"غندور": العلاقات ظلت تتأرجح وشواهد تدل على تخفيف الحصار الأمريكي
العلاقات السودانية الأمريكية في مائدة التشريح
المجهر- ميعاد مبارك
العلاقات السودانية الأمريكية كانت موضوع الندوة التي عقدت في مركز دراسات المستقبل ظهيرة أمس (الخميس) والتي كان من المخطط لها أن تكون مغلقة، إلا أنها شهدت حضوراً كثيراً للإعلام والمهتمين بملف العلاقات السودانية الأمريكية، والذي جعل المتحدث الرئيس في الندوة وزير الخارجية “إبراهيم غندور” يبدي تحفظاً واضحاً حول المسألة، ويقتضب في حديثه حول العديد من الملفات، مؤكداً أن العلاقات بين السودان والولايات المتحدة تشهد تقدماً مهماً رغم أنه قال: (إن السياسة الأمريكية قد تجعلك تقوم ولكن لا تمنحك مساحة للوقوف)، مضيفاً أن تحسين علاقة السودان بأمريكا لن تكون على حساب علاقته بالصين وروسيا. وأكد أن علاقة السودان بدول الجوار والمنطقة العربية والأفريقية تمثل أولى الأولويات. وأثنى الحضور على كثير من ما قاله الوزير متناولين عدداً من الملفات التي ظل وزير الخارجية يحاول تضييق الحديث حولها، كما أعاد القيادي الجنوبي “عبد الله دينق” ملف العلاقات مع إسرائيل إلى طاولة النقاش، مطالباً السودان بتسليم مسألة النفط لأمريكا حتى ينال السودان رضاها، كما كان مسار اتفاق الجميع أن العلاقات مع أمريكا لابد منها في كل الأحوال، من أجل تقدم البلاد، وأن السودان ليس بالشريك القليل وإنما يلعب دوراً مهماً وفاعلاً في المنطقة، كما أثير موضوع الحصار الاقتصادي الأمريكي وآثاره على التحاويل المصرفية السودانية في كل العالم.
وأكد “غندور” أن العلاقات السودانية الأمريكية ظلت تتأرجح على مر الأيام دون أن تكون ثابتة، كما هي سياسة الولايات المتحدة تجاه الكثير من الأقطار. وأضاف(هذا يوضح أن البعد الإستراتيجي في العلاقة مع السودان غير موجود، وكلنا نتذكر أن العلاقة تأرجحت ما بين علاقة داعمة أيام المرحوم “عبود” إلى علاقة أشبه بالعداء والتحرش بعد الانتفاضة(85)، مؤكداً أنه بعد الإنقاذ بدا الاهتمام بالسودان واضحاً ولأسباب كثيرة، وأهمها وهو قضية الجنوب. والمتابع لمجريات السياسة في الولايات المتحدة في الفترة منذ العام 1996، يجد أن اللوبي التابع للحركة الشعبية برز، والذي تابع بعدها حتى الانفصال. وفي تلك الفترة برزت مجموعة الأربعة التي عملت على انفصال الجنوب منذ بداياتها، بقيادة “روجر ونتر” و”سوزان رايس” و”برندارت غاتس” وآخرين انضموا لهم، معللاً دخول العلاقات بين البلدين منطقة الاهتمام في تلك الفترة التي يرى “غندور”، أنها شهدت بداية وضع الولايات المتحدة إستراتيجية واضحة للتوجه نحو أفريقيا، ومصالح الولايات المتحدة في قضايا النفط والسلم العالمي والتهديدات التي تحدث لمرور النفط ومنابع النفط الجديدة في غرب أفريقيا، من دارفور في غرب السودان وصولاً لخليج غانا بنسبة (25%) من نفط العالم الذي كان وقتها اكتشف أو سوف يكتشف في السنوات القادمة. وأضاف “غندور” أن الحديث حول قضية العداء مع إسرائيل واتهامات دعم حماس وخلافه من القضايا التي شكلت السياسة الأمريكية تجاه السودان، بالإضافة للوبي القوي للحركة الشعبية في مقابل التحرك الحكومي، والتشويه المنظم لصورة السودان، مؤكداً أن اللوبيهات المعادية في أمريكا تمثل ملفات ضاغطة في الانتخابات الرئاسية ومع نواب الكونغرس، موضحاً أن مجريات الأمور كلها كانت عبارة عن تجهيز الصليب لصلب السودان من كل الاتجاهات، وبالحصار الاقتصادي في (97) وضرب مصنع الشفاء والعداء والخنق، متهماً بعض الأطراف السودانية والتي قال، إن بعضها موجود في الداخل والبعض موجود داخل قاعة الندوة.
بعد انفصال الجنوب
وواصل “غندور” في سرده لخط سير العلاقات السودانية الأمريكية (أنه بعد محطة انفصال الجنوب والتي لو تذاكت من وجهة نظره الحكومة وقتها كان يمكن حلحلة القضية، ولكن حدث الأمر وانفصل الجنوب) والضغط الأمريكي أصبح أقوى ولم يتراجع بعد انفصال الجنوب، كما هو متوقع ولم يتحسن كما هو مطلوب.
السودان الدولة الأفضل في التعاون مع أمريكا ضد الإرهاب
خارطة طريق غير مكتوبة
وأوضح “غندور” أن زيارته في العام 2015 للولايات المتحدة كمساعد للرئيس ورئيس الحزب وقتها، مثل أول حوار مباشر على مستوى وزارة الخارجية أو البيت الأبيض، وحديث صريح حول إلى أين نريد أن نمضي، وكانت الرغبة واضحة في إقامة علاقات طبيعية مع السودان، وقيلت بوضوح شديد في كل الاجتماعات، وما كانت خجولة كانت واضحة، السودان دولة تتمتع بموقع مهم في محيط متقلب وهائج بوجود حركات إرهابية. والسودان لا زالت فيه حكومة ممسكة بزمام الأمور ومبادرة في الإقليم وبالتالي بهذه الأهمية دولة تربط الشرق بالغرب وأفريقيا جنوب الصحراء مع الوسط والجنوب، بالتالي يرغبون في التعاون والتعامل معها وبالمقابل نحن نرغب في التعاون والتعامل مع أكثر الدول فعالية في العالم وفي السياسة الدولية، وفي هذا الأمر قررنا أن نمضي في خارطة طريق غير مكتوبة والتي يرى “غندور”، أنها كانت بوابة انفتاح للحوارات والربط بين سفارة السودان ومراكز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكداً أن هنالك عملاً كثيفاً جداً بين البلدين، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها البعض والذين يتخيلون. وقال(نحن لا نحمل عصا موسى التي تبتلع كل الأفاعي)، موضحاً أن الأمر ليس بسيطاً وذلك بناءً على طريقة اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وطبيعته غير المركزية والسلحفائية والمتأثرة باللوبيهات والأمن القومي والبنتاغون والكونغرس وغيرها.
الحصار الاقتصادي
وأبدى “غندور” استغرابه من الذين يسعدون لرفع الحصار الاقتصادي الجزئي، في حين أن التحويلات المصرفية السودانية محاصرة تماماً، مؤكداً أن الإزالة الجزئية مجرد تعمية.
أبناء السودان العاقون
وقال وزير الخارجية (من المؤسف أن أكثر الناس سعياً وراء إبقاء الحصار هم بعض أبناء السودان العاقون، وأنا من أول زيارة لقيت سبقتني مظاهرات وخطابات أنه يجب ألا يستقبل، ولكن من الجيد أن متخذ القرار الأمريكي لا يرضخ لأي جهة إنما لديه حساباته الخاصة .
وقت للدبلوماسية الشعبية
وأكد “محمد المعتصم حاكم” من مجلس الصداقة الشعبية دائرة أوربا وأمريكا، أنه في الشهور الماضية شهدت السياسة الأمريكية السودانية اعتدالاً مشهوداً، موضحاً أن ما خلق موقفاً شعبياً ضد السودان هو غياب وجهة نظر الحكومة السودانية، في ظل وصول قوي لوجهة نظر المعارضة، مشدداً على أن الدبلوماسية الشعبية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تطوير العلاقات الشعبية، بنقل وجهات النظر للولايات المتحدة وتصحيح الفهم الخاطئ للكثير من القضايا، كقضية دارفور التي تدور حولها كثير من المفاهيم الخاطئة والمعلومات المنقوصة.
هنالك انفراجة يجب الاستفادة منها
وقال السفير “عبد الباسط السنوسي” (هنالك روح تشاؤم عامة تجاه العلاقات السودانية الأمريكية، لكن هنالك أسباباً موضوعية تجعلنا نتحدث عن ما الجديد في العلاقات بين البلدين، ولتوضيح مدى جدية هذه المسألة)، موضحاً أن من أسباب التفاؤل صمود السودان في ظل وجود حكومة قوية وراكزة في ظل تفشي الإرهاب في المنطقة، وما يحدث في جنوب السودان وتحول موازين القوى في العالم، حيث يحدث ما يشبه التوازن الدولي ببروز روسيا والصين كدول تسعى لخلق تحالف خفي، مشدداً أن على السودان استغلال الموقف لخلق علاقات إستراتيجية بين روسيا والصين، موضحاً أن أمريكا لا تسعى لتطبيع في هذا الوقت مع السودان لسواد عيونه، ولكن بناءً على معطيات سابقة.
وأكد “السنوسي” أن هنالك انفراجة يجب الاستفادة منها لأجل مساعي رفع العقوبات والتي قد يكون مسارها طويلاً للأسف.
أزمة القطاع المصرفي
وتحدث بعض الحضور من المصرفيين عن الأزمة التي يواجهها القطاع المصرفي والخاص في السودان بسبب الحصار الاقتصادي ومنع التحاويل البنكية، موضحين أن العقوبات الاقتصادية التي فرضت منذ العام1997 خلقت تحفظات في البنوك العالمية والعربية، تجاه التحويلات من وإلى السودان خوفاً من السقوط في دائرة الغضب الأمريكي، وعقوباتها والغرامات الكبيرة التي تفرضها على البنوك السودانية. ونادى المتحدثون ببحث السودان عن أبنائه البارين في أمريكا وتفعيلهم في خدمة المصالح السودانية، مؤكدين أن أمريكا في حاجة لعلاقات مستقرة مع السودان .
ملف إسرائيل والنفط
الناشط الجنوبي”عبد الله دينق” أثار الحديث حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وملف النفط الذي يستلمه من أسماهم بني الأصفر وإعادة زمام النفط للأمريكيين.
لن نرهن علاقاتنا مع طرف في مقابل طرف آخر
وقال “غندور” (تدور رسائل واتصالات مباشرة وغير مباشرة عبر القنوات المختلفة بين أمريكا والسودان). وأضاف (نكون أخطأنا لو تحدثنا عن علاقاتنا مع روسيا والصين مقابل أمريكا، يجب أن نراهن على علاقات ممتازة مع الجميع، ولدينا إستراتيجيتنا حول علاقات ممتازة مع جيراننا وهذه أولى أولوياتنا)، مؤكداً أن علاقات السودان الآن هي الأفضل من أي وقت مع جيراننا ومحيطنا العربي والأفريقي. وأضاف “غندور” رداً على إصرار بعض الحضور، أنه يمكن النقاش والنظر في ملف العلاقات مع إسرائيل.