الإعلامي الهرم "عمر الجزلي" في حوار جريء مع (المجهر)
قدمت للكلية الحربية لأقوم بانقلاب عسكري وأصبح رئيساً مثل “جمال عبد الناصر”
طُلب مني إذاعة بيان ثورة (الإنقاذ) وأنا بالخارج.. وهذا أول بيان انقلابي أذعته..!!
أنا قومي وحزبي الشعب العظيم.. وأحببت العسكرية لأنني أعشق النظام
لهذه الأسباب تم رفتي من الإذاعة.. وهذه قصة دخولي وعملي بها…!!
أموت ألف مرة في اليوم عند سماعي أخطاء لغوية.. وهناك أمية إعلامية ضاربة بأطنابها
“نقد” كان يؤمنا في صلاة المغرب عندما يزورنا وقد وافق أن أستضيفه قبل أن يرحل
حوار – الشفاء أبو القاسم
“عمر الجزلي” اسم شق طريقه بجهد واجتهاد منذ نعومة أظفاره نحو الحقل الإعلامي فبات أحد الأعلام الإعلامية، وهو شخصية مثقفة وصاحب تاريخ مليء بالإنجازات، جلسنا إليه في حوار شيق تناول مسيرته العملية ومواقف مثيرة في حياته، وحكا لنا قصة عشقه لإذاعة بيانات الانقلابات العسكرية واتهامات البعض له بموالاة القادمين للسلطة.. الحوار حمل جوانب سياسية واجتماعية، ورؤيته للواقع الإعلامي اليوم.
ضيفنا وثق للعديد من الشخصيات السودانية والعربية المعروفة عبر برنامجه الشهير (أسماء في حياتنا)، واليوم نجلسه في ذات الكرسي في الحوار التالي.
{ أستاذ “عمر” كيف دخلت حقل الإعلام؟
– كانت لديّ تجربة مسبقة وكان شقيقي “عبد المنعم” يعمل تاجراً في تندلتي ووالدي “محمد عثمان الجزلي” حيث كان في تلك الفترة الكثير من التجار القابضين على حركة الاقتصاد السوداني، وكان ذلك في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أمثال “النفيدي” و”إبراهيم مالك” و”علي الإحيمر” وكان على رأس هؤلاء والدي الذي كان (سر) التجار.
ونحن نعلم أن مدينة تندلتي تجارية، وكانت تتبع جغرافياً لولاية شمال كردفان وبها هدوء وخضرة دائمة، حيث كنا نلعب في رمالها الذهبية ونشيد القطاطي.
{ ثم ماذا بعد ذلك؟
– في تلك الفترة كنت بصحبة شقيقي المهندس “عبد المنعم” حيث كان يعمل تاجراً ومهندساً، وفي أوائل الستينيات كنت طالباً بالثانوية وكان والدي من محبي الإذاعة وكان يجلب الكثير من (الروادي) لسماع إذاعة لندن، وأذكر آنذاك أنه كان يملك جهازي راديو، وكنت عندما أدق على أحداهما يأتيني صدى صوت من الآخر، فقلت لأخي تعال نستمع إلى تلك (الروادي) حيث توجد موجة فارغة، ويعني ذلك أن هنالك إرسالاً ما يوجد وسألته: هل استطيع عمل إرسال؟ فقال لي: بالطبع أنا أعمل في هذا المجال. فقلت له: علينا بعمل إذاعة، واستمر هذا الحديث لمدة شهرين وبعدها استطاع أخي عمل إذاعة بلا صوت ولاحقاً استطاع إدخال الصوت من أجهزة تسجيل عبر بطارية وابتدأت الإذاعة لمسافة ليست بالبعيدة، وكان الإرسال على الهواء ترانس مثير، وبعد خمسة أشهر أصبحنا نتجول وبدأ الهوائي يعمل والصوت يمتد لمسافات وأصبحنا نطلع بالعربة ونحمل الراديو وعند تسجيلنا للمادة نذهب بالراديو المستقبل من تندلتي تجاه الأعوج وسليمة، وأطلقنا على تلك الإذاعة إذاعة (صوت الفن) وكنت أنا المذيع الأوحد.
