رأي

(أنسنة الحياة) .. د. "زهير" وعلاج صلاة الفجر

في صلاة الفجر.. يجلس في مكانه بعد الفراغ من الصلاة في مسجد الرحمن في مدينة النيل.. يجلس ليتلقى شكاوى مرضاه، ومرضاه هم المصلون معه في المسجد، هذا المشهد يحدث كل يوم.. يستمع للمصلي الشاكي، ويصف العلاج، ويكتب الروشتة، أو في غالب الأحيان يحضر الدواء معه مساءً أو غداً في صلاة الصبح.. وهذا كله مجاناً..!! د. “زهير” نموذج للمثقف العضوي الذي ينزل بكل تواضع إلى الناس البسطاء والمعدومين، ويعيش معهم، ويسهم في علاجهم ومؤاساتهم.. رأيت ذلك في مصر في سنين عددا قضيناها هناك، وأظن أن النجاح الذي حققه الإسلاميون في مصر، كان من أهم أسبابه نزولهم منذ منتصف القرن الماضي إلى جانب الناس البسطاء وتخفيف المعاناة عنهم، والعيش بينهم، ولا أنسى تلك المجمعات والجمعيات الطبية الملحقة بكل مساجد الجماعات الإسلامية، وخاصة الإخوان المسلمين، التي تُقدِّم الخدمة الطبية بسعر رمزي، وتقدم كل أشكال الدعم الأخرى، والشعب المصري لن ينسى لهذه الجماعات وقوفها معه في أقسى الظروف التي مر بها  في تاريخه الحديث.
والحقيقة هي دعوة أطلقها صديقنا رئيس مجلس الإدارة الأستاذ “الهندي عز الدين” في عموده المقروء بكثافة، دعوة بأن ينزل المسؤولون إلى القواعد إلى الناس المتعففين ليقدموا لهم الخدمات الأساسية، ويقودوا فلسفة التكامل بين الناس، فهذه الظروف تحتاج إلى تأصيل الحياة وتعميق فلسفة التديُّن.. فماذا يضير الدكتور – أيَّ دكتور طبيب – إنْ تفقّد وكشف على إخوانه في المسجد مع صلاة الفجر في وقت لا يزيد عن ساعة واحدة، يوفر فيها للمصلين أمولاً ضخمة، ويكسب فيها أجراً كثيراً، ويشعر فيها بالراحة النفسية وبالإحساس بأداء واجبه الديني والإنساني ويرضى عن ذاته ويرضي الله عنه، ويرضي كذلك الناس، ويصير نموذجاً يقتدى.. فإن الأزمة التي نعيشها في عالمنا المعاصر هي أزمة قدوة، والقدوة المطلوبة في هذه الظروف هي قدوة في التضحية والإيثار، وحب الخير للناس، والعمل على إسعادهم..
والسعادة الحقيقية – لو يعلم الناس – هي في العطاء.. والإسهام مع الآخرين، وبالرغم من أن الناس الآن يربطون الإسهام فقط بالمال والعطاء المادي، إلا أن هناك أشكالاً أخرى من الإسهام قد يكون أثرها أكثر تأثيراً من المال.. الإسهام النفسي والإسهام الروحي والإسهام العاطفي والإسهام الخدمي وغيرها من أشكال الإسهامات التي تصبح الحياة بها أكثر ألقاً وإشراقاً وجمالاً، فهي بذلك تصبح جديرة بأن تُعاش، ونحيا فيها وبها.. وهكذا تصبح الحياة أكثر إنسانية. فهي محاولة لـ (أنسنة الحياة).. ودعوة الأخ رئيس مجلس الإدارة الأستاذ “الهندي” جديرة بأن تجد المساعدة والمعاصرة والسند، وهي النزول للبسطاء والفقراء في أحيائهم وقراهم، وتقديم يد العون لهم.. وليبدأ الأطباء بالمساجد تعميقاً لتجربة الدكتور “زهير” وآخرين لا نعلمهم، ونقلاً لتجربة الإسلاميين في مصر في العيادات شبه المجانية في المساجد. فهذا وقت مساعدة المحتاجين والمساكين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية