تقارير

كادقلي بين الصيف العسكري الساخن والخريف السياسي الماطر

اللواء “عيسى أبكر”: قطاع الشمال انتهى عسكرياً
جنوب كردفان – يوسف عبد المنان
لافتة كبيرة لمحل ترحيلات بالقرب من سينما كادقلي كتب عليها (ترحيلات الجبال طروجي الريكة شرك الغزال البرام والمساكين).. المحل مغلق، لكن اللافتة تجذب الزوار بأن الترحيلات بالبص والأتوس والحافلات الصغيرة.. كلما مررت أمام المحل في زياراتي المتقطعة لكادقلي في الفترة الأخيرة أجده مغلقاً ربما مات صاحبه.. أو رحل مع التمرد جنوباً.. أو فرضت عليه (الكتمة) أي الحرب التي اندلعت قبل خمس سنوات النزوح شمالاً.
والمناطق التي كانت سيارات الأتوس والحافلات والبصات تجوبها في ريفي البرام أصبحت مناطق لا يمكن الوصول إليها.. فالحرب مزقت أحشاء جبال النوبة وباعدت المسافات مثلما (السكة الحديد قربت المسافات) في الزمان الذي مضى.. وبالمناسبة ما بين القوسين مسرحية عرضت في مواسم الخصب الثقافي بالمسرح القومي بأم درمان كتبها الرائع “عبد الله علي إبراهيم”، وتتداعى للذاكرة صورة تلك الأماكن (البرام وطروجي والريكة والتيس) وقد أصبحت بعيدة جداً وهي تحت سيطرة التمرد منذ خمس سنوات، وينظر إلى كادقلي وهي تخرج يوم (الاثنين) الماضي في  ثوب المنتصر والمتحفز والقوات المسلحة تستعرض جاهزيتها القتالية ومئات المقاتلين من أبناء جبال النوبة كتائب لأبناء هيبان (مورو عطرو) (تبرأ) (ليرا) وكتائب لأبناء البرام (شات الدمام وشاتا الصفيا واللقوري) وكتائب من أبناء (كرنقو عبد الله) تتأهب لتخوض معركتها في جغرافية مألوفة لديها تعرف تفاصيلها، أوكارها ومخابئ التمرد.
ولأن اللواء “ياسر العطا” من المؤمنين بمقولة (أبو القدح بعرف مكان بعضي أخوه) وأبو القدح هو ذلك الحيوان البرمائي يكتسي ظهره بطبقة من العظم الصلب فاختصه الله بحماية من عنده تجعل موته يحتاج لمشقة ومعرفة بأماكن ضعفه.. وهكذا التمرد في جبال النوبة لا تهزمه البندقية الحديثة ولا الدبابات ولا الطائرات، لكن تهزمه البندقية التي لها قضية وإحساس بأن التمرد (أضر) بإنسان المنطقة وتقدمها.. لذلك كان الجنرال “جقود مكوار” الأسبوع الماضي ينهي جولة في جبال النوبة، لكنه مرعوب جداً من أبناء النوبة الذين وضعت فيهم القيادة العسكرية والسياسية الثقة وجعلت حرب الصيف الأخيرة مسؤوليتهم.. وما طواف “الطيب حسن بدوي” الأخير في جبال النوبة إلا جزء من عملية سياسية وعسكرية ستسقط صخرة من أعلى قمة على رأس التمرد إن هو تمادى في رفض المعروض من الحلول.
{ ثقة الجنرال د. “عيسى”
حينما وصلنا كادقلي مساء (الأحد) الماضي وحط وفد صحافي كبير جداً لم يزر مثله الولاية منذ مغادرة مولانا “أحمد هارون” لها، الجنرال “عيسى آدم أبكر” قدم الدعوة لقيادات اتحاد الصحافيين “الصادق الرزيقي” و”أسامة عبد الماجد” و”أحمد الشريف عثمان” و”صلاح عمر الشيخ” ومن خارج الاتحاد كان “شوقي عبد العظيم” ابن منطقة كالوقي و”الطاهر ساتي” و”إبراهيم عربي” و”محمد أحمد الكباشي” و”التجاني السيد” والمشاغب “خالد أحمد” وآخرين من الزملاء.. تحدث الوالي “عيسى أبكر” بثقة متناهية بأن الحرب قد تقاصرت أيامها وأن قطاع الشمال اليوم في أضعف حالاته، واليوم الذي تنتهي فيه المهلة الحالية لوقف إطلاق النار، إذا لم يجدد الرئيس الهدنة مرة أخرى وأطلق يد القوات المسلحة، فالتمرد في جنوب كردفان سينتهي.
