مصطفى عثمان: تحالف السودان مع السعودية هو الوضع الطبيعي
في ندوة بعنوان (السودان والتحولات الإستراتيجية في الشرق الأوسط)
وزير الخارجية الأسبق يجدد طرح مشروع شراكة مع مجلس التعاون الخليجي
الخرطوم – يوسف بشير
بعد عام من بداية العقد الحالي، شهدت المنطقة العربية حراكاً ربما يقود لتغيير خارطة المنطقة في القريب العاجل، وهناك تنبؤات بذلك، ويمكن اعتبار ثورات الربيع العربي، بداية هذه التطورات، إذ قادت لعزل رؤساء دول مكثوا سنين في الحكم، بجانب الثورة السورية التي لم تحسم بعد، فضلاً عن ما صاحب سقوط الرئيس الليبي “معمر القذافي” من جر ليبيا لصراعات دامية، وأيضاً لم تحسم بعد.
وفي العام المنصرم، أعلن العاهل السعودي “سلمان بن عبد العزيز” عن تشكيل تحالف لإعادة الشرعية في اليمن، دعمه السودان دبلوماسياً وعسكرياً، كل ذلك قاد المحيط العربي لتوترات لم يشهدها من قبل، وتفاقمت هذه التطورات بعد حادثة اعتداء إيرانيين على السفارة السعودية في “طهران”، إثر إعدام المملكة لأحد مشايخ الشيعة بعد صدور الحكم عليه قضائياً، لتبدأ إيران ببث رسائل معادية اعتبرتها السعودية تدخلاً في الشأن الداخلي، فقامت بطرد السفير الإيراني من أراضيها، وتضامن معها عدد من الدول، أبرزها السودان، الذي قام بطرد السفير الإيراني من أراضيه، وسحب سفيره من “طهران”.
وبالأمس نظم المركز السوداني للخدمات الصحفية ندوة بعنوان (السودان والتحولات الإستراتيجية في الشرق الأوسط)، لقراءة مالآت الواقع الجديد، واتفق المتحدثون بأن دعم السودان للتحالف الذي تقوده السعودية، هو الوضع الطبيعي.
*آمال جديدة
وخلال الندوة، كشف وزير الخارجية الأسبق، القيادي بالمؤتمر الوطني د.”مصطفى عثمان إسماعيل” عن تعثر توقيع اتفاق شراكة اقتصادية واجتماعية ورياضية، مع دول مجلس التعاون الخليجي، إبان توليه لوزارة الخارجية، وقال إنه اتفق مع سفراء الدول الخليجية الست المعتمدين لدى “الخرطوم” على الشراكة، وبالفعل طرح الأمر للأمين العام للمجلس حينذاك د.”عبد الرحمن عطية” الذي وافق على توقيع الاتفاقية، بيد أن علاقة البلاد مع الدول الخليجية آنذاك، عرقلت ذلك، إذ كانت العلاقة في عدم ثبات.
وذكر “إسماعيل” بعضاً من مضمون الشراكة التي حضرها رئيس اتحاد العمل، بهدف خلق شراكة مع الغرف التجارية، بجانب إيراده لنماذج من المؤسسات التي بإمكانها المشاركة بفعالية، وشدد على أن مسودة الاتفاقية موجودة، وقال: (إن الوقت مناسب جداً لطرحها)، واستبعد تردد المجلس الآن، نظراً لتحسين العلاقات بنحو ملحوظ، وأوضح أن المسودة تخول التعاون مع جميع دول المجلس، عوضاً عن التعامل الثنائي.
ويعود عدم ثبات العلاقات إلى تأييد البلاد للعراق في حرب الخليج، وهذا ما نفاه “إسماعيل” جملة وتفصيلاً، وقال: (السودان لم يؤيد العراق في حرب الخليج)، وزاد بأن موقف بلاده كان رفض دخول القوات الأجنبية للمنطقة، بجانب إعطاء فرصة لحل عربي. وأوضح أن نظرة بلاده صائبة، لجهة اعتراف الكثيرين بذلك، وذكر أن غزو العراق للكويت أودى بالتضامن العربي.
*لا تأثير
وفي وقت يشهد سوق النفط العالمي تدنياً كبيراً في الأسعار، خاصة بعد استخراج أمريكا للنفط الصخري من أرضيها مما قد يجعل فرص استثمار الدول العربية في السودان بعد تحسن العلاقات، بمستوى لا يلبي الطموحات، إلا أن “إسماعيل” فنّد ذلك بقوله: (تكلفة إنشاء النفط الصخري في أمريكا عالية، ولم تستخرجه إلا بعد ارتفاع الأسعار، وفي مرحلة ما سيتوقف الاستخراج وترجع أمريكا للبترول العربي)، وأضاف في ثقة: (الأسعار سوف ترتفع)، ومضى لعدم تأثر دول الخليج بالانخفاض، لجهة أن اقتصادياتها إضافة إلى استثماراتها، في شتى بقاع العالم، ووصفها بالكبيرة جداً.
