عندما تحل تعليقات (الواتس آب) محل البارود في ضرب جبهات العدو
حرب الحالات الباردة
المجهر- ميعاد مبارك
بعد أن اختلفت “سارة”مع زوجها، وانتهى بهما الأمر إلى الطلاق، غيرت حالتها في “الواتس آب”، من (مشغول) إلى: (مؤلم أن تكتشف بعد صبر طويل، أنك كنت تسقي وروداً ذبلت، منذ زمن طويل)..
فغير زوجها السابق حالته، من (في العمل) إلى: (نحن لا نستطيع إحياء ورود قد ماتت، لكن بوسعنا زرع ورود أجمل)! وهكذا توالت حرب الحالات الباردة بين “سارة” وزوجها، كل ينكل بالآخر، دون تضمين لأسماء، وعبارات مباشرة. وبالتأكيد دون أي دليل يثبت الإدانة في حالة المواجهة.. وقد يستمر الحال على ما هو عليه، حتى تعلن هدنة خفية أو يستسلم أحد الطرفين، معلناً انتصار الآخر… (المجهر) سألت عدداً من مستخدمي تطبيق “واتس آب”، وخبراء علم الإجتماع، عن رأيهم في هذه الظاهرة، التي أصبحت إحدى المتلازمات اليومية لمجتمعاتنا المعاصرة، التي يشغل العالم الافتراضي، حيزاً يوازي الواقع وينافسه… فإلى التفاصيل
حالة الواتس آب
المعروف أن الغرض من”الحالة” في تطبيق “الواتس آب”، هي تسهيل عملية التواصل، عبر توضيح مدى إنشغال أو تفرغ الطرف الثاني في عملية الاتصال، وقد قدم التطبيق عدة خيارات لـ”الحالة”، منها،(متوفر، مشغول، في العمل، في اجتماع، في النادي، نائم، المكالمات الطارئة فقط)، بالإضافة لإمكانية كتابة الحالة التي تناسبك، وهكذا يصبح بإمكان كل من يريد التواصل معك، أن يعرف إن كنت متاحاً للاتصال أم لا، إلا أن الكثيرين جنحوا لاستخدام حالة (الواتس آب)، للتعبير عن مشاعرهم الخاصة أو إيصال رسائل غير مباشرة لآخرين وإكمال بقية الأحاديث، أو الشجارات، التي حالت المواقف على أرض الواقع دون إكمالها، فتجد البعض اتخذ من ميدان (الواتس آب) الافتراضي، جبهة جديدة للتراشق بالحالات.
إلا في حالة الحب والعاطفة
ترى”أمل البدري”- موظفة – أن من حق أي شخص أن يكتب الحالة التي تناسبه، وأضافت: (إذا حاول شخص إفتعال مشاجرة معي، أو إكمال شجار عبر “الحالة”، ما بشتغل بيه إلا في حالة الحب والعاطفة. أما في أي حالة غيرها مثل المشاكل، فالموقف يقتضي أن تقفل الباب وتعمل ليه (بلوك)، وبعدها بطريقته يكتب العايزة)، وواصلت حديثها مستدركة: (ما حصل إتشاكلت بالحالات ولو عندي رأي بقولوا عديل). وأوضحت أنها قابلت العديد من الأشخاص من ذاك القبيل، وعللت سلوكهم قائلة: (ناس كتار ذي ديل، وهم أصلاً بكونوا إتشاكلوا مع بعض، وتموا الباقي بالصور والحالات.. وأعتبر هذا نوعاً من أنواع الجهل. ومسألة الناس تقعد كل شئ بيحصل في حياتهم، وكل الفي بالهم يكتبوه في حالتهم، دي مسألة ما جميلة. أها.. يعني شنو؟ أي غسيل شارينه!).