وأضاف اللواء “عيسى أبكر”: (أنا أعرف ما يحدث.. لدينا من إمكانيات الرصد والمعلومات ما يجعلنا نحدد أية دبابة للتمرد تختبئ الآن وكيف نتحرك.. صدقوني يا أخوتي إذا تحركت قواتنا نحو المتمردين سنقضي عليهم في سبعة أيام تنقص ولا تزيد.. الآن كتائبنا جاهزة وقائد الفرقة اللواء “ياسر العطا” أسند إليه الرئيس قيادة المنطقة لأنه يعرف معدنه.. وبعيداً عن شجاعته فهو قائد موفق جداً في العمليات التي خاضها بالجنوب في السابق وكنت معه وأعلم مقدار التقدير الذي يجده من الجنود والضباط).
وحينما سألت (المجهر) الوالي د.”عيسى” عن الوعد الذي قطعه من قبل لمواطني محلية الدلنج بفتح طريق (الدبيبات- الدلنج) ليلاً وجعل الحركة منسابة طوال ساعات اليوم.. اعترف اللواء “عيسى أبكر” بذلك الوعد، لكنه أعطى تفسيراً لعدم فتح الطريق ليلاً، الذي يحتاج فقط لعمليات تأمين محدودة والقيام بعملية خاطفة للقضاء على وجود المتمردين في مناطق الصبي شمال غرب الدلنج.. تقديرات القيادة العسكرية أن ننظف المنطقة تماماً و(نريح ونستريح) من التمرد وإعلان وقف إطلاق النار من أجل تنفيذ تلك الخطة.
وحينما سأل “كندة غبوش” الذي يجمع بين هيئة علماء السودان ومهنة الصحافة عن مؤتمر الحوار (النوبي النوبي) وقد توقع الكثيرون أن يعلن الوالي تحفظه على عقد ذلك المؤتمر خاصة وهناك أصوات من أبناء النوبة تعارض المؤتمر ليس من ناحية مبدئية، لكنها تؤيده إذا كان يقف على إجراءات عقده “فلان” وترفضه لوجود “علان”.. قال اللواء “عيسى” إن مؤتمر الحوار (النوبي النوبي) لم يحدد بعد، وإذا حدد له أجل ومكان فإنه كوالٍ يدعم قيام المؤتمر ويسنده ومستعد لتنفيذ مخرجاته، وأضاف: (لا أرى مشكلة مطلقاً أن يجتمع أهلنا النوبة أو البقارة ويبحثون في شؤون تتعلق بهم، والحكومة الآن تعقد مؤتمراً للحوار بقاعة الصداقة يتحدث فيه الناس عن كل شيء، ما الذي يجعل عقد مؤتمر الحوار “النوبي النوبي” شيئاً مرفوضاً.. نحن مع خيارات الأهل، والقيادات التي جاءت من الولايات المتحدة الأمريكية لا تعبر عن رؤية أمريكية، هي قيادات أصيلة تطرح آراء سياسية يتفق معها الناس أو يختلفون، إلا أن “أزرق زكريا” و”محمد أبو عنجة” و”أمين بشير فلين” قيادات لها قيمتها ووزنها).
{ أحداث العباسية
سيطرت في الفترة الأخيرة على وسائط التواصل الاجتماعي أخبار مدينة العباسية وخروقات واعتداءات على المواطنين من قبل بعض القوات النظامية التي وصلت المنطقة في الفترة الأخيرة.. وطالبت الحركة الشعبية بتكوين لجنة تحقيق دولية عن ما حدث في العباسية، لكن “عبد العزيز آدم الحلو” أصدر بياناً بصفته نائباً لـ”مالك عقار” تحدث فيه عن الأوضاع في العباسية والجنينة التي مثلت باعثاً جوهرياً لإصدار “الحلو” لبيانه الأخير وهو المشهور بالصمت حتى في لحظة يكون فيها الحديث فرض عين.. فهل حفزته الأوضاع في الجنينة ليقول كلمته ووجد حرجاً في صرف النظر عن العباسية؟؟
الوالي “د.”عيسى آدم أبكر” ينظر بعين أخرى للحدث ويقول: (ليس هناك حتى سبب يجعلنا نصدر بياناً للرأي العام عن مشاجرة وقعت بين جنوبيين لعبت الخمر برأسيهما، وأطلق أحدهما النار على الآخر فأصابه في بيت بأطراف مدينة العباسية، صاحبته تصنع الخمر.. وطوقت الشرطة المكان وألقت القبض على العسكريين المخمورين، وأثناء ذلك اعتدى أحدهما على مواطنين ونهب منهم جهازي هاتف.. هل مثل هذا الحدث يستحق إصدار بيانات من القوات المسلحة أو حكومة الولاية؟؟)، وأضاف: (لم نجد للحدث في العباسية مساحة في وسائط الإعلام باستثناء “قروبات واتساب” خاصة بأبناء جنوب كردفان وعددنا الأمر “ونسة” وانتهت ونحن لا نرد على “الواتساب”).. وفي السياق نفسه يقدم الصحافي “داوود أبو كلام” روايته لـ(المجهر) وتبدو متطابقة مع رواية الوالي، إلا أن “أبو كلام” يقول إن الحركة الشعبية (خانقة) عليه لأنه استطاع التوغل في مناطق كانت تسيطر عليها، واستمال بعض قيادات الحركة وربما الإشارة هنا لمدير مكتبه الصحافي السابق بـ”أجراس الحرية”، وأحد المقربين من “عبد العزيز الحلو” وقد أصبح اليوم نقيباً للصحافيين بجنوب كردفان.
