سفيرة أوغندا بالخرطوم "بيتي أكيج أوكولو" في كرسي (المجهر) الساخن
السمة البارزة للعلاقات بين الخرطوم وكمبالا تاريخياً وحتى الآن، هي الريبة والشك وعدم الثقة بالآخر وتبادل الاتهامات, وليس آخرها ما اتهمت به الأولى الثانية بمشاركة جنود لها بجانب جيش جنوب السودان خلال احتلالها لمنطقة هجليج مؤخراً. كما أن هنالك انطباعاً عاماً بأن أوغندا لا تقف في مسافة واحدة بين السودان وجنوب السودان منذ أن قدمت دعماً للحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة المرحوم “جون قرنق”، وجعلت منها حركة قوية نجحت في فصل الجنوب عن الشمال. وبالمقابل تقول كمبالا إن الخرطوم تدعم وحتى الآن مقاتلي جيش الرب الذين ينشطون في شمال أوغندا لأكثر من ربع قرن. ولمحاولة معرفة كيف تفكر أوغندا وكيف تنظر إلى الخرطوم جلسنا إلى سفيرة أوغندا بالخرطوم “بيتي أكيج أوكولو” خلال الحوار التالي.
{ هنالك شعور عام وسط المواطنين السودانيين والمسؤولين الحكوميين على حد سواء بأن حكومة أوغندا تناصب الخرطوم العداء.. وأنها لا تقف على مسافة واحدة بين الخرطوم وجوبا.. هنالك اعتقاد أن كمبالا تدعم جوبا على حساب الخرطوم.. ما هو تعليقك؟
– اعتقد أن هذا طبيعي جداً, لأننا وببساطة نحن الأقرب إلى جوبا من الخرطوم.. نحن لدينا حدود مشتركة مع جوبا, وبالتالي لدينا أنشطة كثيرة تجارية وغيرها مع جنوب السودان.. كما أن لدينا قضايا أمنية مشتركة وكبيرة وتشاركنا في ذلك حكومتا دولتي جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى، ونحن نشترك جميعاً في مقاتلة محاربي جيش الرب.. وطبعاً نحن الأقرب إلى جوبا بحقيقة أن هنالك تشابهاً إثنياً كبيراً, فقبائل الأشولي وغيرها تعدّ من القبائل المشتركة في الحدود. وهذا لا يعني أننا لا نتعامل مع الخرطوم باعتبار أنها ليست جارة لنا, بل العكس، نحن نحتاج إلى تطوير علاقاتنا القديمة والممتدة بعد انفصال الجنوب.. وأقول أكثر من ذلك، إننا بحاجة إلى تطوير علاقاتنا الأمنية والعسكرية وغيرها من القضايا التي تهم البلدين. وخلاصة القول إننا لا نعادي السودان، ونريد أن نعيش مثل الإخوة والأخوات في القارة الأفريقية.
{ ولكن هنالك كثيراً من تصريحات المسؤولين الحكوميين تقول إنكم تدعمون جوبا ضد الخرطوم.. وعلى سبيل المثال فإن قائد القوة التي قادت العمليات العسكرية في منطقة هجليج قال إنهم وجدوا جنوداً من أوغندا يقاتلون إلى جانب مقاتلي الجيش الشعبي.. كما أن وزير الدفاع في حكومتكم قد قال صراحة إنكم ستتدخلون عسكرياً في الصراع الدائر بين السودان وجنوب السودان لصالح جوبا؟
– هذا ليس صحيحاً، لأنه لو كان كذلك لتم القبض على الجنود الأوغنديين ونشر صورهم في وسائل الإعلام ليراها الناس, كما حدث مع الأسرى من جنوب السودان.. واعتقد أن كثيراً من المواضيع تشوبها الفبركات والاختلاقات لاختلاق المشكلات بين البلدين.. وأوغندا ليست لديها الرغبة ولا المصلحة للقتال في هجليج.. نحن مشغولون بقتال مقاتلي جيش الرب في شمال أوغندا، ولدينا مقاتلون في الصومال، فما الفائدة التي سنجنيها من فتح جبهة جديدة في هجليج؟ وأقول ليست لدينا أية رغبة في فتح جبهات جديدة. لهذا فإن مثل هذه التصريحات الاتهامية يجب أن تُدعم بالحقائق والأدلة ولا تُطلق هكذا.