وشدد “إسماعيل” على أن بلاده ما زالت محورية في محيطها الإقليمي، فضلاً عن امتلاكها لثروات لم تستخدم بعد، وقال: هنا تكمن قوة السودان.
*متغيرات الساحة
وأرجع “إسماعيل” التغيرات التي يشهدها العالم العربي، إلى المتغيرات العالمية، وأبرزها ظهور نظام عالمي جديد، أبرز معالمه العولمة في كل المجالات، بجانب اتجاه العالم لتقليص السيادة القطرية، أي السيادة الوطنية في كل دولة على حده، للمصلحة العالمية، وذلك بإعطاء المنظمات الدولية دوراً أكبر، وتوقع مزيداً من تقليص السيادة القطرية. وغير ذلك، زيادة في مشاركة الرأي العام في صناعة القرار، وعزا ذلك للديمقراطية التي اجتاحت العالم، وقال كل يوم نشهد مزيداً من تعزيزها، وتنبأ باندثار الانقلابات العسكرية.
وأضاف “إسماعيل” لجملة المتغيرات العالمية، مضي الاقتصاد الحر في اتجاه السيطرة على اقتصاديات العالم، وكل ذلك جعله يقول بملء فيه إن العالم يتجه إلى تعدد الأقطاب بدلاً عن القطب الواحد، وهو أمريكا.
*قضايا إقليمية
توقع “إسماعيل” بروز (سايكس بيكو) جديدة في الشرق الأوسط، وقال إن التطورات التي تحدث في العراق والسودان وسوريا تشير إلى ذلك.
واتفاقية (سايكس بيكو)، كانت اتفاقاً سرياً بين فرنسا والمملكة المتحدة في العام 1916م، بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الإمبراطورية العثمانية المسيطرة على هذه المنطقة في الحرب العالمية الأولى.
وأشار وزير الخارجية الأسبق إلى تسابق قوتين إقليميتين للتمدد في العالم العربي، وهما إيران، التي قال إنها في قلب العالم العربي، وتركيا ووصفها بالباحثة عن نفوذ في المجتمع العربي السني، وذكر أن دورها أصبح كبيراً، إضافة إلى التغير الجذري للسياسات في السعودية بتحولها من الهدوء إلى قيادة مبادرات دبلوماسية وحتى عسكرية كعاصفة الحزم، وقال إنها قوة لا يستهان بها، وعاب على الجامعة العربية تراجعها، مشيداً في ذات الوقت بتماسك مجلس التعاون الخليجي.
ولم ينسَ “إسماعيل” أن يقول إن تلك التطورات الإقليمية تصب في مصلحة إسرائيل، وذكر أنها كل يوم تصبح أكثر قوة في النواحي العسكرية والاقتصادية والبحثية.
*الخيارات المحلية
وضع “إسماعيل” بلاده على خيار تأكيد انحيازها للحلف السعودي من حيث المبدأ والمصلحة، وأوضح أن هذا موقعها الطبيعي نظراً للنفوذ العربي والإسلامي الأقوى في البلاد منذ انفصال الجنوب وتكوينه دوله مستقلة في نصف عام 2011م، وعزا النفوذ لتغير الخارطة السكانية.
ودعا إلى عدم التفريط في انتماءات السودان المعروفة، والاهتمام بمعالجة المشاكل الداخلية، وتصفير النزاعات مع دول الجوار لجذب رأس المال، الذي قال إنه يبحث عن جو متعافٍ وبيئة مستقرة.
وتوقع اعتماد البلاد على السوق العربي والخليجي وأهمها السوق السعودي. وذكر أن انحياز السودان لها جعله ولأول مرة يخرج من حياده.
وأبدى أمله في تعزيز دور السودان في الجامعة العربية، وخلق شراكة اقتصادية سياسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولعب دور أكبر في المصالحات العربية.
ويأمل السفير د. “سراج الدين حامد” أن يضع التحالف الجديد قانون أفقه وتطلعاته، وعاب على إيران تقديمها دعماً للدول الأفريقية المجاورة للسودان بصورة أكبر من الأخيرة، ووصف العلاقة معها بأنها كانت علاقة تكتيكية وليست إستراتيجية، ودعا لإعادة الثقة بين البلاد والدول الخليجية، وإزالة الرواسب منذ حرب الخليج الأولى.