بينما استبعد الصحافي “الغالي” أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني وكذلك استبعد د. “علي إبراهيم” أستاذ الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية، وقد جرت الانتخابات الخاصة باتحاد الصحافيين الفرعية في حضور النقيب المركزي “الصادق الرزيقي” الذي رفض أن يجمع “داوود أبو كلام” بين النقابة والمحلية، حيث كان مرشحاً لمنصب نائب النقيب وهو المؤسس لهذا الاتحاد الفرعي والقائم على رعايته، ويبلغ عدد الصحافيين بجنوب كردفان نحو (25) صحفياً.. إلا أن هناك أكثر من (15) صحفياً آخرين لم يحصلوا على القيد الصحافي، لذلك فاتهم قطار الاتحاد الفرعي.. وبدت “رقية عبد الرحمن هارون” ابنة الشهيد “عبد الرحمن هارون” ناقمة على الطريقة التي اتبعت في استبعادها من الجمعية العمومية بحجة عدم تجديد البطاقة الصحافية.. وهي من المواهب النادرة التي أبعدتها من فضاء الصحافة الورقية التزاماتها الوظيفية في الولاية.
{ ميناء بري وطرق ومياه
حينما غادر مولانا “أحمد هارون” كادقلي متوجهاً صوب الأبيض لم تودعه كادقلي بما يليق به، لكنها تحفظ له تلك العمارات السامقة والمشروعات التي تعطلت بعد خروجه، وجاء اللواء “عيسى أبكر” وهو رجل دولة جدير بالاحترام لثقته في نفسه وهو يقول إن الإنشاءات التي تمت في عهد “هارون” هي إنشاءات حكومة السودان وإنجازات للمؤتمر الوطني، وأولويات حكومتي (أن نستكمل مشروعات “هارون”)، وبذلك ارتقى الوالي في عين المنصفين لكنه زاد عليها بمشروعات المياه في المدن الثلاث الكبيرة (كادقلي، الدلنج وأبو جبيهة)، وأمس الأول أطلق البص السياحي (رواء) صافرة الانطلاق من الميناء البري الذي ظل معطلاً لسنوات.. والوالي “عيسى” انفق عليه نحو (15) مليون جنيه، فأصبح أجمل ميناء بري في السودان.. صالات حديثة تكييف مركزي مقاعد وثيرة.. وفي ذات اليوم افتتح الوالي وزارة التخطيط العمراني والصحة والشؤون الاجتماعية، هذه الوزارات كانت أعمدة خرسانية اتخذها الحمير والأبقار ظلاً يقيها حرارة شمس صيف كادقلي الساخن.. لكنها اليوم واجهات عمرانية حديثة أجمل من كل الوزارات الاتحادية في الخرطوم والوزارات الولائية.. وسيارات حكومة الولاية تعبر المدينة من شمالها إلى جنوبها، وأول الشوارع التي بدأت سفلتتها هو طريق (السلامات- السوق- قيادة الفرقة) بطول (6) كلم.. أنفقت عليه وزارة المالية.. واتجهت السيارات جنوباً لتعيد لأمثالنا تلك الأيام التي مضت، ولا يعرف متى تفتح الطرق حتى تمتد رحلتنا بطريق (الحمرة) و(أم شعران) و(الروصيرص) إلى (المساكين) الطوال والقصار، والعمدة “محمد وديع” ظل حزيناً دامعاً لسيطرة التمرد على تلك المناطق.. شرق قيادة الفرقة توقف ركب والي جنوب كردفان لافتتاح مشروع المياه الجديد، حيث تم حفر (13) بئراً وتشييد أحواض ضخمة، وامتدت المواسير بطول (37) كلم تشرب كادقلي مياهاً نقية وتم حل مشكلات المياه نهائياً، وكذلك الحال في الدلنج وأبو جبيهة وتلك من المشكلات التي ظلت تعاني منها جنوب كردفان.