{ ما قلتِه آنفاً كان بخصوص اتهامات المسؤولين السودانيين ولكن ماذا بخصوص تصريح وزير دفاعكم الذي أكد أن أوغندا ستتدخل عسكرياً لصالح جوبا في صراعها المسلح مع الخرطوم؟
– نعم, لقد حاولنا توضيح هذا التصريح, وقلنا إن وزير الدفاع كان يعني في تصريحه أننا سنقوم بتعقب مقاتلي جيش الرب داخل الأراضي السودانية, وصراحة بدأ انتشارهم يكبر في السودان وجنوب السودان. وقلنا إن الصراع إذا ازداد وانتشر بين الخرطوم وجوبا فهذا من شأنه أن يؤثر على المنطقة, وبالتالي فإن مقاتلي جيش الرب سيجدون تربة خصبة للتحرك في ظل هذا الصراع.. وقلنا إننا سنتدخل عسكرياً إذا لزم الأمر لمقاتلة جنود “كوني” وليس لمقاتلة الجيش السوداني.
{ قامت وزارة الخارجية السودانية باستدعائك مرتين.. الأولى عند تصريحات منسوبة للرئيس “يوري موسفيني” يعد فيها بدعم متمردي دارفور.. والثانية عند تصريحات وزير دفاعكم الأخير أثناء أحداث هجليج.. ألا يشي ذلك بأن العلاقات بينكما سيئة جداً؟
– نعم تم استدعائي من قبل وزارة الخارجية السودانية عدة مرات, لتوضيح بعض الحقائق والأمور التي تثار بين الحين والآخر، وعادة أقوم بتوضيح بعض الحقائق.. ولكن، كما قلت آنفاً، فإن معظم هذه الأشياء تقوم على الاختلاقات والفبركات, وليست حقائق، وتفتقر إلى الدليل.. واعتقد أنه من الأفضل للدولتين أن تبنيا علاقة قائمة على الثقة بالنفس أولاً, والثقة بالآخر؛ لأن الخرطوم لديها ريبة وشك كبيرين في نوايا أوغندا، وأوغندا أيضاً لديها ريبة وشك كبيرين في نوايا الخرطوم.. ونحن في حاجة ملحة إلى أن تلتقي الأجهزة الأمنية المعنية بشكل مباشر وتناقش هذه القضايا بصراحة شديدة.
{ تقولين إن حديث المسؤولين الحكوميين حول استضافتكم ودعمكم للمتمردين في دارفور وقادة الحركة الشعبية قطاع الشمال مجرد فبركات وادعاءات مع أن الجميع يعلم أن كمبالا استضافت وما زالت تستضيف الكثير من الاجتماعات لقادة هذه الحركات الذين أعلنوا صراحة عن رغبتهم في إسقاط نظام الحكم بالوسائل المتاحة كافة بما فيها استعمال القوة؟
– نعم, أنا أصر على أنها مجرد فبركات.. لأن أوغندا كدولة بها حرية رأي وتعبير, وباعتبار أن كمبالا درجت على استضافة الكثير من المؤتمرات والاجتماعات سواء من القارة الأفريقية أو غيرها. لذا فإن كثيراً من القادة يجدون في كمبالا مقراً للحديث بحرية, ومنهم قادة من السودان وغيرهم, ولم يقل لنا أحد إن هؤلاء الناس يشكلون خطراً على بلدانهم أو أشخاصاً غير مرغوب فيهم. والحكومة السودانية يجب أن تخبر أوغندا صراحة بأن هؤلاء الناس يشكلون خطراً عليها, وأن مثل هذه الاجتماعات تؤثر على الحكومة في الخرطوم.
