الحزب الحاكم.. يبحث عن مسار ثالث ليتجاوز عقبة رسوم العبور
خبراء يقترحون جدولتها كديون
تقرير – نجدة بشارة
بوادر خلافات بدأت تلوح في الأفق مؤخراً مهددة دولتي السودان والجنوب بتراجع في العلاقات التي ظلت تخطو السلحفائية في تقدمها، وذلك عقب تهديد الأخير بلجوئه مضطراً إلى إغلاق حقول النفط في ولاية أعالي النيل وإيقاف خطوط الأنابيب نهائياً، في حال رفضت الخرطوم النظر بعين الاعتبار إلى تخفيض رسوم العبور، عقب توالي انخفاضها عالمياً لنحو (30) دولاراً للبرميل. وكانت وزارة البترول والتعدين قد بعثت برسالة لوزارة النفط السودانية طالبت فيها بتخفيض الرسوم، خاصة ولم يعد أمامها خيار آخر في الوقت الراهن، غير إغلاق الحقول لعدم جدواها ولتدني العائد منها حسب قولها (لا يمكن أن تبيع النفط بالخسائر).
في المقابل بدأت وزارة المالية تتمسك بموقفها من بنود الاتفاقية رافضة أي تعديل أو تفاوض بشأن تعديل مبرم قد يؤدي إلى إنقاذ دولة الجنوب من تكبدها الخسائر، فيما قد يدخل الخرطوم في حسابات جديدة خاصة وأنها أجازت الموازنة قبل فترة وجيزة معتمدة على حجم العائدات من رسوم العبور، الشيء الذي جعل وزير المالية “بدر الدين محمود” يتمسك بالاتفاقية التي وقعت عام 2013م سبتمبر. وفي ظل هذه التوترات تستدعي الأحداث جملة من التغييرات التي حدثت مؤخراً والتراجع الحاد لأسعار النفط من (110) دولارات للبرميل إلى حوالي (30) دولاراً، الشيء الذي أدخل عدداً من منتجي البترول في دول العالم في تدهور وخسائر فادحة، وأدى إلى خلق مشكلة في إنتاج النفط بدولة الجنوب وإحداثه فجوة في موازنة الدولة، مما حدا بها اللجوء إلى السودان باحثة عن الحلول التي رهنتها بتوقيع من الخرطوم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من انهيار اقتصادها الذي لازمه التدهور منذ الانفصال.
وبالعودة إلى الأحداث إبان الانفصال نجد أن حكومة السودان سبق أن طالبت وقتها بأن تحصل على حقها بنسبة معينة (20%) كرسوم، إلا أن “باقان أموم” سرعان ما رفض المقترح خاصة وأن سعر البرميل وقتها كان (120) دولاراً، وبعد تفاوض من الجانبين توصلوا إلى أن تكون الرسوم مبلغ (24,5) دولاراً للبرميل، وذلك عقب أكثر من سبع جولات تفاوض، وبعد عجز دولة الجنوب من تنفيذ تصديرها وقتها بفتح خط تصدير عن طريق ميناء “مومبسا” الكينية.
ووسط هذه الأجواء المشحونة بالتوقعات يرى خبراء أن طلب الجنوب الآن موضوعي، خاصة وأنه أصبح يتقاضى فقط في حدود (6.5) دولارات من البرميل الواحد لإنتاج يصل لنحو (165) ألف برميل يومياً.
فيما يرى البعض أن تخفيض السعر يعني أن تتكبد الحكومة السودانية أيضاً خسائر، إذا افترضنا إدخال رسوم عبور النفط في ميزانية العام 2016م.
في ذات الوقت رفض البعض فكرة إغلاق الجنوب للأنبوب، واعتبار قفلها بداية نهاية العلاقات بين الدولتين وقفل الحدود تماماً، وأن السودان حرياً به أن يلعب لعبة المصالح، ويصحح بعض الأخطاء التي أوجدتها الاتفاقية مسبقاً، وخاصة وأنه في حال عودة ارتفاع السعر مجدداً فإنه لن يقتسم الجنوب الزيادة مجدداً مع الشمال. واقترح خبراء عبر (المجهر) أن يؤجل السودان دفع نسبة الـ(50%) من رسوم عبور البرميل الواحد لمدة سنة، على أن يدفع الجنوب النسبة المؤجلة خاماً بالسعر الحالي، تفادياً لاستغلال السودان لحاجة الجنوب.
طلب موضوعي
وطالب الخبير الاقتصادي والقيادي بالمؤتمر الوطني د.”حسن أحمد طه” في حديثه لـ(المجهر) بالنظر إلى طلب الجنوب بموضوعية، وأن المتغيرات التي حدثت من انخفاض أسعار النفط عالمياً كبدت الجنوب خسائر مادية كبيرة، وألمح إلى ضرورة جلوس حكومة السودان لتناقش في شأن مذكرة الجنوب والمستجدات التي طرأت مؤخراً. وقال إن وجود اتفاق ملزم مسبقاً لا يعني أن نغض الطرف عن حاجة السودان للجنوب والضرورة في المصالح المتبادلة بين الدولتين. وقال إن وجود اتفاق بين البلدين لقرابة (3) سنوات لا يستدعي أن يحدث تغيير في الاتفاق، ولكن يلزمنا تقدير الظروف.
وتوقع د.”طه” أن تنظر الحكومة في طلب الجنوب خلال الفترة القادمة بعين الاعتبار، وقال يفترض أن تجلس الحكومة مع حكومة الجنوب لمناقشة الخيارات والحلول المتاحة حالياً وإمكانية كلا الطرفين في التعاطي مع المستجدات.
والجدير بالذكر أن دولتي السودان والجنوب وقعتا على اتفاق في سبتمبر 2013م، حدد على إثره رسوماً محددة لنقل النفط وعبوره، ويبقي على تقديم جنوب السودان (15) دولاراً عن كل برميل تعويضاً عن الخسائر التي تكبدها السودان في انخفاض إيراداته بسبب الانفصال، قدر المبلغ الإجمالي بـ(3,254) مليار دولار خلال (3) سنوات ونصف، وأن يدفع مبلغ (9,5) دولار كرسوم عبور عن كل برميل من إنتاج دولة الجنوب المقدر بحوالي (165) ألف برميل يومياً.
وأن هذا الاتفاق لم يتم تعديله أو التفاوض حوله منذ ذاك الحين، وكان وزير الخارجية الجنوبي “برنابا مرياك بنجامين” قد كشف سابقاً خلال زيارته للخرطوم، عن تقديم بلاده طلباً رسمياً للحكومة السودانية لخفض نسبة الرسوم التي تعرض على بلاده. وعزا ذلك لانخفاض الأسعار عالمياً. وأضاف إذا افترضنا أن سعر البرميل وصل إلى (20) دولاراً حينها لن يكون هنالك شيء لاقتسامه.
فرص ضائعة
فيما يرى الخبير الاقتصادي د.”بابكر التوم” في حديثه لـ(المجهر) أن عدم تكامل السودان مع دولة الجنوب، يعتبر ضياعاً لفرص أكبر من الحديث عن النفط ورسوم العبور. وقال إن قضية رسوم العبور يجب أن تعالج ودياً بالتفاهم، ويرى أن هنالك بنوداً في أية اتفاقية دولية توضح أنه في حال اختلاف الطرفين الموقعين مسبقاً على البنود، يحق لهم اللجوء إلى الحلول الودية أو إلى التعديل إذا اقتضى الأمر واتفق الطرفان على ذلك. وقال إنه يجب على البلدين النظر إلى مصالحهما المشتركة.
واعتبر أن انخفاض أسعار النفط عالمياً يؤثر على البلدين على السواء، وطالب جهات الاختصاص باللجوء إلى تفضيل الاتفاقيات الـ(8) الموقعة سابقاً، وفتح آفاق التعاون المقنن بين البلدين. وأضاف هنالك اتفاق على تبادل (77) سلعة، وقال إن سعر جوال الذرة في الجنوب (2) مليون فيما يبلغ سعره (200) جنيه في السودان. وقال إن هذه السلع يمكن الاستفادة منها في التبادل.
{ ديون تجدول
ويرى الخبير الاقتصادي د.”عز الدين إبراهيم” أن تتنازل حكومة السودان وأن يترحل جزء من الترتيبات المالية وتصبح في شكل ديون تجدول لسنوات.. إلا أنه عاد وأكد أن هذا الحل سيؤدي إلى خفض إيرادات السودان وعلى ميزانية المدفوعات، وسيكون له أثر على الموازنة. وقال إنه على الحكومة أن تعمل على زيادة الإيرادات وخفض المصروفات لمقابلة المستجدات الراهنة، وتوقع حدوث تفاوض بين الدولتين خلال الفترة القادمة نسبة لتضرر الطرفين من الأمر. وقال إن حدوث تسوية سيخلق خسائر يتكبدها السودان.
وقال د.”إبراهيم” إن هنالك اتجاهاً قوياً من قبل الجنوبيين لإغلاق الأنابيب بالرغم من أن حكومة الجنوب تعتمد على (98%) من عائداتها على البترول، ويرى أن انخفاض أسعار البترول عالمياً أخل بحساباتها وأن العائد أصبح ضئيلاً، خاصة وأن سعر بترول الجنوب أقل بواقع (13) دولاراً من سعر البرنت العالمي.
ودعا الحكومة إلى الانتباه في حال اتخاذ الجنوب خطوة في اتجاه إغلاق الأنابيب حتى لا تحدث أضرار للأنابيب نتيجة لتمدد الشمع مما يجعل خسائر الشمال أكبر حينذاك.
{ العلاقات تأتي أولاً
وحسب خبراء فإن العلاقة بين الدولتين ليست علاقة نفط ورسوم بل تمتد إلى اتفاقيات كثيرة تتطلب من الطرفين تقديم التنازلات مرغمين، ويرى في ذلك د.”حسن طه” أن الدولتين ظلتا متفقتين ومتعاونتين رغم الانفصال وتحكمهما مصالح مشتركة، وأن الجنوب يمثل سوقاً وداعماً اقتصادياً للسودان.
ويرى خبراء آخرون أن إيقاف ضخ “جوبا” للبترول سيؤدي إلى تكبد “جوبا” لخسائر أكبر من قلة العائد الآن، واستبعد الخبراء تمسك السودان بموقفه الرافض لمبدأ التفاوض. ويرى في ذلك د.”عز الدين” ضرورة جلوس الطرفين والأخذ بوجهة نظر حكومة الجنوب التي تمر بأزمة اقتصادية طاحنة. وقال إنَّ كل التوقعات ممكنة بما فيها إمكانية تعديل الحكومة للميزانية التي أجيزت قبل فترة قصيرة.