شهادتي لله

أخلاقيات الحرب

مثلما للمهن أخلاقيات وللمنافسة شرف.. وللصراعات السياسية قيم واضحة في الوجدان الجمعي للأمم والشعوب، فإن للحرب أخلاقيات وقوانين.. ولكن الآن في دارفور يتم خرق كل قيم الفضيلة من قبل المليشيات المسلحة التي (تعيش) في الأرض الفساد والخراب والدمار.. تمارس عصابات النهب، الخطف والقتل والنهب والسلب في أبشع تجليات الوحشية وغياب الضمير.
وبالأمس كان حدث اختطاف عددٍ من المطربين.. دفعهم حب وطنهم دارفور.. وإحساسهم بالمسؤولية نحو المواطنين، “عمر إحساس” في القرى والمدن.. ويمسح “وليد زاكي الدين” أحزان أهل منطقة سالت دموعهم كثيراً.. وتطرز المطربة “شموس” مناديل الفرح في عيون العذارى.. ولو كان هؤلاء المطربون يبحثون عن المال، فالمال في حفلات الخرطوم الليلية ومجتمعاتها المخملية، ولو كانوا يلهثون وراء الدولار والريال لخرجوا بفنهم إلى حيث الجاليات السودانية المنتشرة في بقاع أرض الله الواسعة، ولكنهم اختاروا وطنهم دارفور لتوطين السلام الاجتماعي من خلال الفن.. والطرب.. ونثر الفرح وسط مجتمعات طال حزنها.
حركات التمرد في دارفور تقتل على أساس الهوية وتنهب حيث وجدت المال.. وتسلب المواطنين حتى أجهزة الهواتف الذكية والغبية معاً، ولا يردعها وازع أخلاقي ولا يضبطها قائد ميداني له (كاريزما) ورؤية لإدارة الحرب وشرف المنافسة، وقد كان “جون قرنق” منذ بداية الحرب في 1983م، وحتى توقيع اتفاقية السلام يرفض الإساءة للأسرى، ولا تتعدى الحركة حينذاك على حرمات الناس.. لا تخطف ولا تروع المدنيين، كما تفعل المليشيات الآن بدارفور.. والأمانة تقتضي أن نذكر انضباط حركة العدل والمساواة.. وهي تحارب حتى مقتل قائدها د.”خليل إبراهيم” لم يسجل لها (خرق) للأعراف وتقاليد وقوانين الحرب، ما كانت حركة العدل والمساواة تنهب ممتلكات المواطنين ولا تخطف سيارات الأهالي.. ولكن بقية حركات دارفور تفعل كل شيء.. تقتل.. وتنهب وتسلب. ومنذ معركة النخارة الشهيرة انتهت حركة العدل والمساواة في دارفور.. واختار “مني أركو مناوي” القتال إلى صف بعض أطراف الصراع في ليبيا، وبذلك شغلته المغانم عن ما يجري في دارفور.. وتكفلت القوات المسلحة هذه الأيام بما تبقى من حركة “عبد الواحد” في جبل مرة.. ولكن ما يحدث في المدن والقرى من اختطاف ونهب وسلب، هو الأثر المباشر للحرب حيث أصبحت الحركات المسلحة لا تخوض حرب مواجهة مع القوات المسلحة ولا تستطيع أن تواجه فصيلة من الجيش.. ولكنها أي الحركات المسلحة (خلقت) مناخ فوضى عام في ولايات دارفور.. وهذه الفوضى يتضرر منها المواطنون أكثر من ضررهم من الحرب المباشرة.. واختطاف المطربين في شرق دارفور هو حدث (يومي) يتذوق مرارته أهالي دارفور لأن الذين يخطفون وتسلب حقوقهم وتنهب ممتلكاتهم (لابواكي) عليهم ولا يعرفهم الإعلام ولا يذكرهم الساسة.. ومثلما ندين سلوك تلك الجماعات (المنفلتة) نذكر أن هناك متمردين آخرين يتميزون عن تمرد دارفور بالانضباط والرؤية السياسية للمستقبل لا يعتدون على السيارات المدنية.. ولا يخطفون المواطنين.. فالحركة الشعبية قطاع الشمال تستطيع أن تنهب كل يوم عشرات السيارات على طريق كادقلي الدلنج، ولكنها لا تفعل ذلك وبيدها قتل المدنيين ونهب ممتلكاتهم، ولكنها أيضاً لا تفعل ذلك لأنها حركة لها قيادتها السياسية والعسكرية.. وكثيراً ما أعادت بعض السيارات التي يستولى عليها منسوبوها إذا كانت تلك السيارات لمواطنين مدنيين.. فلماذا لا تتعلم حركات دارفور أخلاقيات الحرب وشرف الخصومة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية