"وردي" .. روح ما زالت تنبض في دواخل الأجيال
لم يكن حال المسرح القومي أمس كحاله في الأيام الماضية، إذ ضاقت جنباته الرحبة عن احتواء الجماهير التي تقاطرت نحوه قبل أن يفتح أبوابه بحوالي أكثر من ساعة، قضاها الجمهور متسمراً أمام الأبواب، ولم يستطع كثيرون الولوج إلي جوفه إلا بشق الأنفس.. لمشاهدة انطلاقة مهرجان تأبين عملاق الأغنية السودانية “محمد عثمان وردي” الذي أُبتدِر أمس ويستمر حتى التاسع من يوليو الجاري، بحفل ختامي بقاعة الصداقة.
{ وردى الوطن..!
يوم أن أقيم في ذات المكان حفل الاحتفال بمرور خمسين عاماً (اليوبيل الذهبي) علي انطلاقة مسيرة وردي الغنائية، كان الحضور بذات الكثافة والنوعية، ما جعل أحد كبار السن عندما لم يجد مكاناً للجلوس يصرخ بصوت جهور قائلاً (يا وردي جننت الناس، منذ أن كنا صغار نستمع لك، واليوم كل الشباب جاءوا ليستمعون لك بذات الهوس الزمان).
وبعد سبعة أعوام من ذلك الحدث يرحل “وردي” عن الدنيا، ولكن في ليلة تخليد ذكراه وقف البروفيسور “علي شمو” أمس متحدثاً عنه وكأنه يقتبس من حديث ذلك الشيخ الذي أشرنا إليه آنفاً، قال “شمو”: (وردي لم يكن له مثيل، كان متفرداً في كل شيء).
وتفرُّد وردي جعل القائمين علي تنظيم التأبين يجعلون شعاره (وردى الوطن).. ووردي الوطن، لم تكن من وحي خيال أحد ولا واحدة من صيغ المبالغة المعروفة، ولكنه وطن ليس بحسابات الجغرافيا بل برمزية التفاف الشعب بكل مكوناته حوله.
{ الشعب يغني حتى الفجر
رغم التأخير الذي صاحب الافتتاح، إلاّ أن الحضور لم يبد عليه الضجر، وتسمر الجميع على المقاعد التي لم تكف لكل الحضور، وكثيرون منهم ظلوا وقوفاً حتى نهاية الحفل بعد الثانية عشرة ليلاً، وهم يرددون خلف الفنانين الذين شاركوا بأعمال الراحل، وفي مقدمتهم “عصام محمد نور” الذي غنى مع الجماهير أغنية (الوصية).. وأيضاً شاركت بالغناء الفنانة “آمال النور” بأغنية (وا أسفاي).. أعقبها الفنان “عثمان مصطفي” بـ (مشتاقين).
{ وخانتو ظروفو..!
وجاءت مشاركة الفنان “صديق أحمد” مُفاجِئة للحضور، خاصة وأنه بدا على غير عادته وهو في قمة الإعياء والإرهاق، يتكئ على عصاته، مسنوداً بيد أحد مرافقيه، ولكنه وفاءً لرجل أحبه كثيراً جاء ليقدم أغنية المرسال.. وشدا وخلفه الجميع:
(أمش قول ليهو يا المرسال عساه يراعي ملهوفو..
حبيبك بوراك جارت عليهو وخانتو ظروفو)
كما شارك عدد آخر من الفنانين منهم “حمد الريح”، “عبد القادر سالم” و”طه سليمان”.
ويشار إلى أن برنامج الافتتاح هو ضمن عدة فعاليات يتضمنها المهرجان الذي يتسمر نحو اثني عشر يوماً، تحت إشراف لجنة يرأسها اليروفيسور “علي شمو” وتقام بين الخرطوم وأم درمان وتختتم يوم التاسع عشر من الشهر الجاري بقاعة الصداقة، وهو اليوم الذي يصادف ذكري ميلاد الراحل.