الصورة القاتمة
رسم الدكتور “عبد الله دينق نيال” القيادي السابق في المؤتمر الشعبي والوزير في دولتين (الشمال والجنوب السوداني) قبل أن يذهب بأمر “سلفاكير” إلى كرسي التدريس بالجامعات.. رسم صورة قاتمة جداً للأوضاع في دولة جنوب السودان ومستقبلها في ظل ما تعانيه الآن من جروح غائرة في الجسد الجنوبي جراء الحرب التي اندلعت بين قادتها “سلفاكير” و”رياك مشار” والظلال العرقية التي لونت تلك الحرب وصبغتها بلون صراع بين “الدينكا” و”النوير”.. وكشف الدكتور “عبد الله دينق” معلومات عن أحداث قتل بشعة جداً شهدها الجنوب وصمت العالم عنها، وهي فظاعات لم يشهدها الجنوب منذ اندلاع أول حرب أهلية بين الجنوب والشمال عام 1955م وحتى يوم اختيار الجنوبيين للانفصال عن الدولة الأم.. وروى القيادي الجنوبي “نيال” وهو يتحدث (السبت) الماضي في المنبر الأسبوعي لصالون اللواء “عبد الله صافي النور” بضاحية “الصفا” شرق الخرطوم قصة التدخل اليوغندي الذي أنقذ جوبا من مجزرة كانت على وشك أن تقع بعد بدء هجوم أعد له “النوير” أكثر من (170) ألفاً من المقاتلين بعضهم يحمل العصي والحراب والفؤوس زاحفين نحو مدينة جوبا للانتقام من “الدينكا” الذين قتلوا “النوير” على أساس الهوية في أبشع حوادث تطهير عرقي، وبعد وصول تلك المليشيات التي تسمى بالجيش الأبيض على بعد (45) كلم من المدينة تدخلت القوات اليوغندية وسحقت الدبابات “النوير” بصورة بشعة لم تحدث في التاريخ.
ومضى “عبد الله دينق نيال” يروي قصصاً مفجعة ينفطر لها القلب السوي، ويقول إن شهود عيان ذكروا أن الدبابات اليوغندية (هرست) عظام ولحوم البشر حتى توحلت في أجساد الموتى.. تلك صورة لم يشهدها العالم من قبل.
و”عبد الله دينق نيال” من “دينكا بور” الذين يعدّون أنفسهم سادة قبيلة “الدينكا” في الجنوب ولهم إرث في حكم الجنوب وتقاليد في المحافظة على السلطة منذ عهد “أبيل ألير” رئيس المجلس التنفيذي العالي لجنوب السودان، ود.”جون قرنق”، لكن الآن انتقلت السلطة إلى “دينكا بحر الغزال”، ولم تأخذ “عبد الله دينق” حمية لقبيلته وعشيرته، بل كان أميناً جداً في أطروحته.. أدان “الدينكا” قبل “النوير”، حيث ذكر أن الحرب بدأت من وسط الحرس الجمهوري الخاص بحماية “سلفاكير”، وتوقع “عبد الله دينق نيال” أن تفشل اتفاقية السلام التي وقعت بسبب الكراهية الشديدة بين أطرافها، ولتعثر وصول الحرس الخاص بـ”رياك مشار” إلى جوبا، ومحاولات الالتفاف على الاتفاقية من كل الأطراف، حيث تم الاتفاق على تقاسم السلطة بين “سلفاكير” و”مشار” ومجموعة السياسيين المعتقلين بقيادة “فاقان أموم”.. وعن أسباب رفض الرئيس “سلفاكير” تعيين “دينق ألور” وزيراً للخارجية يقول إن هناك أسباباً أخرى غير التي ذكرها “سلفاكير” بأن تعيين “دينق ألور” قد يؤدي لتعكير مناخ العلاقات مع دولة السودان، وأن أبناء منطقة أبيي يتم الآن إقصاؤهم من السلطة في الجنوب لأسباب انتمائهم للشمال.
إذا كانت الأوضاع في دولة الجنوب بهذا السوء وتم تصنيف الدولة بالفاشلة، فإن هذا الفشل سيدفع السودان ثمنه أكثر من أية دولة أخرى بسبب التداخل الإثني والثقافي والهجرة للشمال وفوضى الحدود، حيث تنشط الحركات المتمردة على الدولتين في تلك المنطقة، وإذا كان السودان اليوم عاجزاً عن السيطرة على الحدود فالجنوب أعجز منه.. وبعض النخب التي دوافعها النظرة الانتقامية والتشفي تبتهج لرؤية الجنوب ممزقاً فاشلاً في إدارة شؤون نفسه.. لكن أمن واستقرار دولة جنوب السودان هو أمن واستقرار شمال السودان، وحسناً فعل الرئيس “البشير” وهو يعيد النظر في اتفاقية رسوم عبور النفط الجنوبي بعد تدني أسعار البترول عالمياً لأن توقف تصدير النفط (سيقتل) دولة الجنوب ولن يكون الشمال بمنجاة عن آثار ذلك الموت المفجع للشعب في الدولتين.