{ لمن كنت تسجل من المطربين؟
– كنت حينها أسجل لكل من “الجابري” و”وردي” و”أحمد المصطفى” و”عثمان حسين”.
{ هل كان هنالك مستمعون كثر لهذه الإذاعة؟
– نعم كان هنالك العديد من المستمعين وقد أحبوها بصورة غير عادية، وكان لي برنامج آخر بعنوان (أغنية وتعليق)، وكنت أعمل على إعادة ذلك البرنامج لعدة مرات حسب رغبات المستمعين، وبعد ذلك بدأت فكرة هذه الإذاعة تنتشر.. كان الناس يقولون إن “عبد المنعم الجزلي” قام بعمل إذاعة في منزل الأسرة التي اشتهرت بحوش “الجزلي”.
{ إلى أين وصلت تلك الإذاعة؟
– استطاعت أن تصل إلى حاضرة كوستي وإلى الخرطوم، حيث أطلقوا عليها اسم (الإذاعة السرية).
{ ومن الذي كان يقوم بإعداد المادة الإذاعية وعلى أي الموجات؟
– كنت أنا الذي أقوم بإعداد المادة وكانت الموجة التي تبث عبرها المادة هي الموجة (24ه).
{ ما هي قصة شريط أعياد الاستقلال في عام 1966م؟
– قدم الأستاذ “سعد شوقي” إلى مدينة تندلتي وقام بتسجيل شريط عن أعياد الاستقلال وبعد أن تم تجهيز المادة (انقلب) الشريط ولم يستطيعوا إصلاحه وعدّوه قد تلف وقرروا أن يلجاوا إلى شخصي وشقيقي “عبد المنعم” لإصلاح الشريط، وقد كان لهم ما أرادوه، قمنا بإصلاح الشريط وقد أحدث ذلك ضجة كبيرة وتساءل الحاكم العام آنذاك عن الذي قام بإصلاح الشريط وأخبروه فأعجب بذلك ووصفني بالموهوب.
{ متى تم نقل إذاعتكم لحاضرة أم درمان؟
– انتقلت الإذاعة عندما قرر الحاج “محمد عثمان الجزلي” والدي الاستقرار في مدينة أم درمان، وفعلاً انتقالنا وأقمنا في حي (البوستة) وأنشأنا آنذاك إذاعة بصوت أكثر قوة وأطلقنا عليها إذاعة (صوت أفريقيا) وكانت تبث الأغاني فقط.
{ أين أنتم من البرامج السياسية؟
– كنا لا نرغب أبداً في العمل السياسي، لذا كان عملنا يتضمن الأغاني، وفي فترة إقامة الإذاعة بأم درمان كان حينها وزير الداخلية “الأمير نقد الله” وكانت هنالك صحيفة تسمى (آخر لحظة) وكان يترأس تحريرها الأستاذ الكبير “محمود أبو العزائم”.. كان هذا الرجل قريباً إلى قلبي وكانت تربطنا به صلة قرابة، وكانت الصحيفة في شكل (تابلويت) وقد نشر في أحد الأيام (مانشيتاً) على صدر الصفحة بقيام إذاعة سرية بأم درمان تطلق على نفسها (صوت أفريقيا)، وفي تلك الفترة كان “الصادق المهدي” رئيس مجلس الوزراء وقد انزعج من إذاعتنا، وكانت تضمنا اجتماعات بمشاركة العديد من الشعراء ومن بينهم “سيف الخيري” وشاعر أغنية (الطير المهاجر)، وقد أمر “المهدي” آنذاك بالقبض علينا، وبدأت السلطات بعمل حصر كهربائي بقطوعات متكررة ومتفرقة لمعرفة مكان الإذاعة إلى أن وصلوا إلى منطقة العباسية وقد قمت بإخطار الزملاء بأن هنالك حصراً كهربائياً لمعرفة مقر الإذاعة ليتم فصلها وقد قلت لهم (أنا سأقوم بـ”مقلب”) وقمت بتوصيل الإذاعة عبر بطارية وكنت أردد قائلاً: (هنا إذاعة صوت أفريقيا)، وبعد ذلك ذهبت للمدرسة. و”عبد المنعم” شقيقي كان واقفاً على الشارع وعندما جاءوا لمعرفة الإذاعة التقوا به وسألهم: هل تريدون مقر الإذاعة؟ فقالوا له: لا تكن مشاغباً. لكنه رد عليهم: الإذاعة داخل منزلي وإذا أردتم معرفتها فأقدموا معي، وذهبوا معه ليكتشفوا أن الإذاعة ما هي إلا جهاز صغير تم وضعه على باب المنزل، وبعد ذلك تم اقتياده إلى مقر وزارة الداخلية لتتم مساءلته وجاءوا بشخص من وزارة الداخلية ومعه “علام حسن علام” الذي كان يعمل مديراً للبوستة والاتصالات.
{ هل انتهى الأمر عند ذلك الحد.. وماذا حدث لكم؟
– لم يقوموا بمحاكمتنا وقد أكملت دراستي آنذاك وقدمت أوراقي للانضمام للكلية الحربية، ومن ثم قدمت أوراقي لأكون ضمن الطاقم الذي يعمل بالإذاعة.
{ دواعي رغبتك في الانضمام للإذاعة والكلية الحربية رغم أوجه الاختلاف؟
– قدمت للكلية الحربية لأن رغبتي كانت أن أقلب الوضع ومن ثم أكون حاكماً على السودان، فقد كان يعجبني الرئيس المصري “جمال عبد الناصر”.. كان شخصية متميزة، وهو تحرري وكان البؤرة التي يلتف حولها كل الحكام فقد كنا دائماً نسمع مقولة (أيها الأخوة.. باسم الأمة العربية أحييكم وأحيي عبركم الأمة العربية في كل أنحاء العالم).. كنت محباً لـ”جمال عبد الناصر”.
وقد جاء الكثير من الحكام الذين أعجبت بشخصياتهم وكنت مصراً على أن أصير رئيساً وألبس البزة العسكرية بمقصاتها، وقد دخلت امتحان الكلية الحربية وكتب الله لي النجاح وبعد أيام وصل إلى مسامعي أن هنالك تقديماً لملء وظائف في الإذاعة وقدمت أوراقي وقالوا لي (نأسف لعدم وجود وظائف وسنحتفظ بطلبك إلى حين إخطارك في وقت لاحق)، وبعد خمسة عشر يوماً كنت بصحبة صديقي “أحمد المغربي” وكنا نأتي من خلف قطبان الإذاعة وكنت أجد أوراقاً مبعثرة للنشرة الثانية وكنت أجمعها وأقرأ على زميلي النشرة، وكان صديقي يعلق على أدائي وكنت دائماً أقول له أريد دخول الإذاعة، وحينها كان بالإذاعة “عبد الوهاب أحمد صالح” و”صالحين محمد صالح” و”محمد فهمي”، وكان ذلك في فترة الثمانينيات، وبعد شهرين قدم خمسمائة شخص للالتحاق بالإذاعة، حيث كان الجو شتاء فلبست (فل سوت) ودخلت الإذاعة بعربتي وسمعت تعليقات الموجودين وهم يتساءلون عن هذا الشخص القادم بالعربة من الوهلة الأولى؟ فوقفت في الاستقبال وطال انتظاري ولم يأتي أحد حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحاً وفوجئت بأن الجميع قد دخلوا وسألني أحدهم ماذا تريد؟ فقلت: أريد الالتحاق بامتحان الإذاعة، فأخبرني بأن الجميع قد دخلوا الامتحان حينها قمت ودخلت ووجدت “صالحين” ينادي أين “عمر الجزلي” فنظرت له، فقال لي: أبق هنا يا ابني نحن شارفنا على الانتهاء، فدخلت المعاينة وقابلت اللجنة التي كانت تضم “أبو عاقلة يوسف” و”عبد الرحمن إلياس” و”صالح فهمي” وآخرين، دخلت وقمت بقراءة النشرة بالنون الإخباري والشعر بالنون الشعري، والدين بالنون الديني، حينها جاء “صالحين” وقام بفتح باب الأستوديو.. وقال لي أنت مذيع، وقال لي يجب أن تدخل لمقابلة اللجنة فدخلت فسألوني: من أية إذاعة أنت قادم؟ فقلت: من إذاعة بيتنا، فسألني: إذاعة بيتكم دي ياتها، قلت: الإذاعة اللقبوها بالسرية، فقام السكرتير الخاص باللجنة وأمر “محمد العبيد” بأن لا يقبلني فرد عليه “محمد العبيد”، بأننا من العمداء.