إيجابيات وسلبيات
أما “أريج أبو نخلة”، فكانت تجد أن في الأمر محاسن رغم مساوئه، قائلة: (هو حاجة كويسة.. عتاب بصورة غير مباشرة.. بس كمان ما حلوة في نفس الوقت.. بتخلى في جفاء بين الناس.. الزول الزعلان منه أمشي واجهه وحل مشكلتك معاه ،وكدا. لمن يرجع ليك بتكون علاقتك بيه أقوي). وأكملت موضحة وجهة نظرها: (في مواضيع ماممكن تكون فيها مباشر،لكن العيب في استخدام “حالة الواتس آب”، في جرد حسابك مع الأخر.. أنها تعرف الناس دائما بحالتك الإنت فيها، وهكذا لن تكون عندك مساحة لنفسك)، وتساءلت أريج: (يعني أنا زعلانة، الناس كلها عارفة انا بحب.. الناس عارفة، فشلت نجحت، مشوكشة.. وين خصوصيتي؟!).
توافقها الرأي”سارة عاصم” التي قالت: (هي كويسة.. في حالات بتعالج لي مشاكل.. وفي مواقف صعبة ما ممكن تكون فيها مباشر).
أغلق حساب “الواتس أب”
كانت لـ”ليمياء قوي” وجهة نظر قوية، وأظهرت شيئاً من الانفعال، قائلة: (دي حاجة سخيفة!)، وأضافت: (عندما أكون متضايقة أغلق حساب “الواتس”، لأنو عارفة لو فتحته رغما عني، من الممكن أن أكتب ما أحس به). وأضافت: (يمكن ان تنشر عبر حالتك في”الواتس”حالاتك العامة ومناسباتك البارزة، أو تشكر زول وسط الجميع، عشان توريه مقامه أو تحكي موقف مر بيك، يكون فيه عظة للآخرين. غير كدا كونك تتكلم عن الخيانة والاستياء، أو تكتب حالة “موجهة”.. فهو أمر غير لائق).
حساس جداً!!
ولم يكن رأي الجنس الآخر بعيداً عن ما قالته “حواء”، لو جنح “آدم” للشدة في وصف الأمر؛ حيث يرى”وائل عمر”- موظف – أن أسوأ ما في الأمر، هو عدم المصداقية والجبن وعدم المواجهة.. ولكنه أستدرك موضحاً أن للأمر وجهاً آخر، وقال: (من المحتمل أن يكون الشخص حساس جداً، ولا يقدر على جرح إنسان آخر بطريقة غير مباشرة!).
رأي علم الإجتماع…
كان لابد من وضع الملف في طاولة “علم الاجتماع”، موجهين السؤال للاختصاصية الاجتماعية، “شادية زكريا” التي إعتبرت أن ارسال رسائل غير مباشرة، عبر حالة “الواتس آب” هو إمتداد لما يسمى بـ”لتواصل غير اللفظي”، والذي عرفته قائلة: (هو رسائل التواصل الموجودة في الكون الذي نعيشه، ونتلقاها عبر حواسنا الخمس، ويتم تداولها عبر قنوات متعددة، وتشمل كل الرسائل التواصلية، حتى تلك التي تتداخل مع اللغة اللفظية، والتي تتجلى عبر سلوك العين، وتعبيرات الوجه، والإيماءات، وحركات الجسد، وغيرها)، وأضافت: (التواصل غير الكلامي يشكل حوالي ثلثي كمية التواصل بين شخصين، أو بين شخص ومجموعة أشخاص. واستخدام حالة “الواتس آب” لهذه أغراض يعتبر امتداداً طبيعياً للتواصل غير اللفظي، بالذات مع معطيات مجتمعاتنا المعاصرة، التي تمنح وسائل التواصل الإجتماعي بعوالمها الافتراضية، حيزاً واهتماماً واسعاً، حيث يستطيع الشخص التعبير عن ما يشعر به عبر حالة (الواتس آب)، حيث يستطيع التنصل من التبعات، وردود الأفعال، تجاه الأمر فيما بعد، طالما أنه لم يوجه الكلام لشخص بعينه)، وأوضحت الأستاذة “شادية”أن خطورة عدم المباشرة، إذا أصبحت شائعة كونها قد تقود المجتمع نحو عدم الإجتهاد والتفكير في حلحلة الأمور، بصورة مباشرة، والذي قد يؤدي إلى إصابة المجتمع بالتبلد العاطفي والكسل الاجتماعي).