{ أين تذهب عائدات الذهب؟؟
لم يخف الوالي في حديثه للصحافيين بالقاعة الحمراء بحكومة جنوب كردفان الذي امتد منذ الساعة الثامنة مساءً وحتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، لم يخف غضبه الشديد على إهدار موارد الدولة وتهريب الذهب من ولايته لجهات غير معلومة، وأين ذهبت الأموال التي كان يفترض أن تدخل خزينة جنوب كردفان من عائدات بيع مخلفات الذهب المعروفة بـ”الكرتة” التي أثارها الصحافي “شوقي عبد العظيم” في المؤتمر الصحافي بصفته من أبناء المنطقة التي تنتج الذهب (كالوقي).. قال الوالي إن إنتاج الذهب غير معلوم مطلقاً لكن في منجم واحد هناك (14) ألف مواطن يعملون ليل نهار وأعداد كبيرة من التجار يبيعون الذهب، لكن نحن لا نعرف شيئاً أين يذهب هذا الذهب وما هي الجهات التي تستفيد منه؟؟ لذلك- يقول- أصدرنا قراراً تمت شرعنته من مجلس الوزراء والمجلس التشريعي حدد نصيب الولاية من الذهب بـ(20%) لو استطاعت الولاية أن تتحصل عليها فإن ذلك من شأنه تغيير وجه جنوب كردفان لتصبح من أغنى الولايات.. وفي الملف المالي أيضاً سأل “التجاني السيد محمود” عن تركة الديون المثقلة التي وجدتها حكومة الولاية، فقال اللواء “عيسى آدم أبكر” إنها ديون بسبب مشروعات تنموية في الولاية، وقدرت الديون بمبلغ (207) مليار جنيه تكفلت الحكومة الاتحادية بدفعها جميعاً، والآن تم دفع القسط الأول منها (100) مليون، وهناك شركات نالت (50%) وأخرى دفعت لها كل مديونياتها.. لذلك الديون السابقة لا تشكل لنا مشكلة كبيرة، نحن الآن انطلقنا في تشييد المدارس والمستشفيات، وعازمون على تغيير وجه المدينة.. انظر إلى الشوارع اليوم التي تم تركيب الانترلوك بها لأننا نسعى لجعل كادقلي مدينة نظيفة وسياحية في القريب العاجل.
{ إحياء المندثر
كانت احتفالية ولاية جنوب كردفان يوم (الاثنين) الماضي حدثاً مهماً.. وقد خرجت المدارس والقوات النظامية تجوب طرقات المدينة احتفاءً بمرور الذكرى الـ(60) للاستقلال، وقد اندثرت احتفالات الاستقلال في كثير من مدن وولايات السودان وأصبحت الاحتفالات نمطية جداً، خطاب بارد للرئيس بالقصر الجمهوري.. وأناشيد ترددها الإذاعة وصور “الأزهري” في صفحات الجرائد وإجازة تتماهى مع ليلة رأس السنة التي تسهر فيها المدن على أنغام الموسيقى، بينما الاستقلال لا يذكره أحد.. لكن كادقلي رغم ظروفها وقلة مواردها كانت همتها أن تحتفل بعيد الاستقلال.. خرج طلاب المدارس والطالبات وفرق الفنون الشعبية وموسيقى الجيش، وموسيقى بوليس كادقلي التي كانت من أفضل الفرق الموسيقية في السودان، وفاض ميدان الحرية بالجماهير وهي أيضاً رسالة للرأي العام بأن حكومة الولاية هناك قطاع عريض من المواطنين يدعمها وله فيها أمل.. وقد تحدث رئيس المجلس التشريعي “السر عبد الرحيم توتو” و”علي أحمد دقاش” وزير الزراعة ورئيس اللجنة العليا مؤكدين أهمية مثل هذه المناسبات وأثرها في نشأة الصغار على حب الأوطان وتقديس ذكرى الاستقلال.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية