رئيس إدارة مكافحة الثراء الحرام مولانا "أحمد عبد العاطي" في حوار الساعة (2-2):
{ ما هي الملفات الأخرى التي (تقبع) أمامكم الآن، بخلاف ملفات المعاملات الربوية التي تحدثت عنها؟
– هناك مسألة مهمة جداً لابد من الإشارة إليها للإجابة على سؤال: (كيف نتلقى ملفات قضايا الثراء الحرام للنظر فيها؟!)؛ وهي مسألة (الإحالة).. نحن لدينا إدارة تتلقى ملفات القضايا إما بتلقّي الشكاوى من المواطنين مباشرة. وإما أن تُحال إليها من النيابة، وإما من المحكمة، وإما من وزير العدل. فهذه الجهات الثلاث هي التي تحيل القضايا إلينا بالاختصاص. ولدينا فقرة أخرى في القانون، هي أن تسعى إدارة الثراء الحرام من تلقاء نفسها للتحقيق في أي معلومات ترد إليها، ولا تكتفي بانتظار الإحالة من تلك الجهات. وهذا الجانب تحديداً كان أحد الإشكالات التي طرحناها على الوزير في اجتماعه الأول معنا، وطالبنا بتفعيلها.
{ وكيف يتم تفعيل هذا الجانب، وألا ترى بأنه يمثّل عصب عمل هذه الإدارة؟
– نعم هذا الجانب مهم جداً في عمل الإدارة، وتفعيله في رأيي يكون بضرورة التواصل مع الجهات التي تمتلك معلومات متعلّقة بالنشاط المشبوه وغيره من النشاطات الخفية. وأكثر جهة تمتلك مثل هذه المعلومات هي (الأمن الاقتصادي). وأوضحنا للوزير ضرورة تفعيل العمل مع جهاز الأمن، وبالفعل بادرنا بالاتصال والذهاب إليهم، ووجدنا منهم تعاوناً كبيراً، وأوضحوا لنا بأن كل المعلومات في هذا الجانب هم يقومون أصلاً برصدها، لتجنيب الدولة من الوقوع في أي أخطار اقتصادية، ولكن ما يشكل منها جريمة، فلا مانع لديهم من إحالتها لوزير العدل؛ ليحيلها بدوره إلينا. والوزير أكد لنا أنه يفكر في عمل ملحقية للأمن الاقتصادي بإدارة الثراء الحرام، يكون لها (لينك) وتواصل مع إدارتها، ويكون لها علم بأي ملفات لدى الأمن الاقتصادي يكون لها علاقة بالثراء الحرام، ونتناقش معها حولها، ثم بعد ذلك تطلب إحالتها إلينا.. وهذا في رأيي هو الجانب الأهم في مسألة التفعيل التي قصدها الوزير، فإذا كان من حق إدارة الثراء الحرام أن تسعى من تلقاء نفسها للتحري في كثير من قضايا الثراء الحرام والمشبوه؛ فلابُد من أن تلجأ للجهات التي تمتلك المعلومات المتعلقة بالمخالفات، وهي جهات عديدة من ضمنها الأمن الاقتصادي، والمباحث الجنائية وغيرها.
{ تفعيل هذا الجانب، هل هو جديد؟ ألم يكن موجوداً بالإدارة من قبل؟
– لا ليس جديداً.. هذا الجانب كان موجوداً عندما تقلدت مهام الإدارة في فترة سابقة، وكانت المعلومات في تلك الفترة تأتينا من عدة جهات.. وأصلاً المعلومات التي تبني عليها، تأتي إما عن طريق الشكوى من المواطنين، وإما من تقارير المراجع العام، وإما تقارير الأمن الاقتصادي، وكانت المشكلة أن تلك الجهات ترفع تقاريرها لجهاتها مباشرةً، ولا تصلنا صورة منها، لذلك جاءت الفكرة بعمل (لينك) مع الأمن الاقتصادي، وأيضاً مع ديوان المراجع العام، وتكون هناك (وحدة) لكل منهما بهذه الإدارة، ويكون هناك مثلاً موظفون من الديوان موجودون معنا، تتم الاستعانة بهم في القضايا التي تتعلق بالاعتداء على المال العام.
{ هل تعتقد بأن قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه المعمول به حالياً، فعّالٌ بما يكفي لحماية المال واسترداد العام؟
– هذا سؤال مهم جداً، استطيع أن أقول إن هذا القانون (قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لسنة1989 تعديل 96).. إذا قرأت المذكرة التفصيلية له وقرأت مواده، ستجد أنه صحيح هو قانون عام، يشمل المال العام والخاص، ولكنه يستهدف في المقام الأول الوظيفة العامة، والسلوك الوظيفي العام، لذلك ورد في تعريفه للثراء الحرام بأنه: (كل مال يتم الحصول عليه من المال العام بدون عِوض، أو بالغبن الفاحش، أو بالمخالفة لأحكام القانون.. أو بالمحاباة في الوظيفة العامة.. أو بالهدية المقدّرة التي يأباها العرف.. أو نتيجة للمعاملات الربوية المخالفة للأصول). كما عرّف الثراء المشبوه بأنه: (كل مال يطرأ على أي شخص، ويعجز عن بيان أي وجه مشروع لاكتسابه).. وهذا القانون فضفاض جداً، لذلك يعتبر النظر في قضايا الاشتباه تحديداً، أمر حساس جداً، ولابد من التعامل فيه بتوازن، ما بين الحرص على استرداد المال العام و الخاص، وفي نفس الوقت عدم اخذ الناس بالشبهات.
{ (أموال البنوك الخاصة) هل تُصنّف باعتبارها مالاً عاماً، أم مالاً خاصاً؟
– أموال البنوك تُعبر أموال عامة، لأنها أموال مودعين، أودعوها في بنك لا علاقة له بالحكومة، ولأغراض القانون الجنائي هي تعتبر أموالاً عامة، وليست أموال البنك..
{ وهل يطالها قانون الثراء الحرام بوصفها مالاً عاماً؟
– نعم.. يمكن للقانون أن يطال أموال البنوك إذا حصل تعدٍّ عليها، باعتبارها أموالاً عامة لكنها ترد لأصحابها، ونتخذ فيها الإجراءات باعتبارها تعدياً لأشخاص، ويدخل في هؤلاء من يأخذون قروضاً من غير ضمانات مثلاً ويهربوا وهكذا..
{ ألا يلزم قانون الثراء الحرام موظفي البنوك بتقديم إقرارات الذمّة ؟
– هناك مادة في قانون مكافحة الثراء الحرام، هي المادة (9/1 ه)، تتحدث عن أن وزير العدل بالتشاور مع الوزير المختص أو الوالي؛ يمكن أن يحددوا فئات غير الفئات المذكورة في القانون، يروا أنها يمكن أن تقدم إقرارات ذمّة. ونحن قبل فترة أوضحنا أن من يدخل تحت تلك الفئات هم، كل الموظفين الحكوميين المسؤولين عن العُهَد المالية، سواء أكانت نقدية أو عينية، مثل أمناء المخازن، والصرّافين. بالاضافة إلى مديري إدارات الاستثمار بالبنوك الخاصة والعامة، والمسؤولين عن النقد الأجنبي بالبنوك. وتم عقد اجتماع حددنا فيه هذه الجهات المستهدفة، وقمنا بكتابة خطاب بتوقيع وزير العدل إلى وزير المالية، طالبناه فيه بتحديد أسماء موظفيه بالوزارة المختصين بالعُهَد المالية، وسنخاطب كذلك محافظ البنك المركزي. كذلك والي ولاية الخرطوم، وكل موظفي حكومته فيما يتعلق بالمحليات وغيرها، ممن لديهم عُهَد مالية، سيكونون ملزمين بتقديم إقرارات بذمتهم المالية..
{ مقاطعة: هل سيشمل إقرار الذمّة حتى صغار الموظفين بالمحليات؟
– نعم سيشمل أي موظف مهما كان صغيراً، وهذا الإقرار تحديداً ليس له درجة محددة. طبعاً معروف أن إقرار الذمّة العادي الذي نقدمه لشاغلي الدرجة الوظيفية الأولى فما فوق، الخاصة، ثم المدى الأول، والثاني وهكذا.. أما هذه الحالة فليست لها درجة، يمكن أن تكون في الدرجة الرابعة عشرة، وتُقدم إقرار ذمّة. ولأول مرة يتم تفعيل هذه المادة، وبالفعل شرعنا في مخاطبة تلك الجهات، وطالبناها بتقديم إقرارات الذمّة المالية، حتى نستطيع ضبط العمل.
{ ما يُثار حول موظفي المحليات من لغط وشبهات وسط المواطنين، يجعل عملكم في هذا الجانب كبيراً ومهماً، أليس كذلك؟
– هذه حقيقة، نحن بالفعل نتوقع أن يكون هناك عمل كبير في هذا الجانب، بالنظر لوجود المحليات وموظفيها وسط الناس والشعبيين بعيداً عن المركز، ويمكن أن نتلقى فيها كثير من الشكاوى من قبل المحتسبين، إذا لاحظوا أي مظاهر ثراء على هؤلاء الذين يقاسمونهم العيش في منطقة واحدة ويعرفونهم. والآن خاطبنا والي الخرطوم رسمياً ليعطينا أسماء كل موظفي ولايته، سواء أكانوا في المحافظات أو المحليات أو المعتمديات، في كل الدرجات الوظيفية، ويمدنا بذممهم المالية. ونحن نقوم بكل ذلك في إطار مظنة أن يكون هناك ثراء حرام.. صحيح قد يكون هؤلاء موظفون صالحون ولكن هناك أموالاً كبيرة نقدية وعينية تجري في أيديهم، لذلك نحن نطالبهم بعمل إقرارات ذمّة مالية مظنة أن يكون هناك فساد. وهذه المادة في حقيقة الأمر موجودة وعملنا فيها عدة دراسات من قبل، لكن هذه هي المرة الأولى التي نطبقها، على الأقل في الإطار المكتبي، وسنخاطب أيضاً كل الولايات عبر وزير العدل. والخطوة التالية بعد حصر تلك الاسماء ووصلها إلينا، سانقوم على الفور بتوزيع استمارات إقرار الذمّة عليهم لملئها. وتسهيلاً لتلك العملية وضعنا صورة من تلك الاستمارات على موقع الوزارة الالكتروني، حتى لا ينتظر البعض وصولها إليهم، ويقومون باستخراجها وملئها وتسليمها للإدارة.
{ هل يقوم الموظفون بتسليمها لكم بأنفسهم؟
– طبعاً، بل هم ملزمون قانوناً بتسليم الإقرارات وخلال فترة زمنية محددة. ومن يرفض تسليمها يعرض نفسه للعقوبة القانونية. وهناك مادة في القانون تتحدث عن تعرُّض كل من يرفض تقديم الإقرار، أو يقدّم معلومات خاطئة للعقوبة. الآن أمامي قرار تم نشره اليوم في الوزارة، يشير إلى أن كل من قدمنا لهم استمارات إقرارات ذمّة سنوية، من الوزراء والدستوريين، ولم يعيدوها حتى الآن، ستتم منحهم فرصة اسبوع لتقديمها، وإلا ستتخذ في مواجهتم الاجراءات القانونية. وقد أبلغ الوزير مجلس الوزراء بذلك الإجراء لإعلام الوزراء.
{ هل هناك حالات لموظفين صغار تقدّموا بإقراراتهم بالفعل، أو لحالات اعتداء على المال العام؟
– لدينا حالة عن موظف صغير جداً في جهة حكومية، ننظر في قضيته الآن، وصلتنا شكوى بالاشتباه حول أمواله، وبعد التحرّي ثبت أن لديه أموالاً كبيرة لا تتناسب مع وظيفته. صحيح أن هذا ثراء مشبوه، وصحيح أنه من الممكن أن يدفع بأنه كان يعمل في التجارة وهكذا.. ولكن أقول لو كان هناك إقرار بالذمّة المالية لهذا النوع من الموظفين، كان سيكون من السهل جداً عمل مقارنة ما بين ما كان يملك، وما حصل عليه بعد ذلك. طبعا قضية هذا الموظف وصلتنا عبر شكوى، لكن في الفترة المقبلة ستكون لدينا كشف بأسماء كل موظفي الدولة المختصين بالعُهد المالية، من أمناء مخازن وصرافين ومديري إدارات الاستثمار وغيرهم..
{ اختيار هذا التوقيت لتفعيل أداء إدارتكم، جاء متزامناً مع سياسات الدولة الاقتصادية الأخيرة، مما جعل البعض يربط بين الاجراءين؟
– لا أعتقد أن هناك أي علاقة بين الاثنين؛ فإجراءات تفعيل إدارة الثراء الحرام، كانت سابقة للمعالجات الافتصادية، وبدأت عملياً منذ العام الماضي، ثم أن الدافع وراء هذه المساعي ليس هو المال، صحيح أنها تعمل على استرداد المال العام إلى الخزينة العامة؛ ولكن الدافع الأساسي لتلك الإجراءات في اعتقادي هو الشعور بأن هناك مراقبة للمال العام، والشعور بأن هناك من تتم محاسبته. لذلك اعتقد ان ما نقوم به من ملاحقتنا للمسؤولين لتوقيع إقرارات الذمّة المالية، واستخدامها لمعاقبتهم بموجب القانون مهما كانت مكانتهم وزراء أو دستوريين؛ يؤدي بلا شك لأن يكون الموظف العام أو الدستوري أياً كانت درجته الوظيفية؛ حريصاً على أن هناك شخص رقيب عليه، يسأله عن ممتلكاته ويحاسبه، ويطلب منه تقديم إقرار ذمّة سنوي لكل ما طرأ على أمواله وممتلكاته.
{ كيف تتعاملون مع ما يُنشر بالصحف من وقائع عن قضايا فساد واعتداء على المال العام، وهي مصحوبة بالمستندات؟
– نحن لا نتعامل بصورة مباشرة مع ما يُقال في الصحف من كلام عام حول قضايا الفساد، لكن إذا حددت الصحف واقعة بعينها، فكما قلت لك فإن تلك القضايا تتم إحالتها إلينا إما عن طريق النيابة، وإما القضاء، وإما من وزير العدل، وإما من تلقاء نفسنا. فالصحف بالنسبة لنا توفّر أرضية من المعلومات يمكن أن نتحرك بناءً عليها، ولا نشترط وجود شاكي في تلك القضايا، بل يمكن لمحتسب أن يبلغ عن قضية ما دون أن يظهر في الصورة. كما يمكن أن تكون إدارة الثراء الحرام هي نفسها المُبلِّغ لدى النيابة، بناء على معلومات توفرت لها.
{ لكن الصحف تناولت قضايا مشهورة ومعروفة للجميع، مثل قضية الأقطان، وزهرة الشمس و…؟
– مقاطعاً: هذه القضايا جميعها تم تكوين لجان تحقيق لها من قِبل وزير العدل، لعجلتها والاهتمام بها ولضرورة سرعة البت فيها، وتكوين لجنة تحقيق يعني انك تعطيها سلطات وزير العدل، وكأنما عملت لها نيابة خاصة بموضوعها. واعتقد الآن أن قضية زهرة الشمس في طريقها للمحكمة، وقضية الاقطان لا زالت قيد التحرّي. والوزير أكد في حديثه معنا أن أي قضية متعلقة بالمال العام وتنظر فيها لجنة تحقيق؛ سيأتي بها مباشرةً إلى إدارة الثراء الحرام، وسيقوم بتفعيل عمل هذه الإدارة وتوفير الامكانيات لها لاستيعاب القضايا المختلفة، حتى لا يكوّن لجنة تحقيق لكل قضية أو موضوع، بل يحيله لجهة الاختصاص وهي الإدارة، وسنعمل فيه بكل الامكانات الموجودة لدينا.
{ وماذا عن قضية (سوق المواسير) المشهورة بالفاشر؟
– هذه القضية أيضاً كُوّنت لها لجنة تحقيق كبيرة جداً، شارك فيها عدد من وكلاء النيابة العاملين بالخرطوم وسافروا إلى الفاشر، واعتقد أنها قطعت شوطاً كبيراً جداً، وهذه اللجنة لم يكن مطلوباً منها التحقيق في القضية فقط؛ بل أيضاً أن تنظر في دعاوى التعويضات، وبالفعل عملت كلجنة لتعويض المتضررين بسوق المواسير.
{ الناس الآن في انتظار أن تؤتي هذه الإجراءات بإدارة الثراء الحرام ثمارها في أقرب وقت.. هل تعتقد بأن هذا سيتحقق؟
– أنا أؤكد لك بأن هذه الإجراءات أحدثت تفعيلاً كبيراً بالإدارة، ليس على المستوى الشكلي، بل انت شهدت بنفسك الآن الخطابات التي وجهناها لأول مرة إلى كل من وزير المالية، ومحافظ بنك السودان، ووالي الخرطوم، ونطلب منهم بأن يمدونا بأسماء الأشخاص المسؤولين عن العُهد النقدية والعينية، ومديري إدارات الاستثمار والنقد الاجنبي بالبنوك، حتى نخاطبهم ونمدهم بإقرارات الذمّة لملئها. هذه كانت من أول خطوات التفعيل وتمت بوجود الوزير معنا. واعتقد أن أكبر دفعة حدثت في هذا التفعيل هي الاتفاق على وجود ملحقية للأمن الاقتصادي، وأخرى للمراجع العام بهذه الإدارة، والاستفادة من هذا الجانب ستكون كبيرة، فيما يتعلق بتوفر المعلومات في الأولى، وسرعة المراجعة في الثانية، بعدم انتظار تقارير المراجع العام التي غالباً ما تتأخر. وبالمناسبة في العام 89 كانت هناك بالفعل ملحقيتان للأمن الاقتصادي، والمراجع العام، وقد استفدنا من تلك التجربة في تفعيلهما الآن.
{ كيف سيكون وضع إقرارات الذمّة بالنسبة لوزراء الحكومة المقالين؟
– أول شيء ينبغي أن يفعله هؤلاء هو تقديم إقرار ذمّة بنهاية الخدمة، ولابُد من تقديمه خلال شهر واحد من نهاية خدمتهم، وأسماؤهم أصلاً موجودة لدينا، وقد تقدموا بإقرارات ذمّة سابقة، وبعد مرور شهر إذا لم يتقدموا بإقراراتهم فالمادة موجودة في القانون، وعقوبتها السجن والغرامة.
{ تحدث وزير العدل عن عزمه نشر أسماء (الجوكيّه) في الصحف، هل تؤيد نشر تفاصيل قضايا الاعتداء على المال العام، أم تفضّل التعاطي معها بسرّية؟
– حسب علمي، فإن الوزير قال إنه سيطلب من البنك المركزي مدّه بأسماء (الجوكيّه)، ولا أدري إن قال سينشرها في الصحف أم لا!!.. ولكن في تقديري أن الإجراءات القانونية يفترض أن تُسهّل، كان هناك شيء متّبع في عدة جهات، ففي البرلمان مثلاً، كانت هناك تقارير لا تُعرض إلا في جلسات سرية، وهي التقارير المتعلقة بقضايا الأموال والبنك المركزي، والبنوك الأخرى، تأسيساً على ألا يتسبب الإعلان عن تلك التقارير في هز ثقة الناس في النظام المصرفي، واعتقد بأن المطالبة بعدم كشف أسماء الجوكيّه تحت مبرر الحفاظ على سمعة النظام المصرفي، اعتقد انها فرية يجب ألا يعتمد أحد عليها.. فكل شخص يجب أن ينال العقاب، والقانون يجب ألا يفرّق بين الناس، ويجب ألا يتدثر البعض بالتمسك بسرية المعلومات بدعوى ألا تنهار ثقة الناس في النظام الاقتصاد. فالسرية، وإن كانت موجودة في الحسابات وغيرها، لكن أن يطالب البعض بالسرية على أناس اعتدوا على مال عام؛ فهي لا معنى لها؛ لأن في الكشف عن هؤلاء ردعٌ لهم ولغيرهم.
{ هل تدخل العقود الخاصة (المليونية) التي توقّعها الدولة مع الخبراء الوطنيين، في دائرة الثراء الحرام والمشبوه؟
– بحسب المادة 6 من القانون، إذا تمّ الحصول على تلك الاموال بمخالفة الاحكام والقوانين التي تضبط سلوك الوظيفة العامة، فإنها تدخل في باب الثراء الحرام. وكل خبير وطني له مدى معين، يتم تحديد راتبه وامتيازاته على ضوئه؛ المدى الأول أو الثاني أو الثالث. والخبير بالطبع يوقّع العقد مع الجهة المعينة وهو ليس بسارق أو معتدٍ، ولكنه يتقاضى مبالغ طائلة عن الراتب والمخصصات السنوية، تصل في بعض الاحيان إلى (600) مليون جنيه في السنة، اذا حسبتها تجد انه يصرف راتب ثلاث سنوات في السنة الواحدة. ونحن بحسب توجيهات الوزير سنبدأ النظر في مثل هذه العقود المخالفة للوائح، والقانون يعطينا هذا الحق لنتحرك فيه، وغالباً ما يُحال إلينا من الوزير نفسه.
{ بالنسبة للخبراء الذين تم إعفاؤهم مؤخراً، هل ستتم مراجعة عقودهم أيضاً؟
– نعم كل العقودات سيتم النظر فيها وفقاً للقانون، وهنا لا بد من الإشارة لمسألة مهمة جداً؛ وهي أن جرائم الثراء الحرام لا تسقط بالتقادم، بمعنى أنني يمكن أن اثير قضية ما أكثر من مرة، أو حتى بعد مرور عدة سنوات عليها، فلابد للمال العام أن يسترد. والوزير أكد لنا بوضوح أن العقودات غير المنضبطة تدخل في قانون الثراء الحرام، وأي عقد غير منضبط يُستدعى صاحبه ويُطلب منه التحلل من أمواله، وإلا تُتخذ في مواجهته الإجراءات القانونية.
ومن هنا أقول يفترض أن يكشف كبار المسؤولين عن رواتبهم ومخصصاتهم بكل شفافية، فالرئيس نفسه قدم إبراء ذمّته على الهواء.
{ أخيراً، هل أنت متفائل؟
– نعم، أنا متفائل جداً جداً، ولكن في نفس الوقت أشعر بأن المسألة ليست مظهراً لأخذ الناس بالشبهات.. فتفعيل هذا القانون ومن خلاله يمكن للناس أن يصلوا للغايات، بدون أن يشهّروا بالآخرين، وبدون أن يأخذوا الناس بالشبهات. فالقانون كفيل بايصالنا إلى الحقيقة.