{ هل كان اختيار المذيعين صعباً في تلك الفترة لهذا الحد؟
– نعم، لقد كان الاختيار صعباً للغاية فظهور مذيع أو فنان كان يحدث فرقعة بدليل أن الذين اجتازوا مرحلة الامتحان ثلاثة من بين خمسمائة متقدم، ما أحدث فرقعة عالية الدوي.. فقد تعب الفنان “محمد وردي” و”عثمان حسين” و”الكابلي” حتى وصلوا لمرحلة الشهرة عبر الإعلام.
بعد الامتحان دخلت الإذاعة وبعد تسعة أشهر تم تحويلي وبدأت أتنقل من قسم إلى قسم.. في الفترة الأولى ليس مسموح لك بالوجود أمام المايكروفون إلا بعد الطواف على كل الأقسام، وقد أحضروني في قسم اليارسونيك، وفي هذا القسم كنت أتابع شؤون الموظفين ما جعلني أتساءل: أنا رغبت أن أكون مذيعاً فما هذا الذي يفعل بي؟، فقال لي مدير الإذاعة: يجب أن تعرف كل الأقسام والأجهزة فقد يأتي يوم تكون فيه أنت المسؤول عن هذه الإذاعة، وقد كان نائب “صالحين” في تلك الفترة “إلياس” وكان “كمال أحمد الطيب” يعمل معي وقلنا له يا “كمال” إن صوتك جميل لماذا لا تقوم بالعمل بالإذاعة فقال لي: لا أرغب فأخبرت له “صالحين” فقال لي: أنت مالك ومالوا أنت جديد وكمان عاوز تتوسط.. لقد كنت معجباً بصوته، وقال مستهزئاً بشخصي: (طيب ما تخليك تجي لجنة الأصوات)، فقلت له: (كويس).. وفي ذلك الحين تم تقديم أوراق “كمال” وتم استيعابه وكنت سبباً في وصوله للإذاعة.
{ ما هي قصة رفتكم من الإذاعة وما هي الأسباب؟
– كنت برفقة الأساتذة “عمر قباني” و”عمر النصري” و”أيوب صديق” و”عبد الكريم قباني” فقمت في برنامج المساء ببث أغنية لــ”عائشة الفلاتية” وذكرت اسم الشاعر عبر الإذاعة وفي اليوم التالي أجري لنا مجلس محاسبة وطلع قرار برفتنا من العمل لعام أو عامين، لكن لم يتم ذلك فقد توسط البعض حتى لا يتم رفتنا من الإذاعة.
{ “الجزلي” اشتهر بإذاعة بيانات الانقلابات ليهدي للجمهور الأنظمة الشمولية؟
– عندما يحدث أي انقلاب يأتي العسكريون للقبض عليّ ويأمرونني بقراءة بيان الانقلاب فأنا ضد السياسة أقرأها وأتابعها لكنني قومي لا أتبع لأية أيديولوجية معينة.. “عمر الجزلي” سوداني، حزبي هو حزب شعب السوداني العظيم، يبادلني الشعب نفس الحب الذي أكنه له، والدليل على ذلك حضور (2,500) شخص لتكريمي في قاعة الصداقة.
{ أنت كثير الميل للعسكرية.. ما هو السر في ذلك؟
– أنا أعشق الانضباط وهذا لا يتوفر إلا عند العسكريين، فإذا كان في ذلك تهمة لي فمرحباً بها وأنا أعتز بها فأنا دائماً أحب أن يكون الناس في أمن واستقرار ومحافظين على النظام على أساس أن يكون رئيسنا “عمر البشير” فهو رجل يمتاز بالوعي والمعرفة لما يمكن أن يكون، وهو يجيد التصرف.. فقط ما نحتاجه هو توفير (قفة الملاح) للشعب السوداني بأسهل طريقة وأنا أعلم أن “عمر البشير” والنائب الأول “بكري حسن صالح” قادمين من أعماق الشعب السوداني.. كل ما نريده انتعاش الأحوال الاقتصادية والشارع، وأن يقدر “عمر البشير” دور الإعلاميين وما يتكبدونه من مشاق للوصول إلى الحقيقة.
{ كيف تقرأ تداعيات ثورات الربيع العربي؟
– نعم أحدثت الكثير من الفوضى وما أشعل أوار هذه الثورات قناة معروفة لا أريد ذكر اسمها، حتى إذا ظلم الرؤساء هل يباع الأمن والاستقرار بثمن؟ على الشعب أن يأكل ويشرب لكن يجب أن يكون هنالك أمن، فالأمن أهم من ذلك، وقد جاءت تسمية الربيع لقيام هذه الثورات في غير موضعها، فالربيع من أجمل فصول السنة فمن يشبه أجمل فصول السنة بما يحدث في البلدان العربية؟؟ هذه نار حمراء حامية وليست ربيعاً.
{ بيان قمت بإذاعته عالق بذهنك إلى يومنا هذا؟
– أول بيان قمت بإذاعته في ثورة مايو من عام 1969م، عندما قام “نميري” بتسلّم مقاليد الحكم في السودان فقلنا: (بعد قليل يقدم رئيس الثورة “جعفر نميري” بياناً مهماً للشعب السوداني)، فقال لي “زين العابدين”: (رجاءً لا تقل “جعفر نميري” يا شيخ “عمر” قل الاسم هكذا “جعفر محمد نميري”) فقلت له: (يا “زين العابدين” سيكون اسمه “جعفر نميري” فأنا مذيع أدرك جيداً الاختصارات والرسم الفني)، فقال لي: (كويس)، وأخيراً صار اسمه “جعفر نميري”.
كما أنني الشخص الذي قام بإذاعة بيان ثورة (الإنقاذ)، حيث كنت حينها في دبي وأذعته من هناك، حيث طلب هناك مني العمل ورفضت العرض لحبي لبلدي ولوالدتي “سيدة بسيوني” فهي أهم شخص في حياتي- رحمها الله- وحينها قمت بإذاعة البيان الانقلابي من هناك ونبهني “الطيب مصطفى” بأن أذكر اسم “عمر حسن أحمد البشير” كاملاً فرفضت، وقلت له: سأقول “عمر البشير”، وفعلاً قلت ما أردت وإلى يومنا هذا ظل يطلق الناس عليه “عمر البشير”.
{ قصتك مع البيانات العسكرية؟
– من أهم البيانات التي كنت أرغب في إذاعتها بيانات انتصارات الجيش، فقد قمت بإذاعة بيان (صيف العبور) وذلك لميلي الكبير للجيش والانضباط.. فقد أزعجت أهل بيتي كثيراً بهذا الانضباط.. استمرت مسيرتي في الإذاعة وقدمت برنامج (7×7) الذي كان كل نجومه من رؤساء التحرير، وأيضاً برنامج (الصباح والأمل) وكانت تقدمه الأستاذة القديرة “ليلى المغربي”- رحمها الله وطيب ثراها- حيث كانت تمزجه بموسيقى (جانوار).
{ “نميري” عن قرب؟
– جمعتني به رحلات كثيرة وكان يناديني بـ”عمر الجزلي” ويسألني عن أسباب تسميتي بـ”الجزلي”.. وكنت أرد عليه بأن “الجزلي” هو الرجل المعطاء، وكان يقول لي إن هذا الاسم جميل، فـ”نميري” رجل يمتاز بالروح المرحة.
{ وأنت تعشق العسكرية.. هل قدمت لك إغراءات لتنضم لأي من الأنظمة الشمولية؟
– كما أسلفت، أنا رجل قومي لكن إذا قدم لي أي منصب يتفق وعملي لا أعترض على ذلك.. لأن المبدعين لا يمكن أن يتوقفوا عن العمل بإعطائهم المعاش الإجباري.. فكيف يمكن للمبدع أن يكون معاشياً، قبل فترة ليست بالبعيدة أجريت استطلاعات من قبل الأجهزة الإعلامية المرئية والمسموعة لأفضل مذيع، فجاء ترتيبي الأول، علماً بأن هنالك أجيالاً جاءت بعدي وحظي البرنامج الذي أقوم بتقديمه كبرنامج توثيقي بالمرتبة الأولى، علماً بأن هنالك برامج قدمت بعد برنامج (أسماء في حياتنا) مشابهة له.. وأنا لا أعترض، لكن أعتقد أن في التوثيق جهداً مقدراً نرحب به.
{ إغراءات الوظيفة؟
أما فيما يختص بإغراءات الوظيفة هذا أتركه للمسؤولين وأنا ما زالت أقولها أنا ضد أي أنظمة شمولية، فالنظام سواء أكان الحاكم مدنياً أم عسكرياً إذا التزم بتوفير متطلبات الشعب فهذا هو المطلوب.
{ “الصادق المهدي” رئيساً للوزراء؟
– “الصادق المهدي” رجل متميز وحاكم مثقف وصديق عزيز، وقد سجلت معه حلقات لبرنامج (أسماء في حياتنا) ولمست من خلاله أن الرجل سياسي محترم بكل المقاييس وكفى.
{ شخصية استمتعت بالتوثيق لها من خلال برنامج (أسماء في حياتنا)؟
– حقيقة كل من أجريت معه حواراً توثيقياً كانت له نكهة خاصة ولوناً وطعماً خاصاً جعلتني استمتع كثيراً للجلوس معه، ومنهم على وجه المثال “جوزيف لاقو”، والشيخ “عوض الله صالح”، وقد استمتعت كثيراً لحواري مع “جوزيف لاقو”، وما كان فيه من طرائف وقفت عندها كثيراً، ففي سؤالي له لدى اجتماعه مع “نميري” أجاب بأنه كان يرتدي البزة العسكرية وتفاجأ بـأن “نميري” أيضاً جاء مرتدياً البزة العسكرية حينها أمره “نميري” أن يخلعها، وقال له: أنا رئيس الجيش لذا لا يحق لك أن ترتدي البزة العسكرية مثلي اليوم.
فسألت “جوزيف لاقو” عن ما فعله حينما أمره “نميري” بخلعها فرد عليّ قائلاً: (عليك أن تقرأ كتابي الذي كتبته باللغتين).. لكنني أصررت على سؤالي مرة أخرى فرد قائلاً: (ما خلعت اللبس.. الرئيس ده يعني طلعوه من بطن أمو عسكري؟).
{ هل شهد الإعلام تطوراً خلال الحقب المختلفة؟
– نعم، هنالك تطور حدث في بعض التعيينات يجب أن يواكبها الناس بشرط أن لا ينسوا القديم من الأعمال والجهد الذي كان في ذلك، وأيضاً هنالك تطور في الأجهزة الإعلامية التي تنقل كل البرامج التوثيقية القديمة وقد شمل ذلك الطلاب.. يجب على الدولة أن تهتم بقضايا الإعلاميين ومرتباتهم المجزية مقابل خدمتهم، وذلك لصعوبة الظروف الاقتصادية.
{ شخص أردت أن توثق له ولم يحالفك الحظ؟
– أود أن أوثق للرئيس “البشير” لأن فترته تعد فترة مهمة من تاريخ هذا الوطن، حدثت فيها أحداث ومفاصلات سياسية واجتماعية وفكرية.. من أجل كل ذلك يجب أن يوثق لها قبل أن أحط رحالي.. أيضاً وددت التوثيق لشخص أحبه كثيراً وأطلقت عليه لقب حكيم السياسة السودانية (الكياسة السودانية) وهو الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، فهذا الرجل يستحق، وهو متابع وخلوق ويمتاز بثقافة عالية فعندما يتحدث يكون حديثه بطريقة تخلو تماماً من أي خطأ، فهو رجل ملم بقواعد اللغة وطريقة نطقها، وأنا أتوق لتسجيل حلقات توثيقية له.. لقد وجدت دافعاً كبيراً من أخي “إبراهيم يس” في هذا البرنامج وهو صديق، وكلما أردت أن أضع عصا الترحال، دفعني قدماً وساندني وشجعني.. ومن هذا المنطلق والمنبر الحر لا بد لي أن أتقدم لكل من وقف معي وساندني في نجاح برنامج (أسماء في حياتنا) منذ العام 1975م وحتى يومنا هذا من معدين ومخرجين وغيرهم إضافة إلى مؤسسة (أروقة) ولقائدها أخي “السموأل خلف الله”، وكل من وقف معي في ليلة تكريمي، وقد فاتني ذكر أسماء بعض الذين ساندوني وذلك لأنني في ذلك اليوم كنت مريضاً لا أقوى حتى على الحركة مقدراً لكل من فاتني ذكر اسمه من أحبابي وأسرتي، أقول لهم لكم العتبى حتى ترضوا.. قمنا بتقديم دعوة للشاعر الكبير “حسين بازرعة” وقد جاء بصحبة الأستاذة “محاسن سيف الدين” وكان حضوراً أنيقاً في ذلك اليوم، كما أتقدم بالشكر لكل من “بدر الدين طه” و”كامل إدريس” والرموز الصحفية والرجل الوفي “أحمد البلال الطيب” ولا أنسى أبداً محبة والده الشيخ “البلال الطيب”.. وأخص بالشكر زوجتي “عواطف أحمد عكاشة” التي كانت تقف دوماً إلى جانبي وتسندني لربع قرن من الزمان ومعها ابنيّ العزيزين “صلاح وعمار”.
{ ما ينقص مذيعي ومذيعات اليوم؟
– مذيعو اليوم لا يمكن مقارنتهم بمذيعي الأمس، فالماضي كان صعباً والمعايير أيضاً كانت صعبة للغاية، وللأسف أنا أموت ألف مرة في اليوم عند سماعي أخطاء لغوية ونحوية ومعلوماتية وأدائية من المذيع، لكن هنالك بعضاً من المتميزين الشباب وأغلبهم من التلفزيون القومي والإذاعة قد تتلمذوا على أيادي أساتذة يشهد لهم بالكفاءة، وأنا شخصياً لديّ تلاميذ عملوا خارج البلاد توفرت فيهم معايير المذيع الناجح منهم “فتحية إبراهيم” و”هيام الطاهر” و”يسرية محمد الحسن” و”محاسن سيف الدين” و”سارة فضل الله”، وقد ظلت معاييرنا ثابتة في الإذاعة والتلفزيون القومي، فقد شاهدت برنامجاً في إحدى القنوات الفضائية كانت المذيعة تقول فيه للضيف إن كلمات “الفراش الحائر” لـ”محمد عتيق” ودخلت في مغالطة مع الضيف، وقام الضيف بتصحيحها لكنها رفضت وقالت للضيف: (أنا كاتبنو لي كده)، حينها قطع الضيف البرنامج وخرج واضطر المخرج أن يدخل فاصلاً إعلانياً.. من المفترض أن يكون المذيع رحب الصدر يتقبل النقد لأنه يتعرض للنقد كثيراً، لذا يجب أن لا يرفض المذيع التصحيح وإضافة المعلومة ولا يتعالى عليها.
{ ماذا وجدت في شخصية “نقد” رحمه الله؟
– “نقد” شخص صديق وقبل أن يرحل وافق على أن يكون ضيفاً على برنامجي (أسماء في حياتنا).. وقد كان يؤمنا في صلاة المغرب، فهو شيوعي سوداني متميز عن شيوعيي البلاد الأخرى، وأنا أحترم منهجهم، فـ”نقد” شخصية مميزة يحترم أصدقاءه.
{ شخصية “الترابي”؟
– “الترابي” شخصية مفكرة وباحث، وقد ألف الكثير من المؤلفات وشخص له احترامه وتقديره.
{ ماذا يعني تكريمك من قبل رئيس الجمهورية؟
– أحيي الشعب السوداني العظيم الذي كرمني هذا التكريم الفياض والاحتفاء الذي كان من الشعب السوداني بعد عطاء استمر خمسين عاماً، وهو الذي أتاح لي فرصة التكريم من قبل رئيس الجمهورية وهو أعلى سلطة في البلد ومنحني وسام الآداب والفنون والعلوم من الذهب الخالص، هذا التكريم أهديه لوالدتي الراحلة “سيدة محمود بسيوني”، وقد جاء التكريم في يوم عظيم في ليلة الاحتفال بعيد الاستقلال ولن أنساه طيلة حياتي الآتية، وقد هنأنني كل الإخوة الموجودين في ساحة القصر الجمهوري.. وكان أول من هبَّ نحوي لتهنئتي السيد المشير “سوار الذهب” وسعادة وزير الخارجية حيث شاهدت الفرحة التي تغمرهما وكل الإعلاميين بذلك التكريم، وهي نقلة جديدة في حياتي كنت أتوقعها لكن رأى الإخوة المسؤولين أن تأتي في ليلة الاحتفال بعيد الاستقلال.. وأحيي السيد رئيس الجمهورية الذي عرفت عنه اهتمامه بالآداب والفنون.
{ مَن مِن مذيعي اليوم لفت نظرك؟
– أرى اليوم أمية إعلامية ضاربة أطنابها في الساحة الإعلامية، الأداء واللغة والمعلومات.. هنالك مجموعة من الشباب المميزين في الإذاعة القومية والقناة القومية لأن اختيارهم جاء بنفس معاييرنا في الماضي.
{ من لفت نظرك من المطربين؟
– المطربون كانوا في الماضي (خمسة) فقط “أحمد المصطفى”، “عثمان حسين”، “إبراهيم عوض”، “وردي” و”أبو عبيدة حسن”.. الآن أسمع كل يوم عن ظهور مجموعة من الفنانين ويصل عددهم إلى (500) فنان، ولا أنسى أن أذكر الفنان “محمود عبد العزيز” باعتباره من أميز الفنانين الشباب لأنه تربى مع “طارق الإسيد” في الإذاعة فهو من المتميزين في تلك الفترة من تاريخ الفن.
{ هذه المساحة لك؟
– أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ “الهندي عز الدين”، فهو رجل صديق وحبيب على قلبي.. وفقه الله، وقد نبه الحكومة بضرورة تكريمي.