{ لكن الخرطوم وحسب ما رشح في وسائل الإعلام قد طلبت من كمبالا ولأكثر من مرة أن تتوقف عن دعم واستضافة قادة الحركات المسلحة والحركة الشعبية– شمال السودان؟
– كما قلت لك إن حكومتنا لم تتلق شكوى رسمية من الحكومة السودانية بخصوص استضافة أو دعم متمردين. وواقعياً في الوقت الحالي أصبحت أوغندا بعيدة عن السودان ولا تجاوره كما كان قبل انفصال الجنوب عن الشمال. وطبقاً لنظام الأمم المتحدة فإن اللاجئين المتأثرين من الحروب يجب ألا يكونوا في المناطق الحدودية للمناطق التي جاءوا منها, لذا فإننا نشاهد عدداً كبيراً من اللاجئين المتأثرين من الصراع بين الخرطوم وجوبا ومن بينهم قادة هذه الحركات يفضلون الذهاب إلى الحدود الأوغندية, ولم تقل لنا الحكومة السودانية إنها تريدهم أو لا تستقبلوهم. وبالتالي فإننا لم نقم بطرد هؤلاء القادة أو اتخاذ أي إجراء بشأنهم لأننا لم نتلق اعتراضات من الخرطوم.
{ إذن فأنت تقولين إن الحكومة السودانية لم تسألكم أو تتحدث معكم بشكل رسمي بخصوص قادة الحركات المسلحة وقطاع الشمال المقيمين في أراضيكم؟
– إذا حدث ذلك بطريقة رسمية كانت ستتم اجتماعات رسمية وصريحة بين الأجهزة الأمنية في الخرطوم وكمبالا ومعهم جوبا لمناقشة هذه الخلافات على الطاولة.
{ لكن من الملاحظ أن أوغندا لم تقم بتقديم مقترحات أو مبادرات أو مجرد أفكار للمساعدة في حل الخلافات بين السودان وجنوب السودان وكأن ما يحدث بين البلدين أمر يسعدها.. أقول ذلك ونحن نرى مبادرات في هذا الصدد من قبل كينيا وأثيوبيا التي اقترحت مؤخراً قمة بين الرئيسين “عمر البشير” و”سلفا كير ميارديت”؟
– (قالت بانفعال): هذا ليس صحيحاً, ونحن تقدمنا بعدة مبادرات لوزارة الخارجية، ويمكننا أن نريك نسخة من إحدى هذه المبادرات، غير أننا لم نجد استجابة من الحكومة السودانية. وتقوم هذه المبادرة على دعمنا الكامل للمفاوضات التي تجرى في الوقت الحالي, كما أننا ندعم خارطة الطريق التي طرحها الاتحاد الأفريقي وقرار مجلس الأمن الأخير حول السودان وجنوب السودان، هذا فضلاً عن دعمنا لكل جهود السلام في السودان، ونحن موجودون ولدينا رغبة وجدية في مساعدة السودان. وكما قلت فإننا لم نجد تجاوباً من الحكومة السودانية حول مبادراتنا, وهذا لا يعني أننا لم نفعل شيئاً ونجلس في المؤخرة، بل إن وزير خارجيتنا قد صرح مؤخراً بأننا جاهزون لتقديم المساعدات متى ما طُلب منا خلال المفاوضات الجارية حالياً في أديس أبابا.
{ لكن وسائل الإعلام سواء في الخرطوم أو كمبالا لم تسجل أية مبادرة علنية في هذا الصدد ولم نر أي مسؤول أوغندي جاء إلى الخرطوم وقدم مبادرات في هذا الشأن كما يفعل مسؤولون من أثيوبيا وكينيا؟
– لا، المسؤولون في أوغندا طلبوا رسمياً خلال شهر أبريل الماضي أن يأتوا إلى الخرطوم ويتقدموا بمقترحاتهم, وليناقشوا القضايا التي تهم البلدين، ولكن الحكومة السودانية قالت إن هذا غير ممكن بسبب وضعية أوغندا.. كما أن التمثيل الدبلوماسي بيننا كبير فأنا هنا سفيرة في الخرطوم وللخرطوم سفير في كمبالا.. كما أن لدينا مبعوثاً رئاسياً معيناً بخصوص السودان، وكان يأتي إلى الخرطوم في أوقات متفاوتة. هذا بالإضافة إلى أن وفداً من برلمان بلادكم ذهب إلى كمبالا والتقوا بنظرائهم هنالك.
{ ………………..؟
اعتقد أن الحكومة السودانية بحاجة إلى أخذنا لما يريده الناس ومنافعهم من خلال المنظمات الإقليمية مثل الإيقاد والكوميسا وهيئة البحيرات العظمى, ونريد أن نرى السودان وجنوب السودان يحلان مشاكلهما عبر هذه المنظمات التي هي جزء منهما.
{ السؤال إذاً.. إلى أي شيء تعزين رفض الخرطوم لكل المبادارات والمقترحات التي تقدمها أوغندا لبحث المسائل الخلافية معها أو بينها وجوبا؟
– كما قلت آنفاً, هنالك حاجز كبير من عدم الثقة والريبة والشك بين البلدين، وما لم نقم بمناقشة هذه القضايا وبناء الثقة بيننا فإنها ستظل موجودة. ولأنه- في سياق آخر- العلاقات التاريخية بيننا لم تكن جيدة, حتى قبل أن ينفصل الجنوب، فهنالك اتهامات من الخرطوم لأوغندا بدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة “جون قرنق”، كما أننا نتهم الخرطوم بدعم مقاتلي جيش الرب بقيادة القس “جوزيف كوني”. ويجب علينا في الوقت الحالي أن نفكر في المستقبل ونترك الماضي خلفنا, وأول أمر في بناء المستقبل هو بناء الثقة.
{ على ذكر مقاتلي حركة جيش الرب.. ألا تعتقدين أن اتهام مسؤولين حكوميين في أوغندا للحكومة السودانية في الوقت الحالي بأنها تستضيف “جوزيف كوني” في أراضيها من شأنه أن يقوض أي تحرك لبناء الثقة؟
– مشكلة جيش الرب ليست مشكلة أوغندا وحدها, هنالك ثلاث دول أخرى متأثرة بهذه الحركة ومن بينها السودان. واعتقد أن السودان يجب أن يشارك في الجهود الدولية والإقليمية لمحاربة هذه الحركة الإرهابية، ونحن ممتنون للسودان لسماحه لنا بدخول أراضيه لتعقب هؤلاء المقاتلين. وأقول إنه لولا وجود دليل على وجود “كوني” في السودان لما أقدم المسؤولون على مثل هذا الاتهام، والمثل يقول (لا يوجد دخان من غير نار). لهذا فإنني أكرر القول، على المسؤولين في الدولتين الجلوس على الأرض ومناقشة التصريحات والاتهامات كافة.
{ أعتقد أن واحداً من تحفظات الخرطوم تجاه أوغندا هو موقفها من المحكمة الجنائية الدولية.. كمبالا كما هو معروف تساند المحكمة بشدة.. بل هي تستضيف مؤتمراتها وأنشطتها.. والخرطوم لا تعترف بالمحكمة التي تتهم رئيسها وكبير مسؤوليها بارتكاب جرائم في دارفور؟
– نعم, هذا صحيح, ولكن دعني أوضح لك أمراً، وهو أننا في أوغندا ملتزمون تماماً بقرارات الاتحاد الأفريقي التي ترفض التعامل مع الجنائية, ولا يمكننا العمل ضد قرارات المحكمة، ونحن لدينا قضية في نفس المحكمة ضد مقاتلي جيش الرب, واعتقد أن قضيتنا عادلة، لهذا فإننا نؤيد هذه المحكمة.
{ ستقام قمة الاتحاد الأفريقي هذا الأسبوع في أديس أبابا.. هل تقدمتم بمقترحات لعقد قمة بين البشير وموسفيني لمناقشة القضايا الخلافية بين البلدين؟
– نعم, هنالك مقترح من جانبنا في هذا الأمر, ولا ندري ما هو رد الحكومة السودانية.. ولكن من الجيد أن يلتقي رئيسا البلدين ويناقشا القضايا الخلافية بينهما بجدية تامة وبصراحة شديدة.