، أم بإجراء الإصلاحات اللازمة.
 وفي السياق، جزم “خالد التجاني” بأن التغيير آتٍ لا محالة، وقال إنه سنة تاريخية، وقدر إلهي، وهناك دورة تغيير مقبلة. وربط هذه الدورة بانتفاضة 1964م، ثم تكرارها في 1985م، أي بعد 21 عاماً، والآن بعد 23 عاماً أصبحت تتبلور ملامح تغيير جديد. وأشار إلى أن الثورات والانتفاضات لا تصنعها المعارضة من عدم، ولا تستطيع الحكومة منعها، إنما هناك أسباب موضوعية لابد من توفرها. ومضى خالد في حديثه قائلاً: لا يمكن أن يتصوّر الناس ما يشهده السودان من فشل سياسي من الجانبين (الحكومة والمعارضة)، وفشل اقتصادي، ولا يمكن لدولة كانت موحدة تنقسم. ويتحدث القائمون على أمرها بأن الأمور عادية. واعتبر من يقولون ذلك بأنهم خارج سياق التغيير، ولاسيما أن نماذج التغيير أصيلة في السودان. وبحسب “خالد”، فإن نظام الإنقاذ استنفد أغراضه في السلطة، ووصل به الأمر إلى درجة تناسى فيها هذا العام الاحتفال بثورته في 30 يونيو عمداً، وهذه كانت بمثابة شهادة وفاة لمشروعه السياسي، أو هكذا قال. ونوّه إلى أن القوى الصاعدة تمثل الآن الطريق الثالث في السودان ولا تنتمي لحزب سياسي، وهؤلاء لا يريدون الارتهان إلى جيل أثبت فشله. وأضاف بأن من يكون طرفاً في عملية التغيير ستكون الفرصة متاحة أمامه، ومن يبتعد سيصبح الضحية.
في الوقت ذاته، كان هناك من يرون إمكانية استمرار الأوضاع هكذا إذا بادرت الحكومة بإجراء إصلاحات جوهرية، تتمثل في استئصال الفساد، وتقديم الذين تم تورطهم من منسوبيها إلى محاكمة تتم على مرأى من الناس.
} أغلب المواطنين حتى الآن يبدو أنهم لم ينحازوا إلى طرف، وإذا تم ذلك سترجح الكفة التي ينحازون إليها، فهل تستطيع القوى الثالثة هذه إحداث تغيير كما يجزم البعض أم ستستمر حالة الصراع هكذا؟!..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية