الجزر المعزولة
أشعر مرات أن من إشكالية الجزر المعزولة حيث تقف كل مؤسسة نقيضة للأخرى أو ترتكز عكسها؛ مشكلة هذه الظاهرة أنها قديمة، وقد حرر الأستاذ الكبير “أحمد محمد شاموق” مقالاً شهيراً بهذا المعنى في أول الألفية على أيام صحيفة (الأنباء) والدار الوطنية يمكن الرجوع إليه في الأرشيف؛ ولهذا فإني أعتقد أن ظاهرة تقاطع وجهات النظر حول قرار أو موقف ما ظاهرة قديمة أخطر ما فيها أنها لم تبحث المفضي بها نحو معالجة، وهذا مؤشر كبير السلبية بلا شك.
أقرب الأمثلة أمامنا تقف الآن حول قرار رفع أسعار غاز الطهي؛ حتماً فلوزارة المالية أسبابها، وقطعاً فإن الوزير لم يتناول إفطاره ثم رشف جرعة من الشاي واستدعى كاتبه ليحرر قرار الزيادة، بل على العكس، أعتقد أنه راجع جهات كثيرة اقتصادية وغير اقتصادية وتدرج الأمر بين تكنوقراط مستشاريه وخاصة حزبه بالقطاع أو الدائرة المعنية بالأمر حزبياً، وحتماً بل ومؤكد أن “بدر الدين محمود” راجع مقامات عليا بالدولة والحزب من نائب الرئيس الممسك حسب ما نرى من نشاطه بالملف الاقتصادي وبالضرورة تدرج الأمر للنائب الأول والرئيس وقبلهما وزراء القطاع الاقتصادي الذين ظهر بعضهم في إسناد تصريحات رفع أسعار الغاز.
لهذا وحينما راجت تسريبات بأن رئاسة الجمهورية ترفض توجهات المالية وأن البرلمان كذلك محتج ورافض لم أعر تلك التسريبات اهتماماً، فالأمر ليس منشوراً إداريا داخلياً خاص بوزارة المالية وليس أمر نقل لموظف ليكون شأناً في مقام أدنى لكنه قرار كبير لا يعقل أو يظن أنه اتخذ (كتامي)، ثم فوجئ به القادة ورئيس البلاد؛ هذا احتمال لا يمكن التعويل على إمكانية حدوثه مهما كانت ثقة “بدر الدين محمود” في موضوعية دفوعاته وحجيتها لأنه ملزم بأخذ موافقة عليها بالضرورة، من أشخاص ومؤسسات.
الجزيرة المعزولة أو التي عزلت نفسها كانت البرلمان، وتحديداً كتلة نواب المؤتمر الوطني، وليس رئيس البرلمان؛ الذي وإن كان يمثل ويصنف حزبياً كمؤتمر وطني فإنه في موقعه ذاك رئيس لكل النواب والكتل؛ نواب الوطني وقياساً على تمرحل شورى القرار كان يلزمهم الإعلام والمعرفة؛ وأثق أن بعضهم أو أحدهم علم لأن تلك المشاورات جرت قطعاً في داخل حزبهم.
القول إن نواب الوطني وهم أغلبية سمعوا بأمر أسعار الغاز مثل كرام المواطنين يدينهم قبل أن يحرر لهم شهادة براءة، لذا فإن الحرج الذي طال المجلس النيابي يبقى مسؤوليتهم ولا لوم لرئيس المجلس أو النواب في الكتل الأخرى أو من يمثل تحت لافتة المستقل، وكان يمكن بذات الدفوعات التي تراها رئاسة الجمهورية ووزارة المالية التواصي على موقف موضوعي يقترح على الأقل معالجة ما بشأن وفورات الدعم المخصص للدعم وأين تصرف، ولمن تمنح، وكيف من خلال الوزارات المعنية، وهو الموقف الذي عبر عنه البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” وكان يمكن الدفع به مع ظهور المشكل دون الحاجة لجر المجلس لمواجهة خسرها بالتأكيد.
كما قلت من قبل لا يمكن التصديق بأن هناك حكومة ترغب في إصدار واتخاذ أشياء تساهم في إثارة الرأي العام.. للحكومة وحزبها الحاكم وعي ودربة كافية وكفاءات مؤهلة وبالضرورة فإن أي أمر يتخذ يحتوي فوائد ومصالح حسب محور الموضوع، لكن الأزمة الدائمة عندنا أن هناك مشكلة في التنسيق والتقارب المؤدي لوحدة في الخطاب والتفاسير، فيقع الرأي العام وربما بعض المؤسسات تحت تأثيرات النقل بالعنعنة أو المعرفة عند الحاجة وبقدر الحاجة.