شتاء "جنوب كردفان" الساخن وتحديات التنمية والاستقرار.. من ينتصر؟
تقرير – عقيل أحمد ناعم
رغم برودة الشتاء السوداني هذه الأيام، إلا أن شتاء “جنوب كردفان” كان على النقيض وفي قمة السخونة، وتتناقل وسائل الإعلام منذ اللحظات الأولى لأول أيام السنة الجديدة (2016م) أنباء المعارك حامية الوطيس بين القوات المسلحة السودانية وقوات التمرد التي تقودها الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، مصحوبة بتأكيد القوات المسلحة تكبيدها التمرد خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بعد محاولتها اقتحام معسكر (المزلقان) القريب من مدينة “الدلنج”، وبالمقابل وكما هو متوقع كان إعلان (الحركة الشعبية) أن قواتها هي المنتصرة في هذه المعركة. يأتي هذا التطور في أعقاب عدة أشهر من وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الرئيس “البشير” في مفتتح أعمال مؤتمر الحوار الوطني، ومتزامناً مع أنباء تقدم المفاوضات غير الرسمية بين الحكومة وقطاع الشمال. ومعلوم أن ولاية “جنوب كردفان” أعلنت مراراً أنها ترفع شعار (جعل العام 2016 عاماً للسلام والتنمية)، ليبرز السؤال المُلح عن كيف يمكن تحقيق هذا الهدف في ظل هذه المناوشات وهذه الحالة المتعارضة مع جهود تأسيس بنية تنموية تُحدث نقلة في حياة إنسان الولاية المكتوي بنار الحرب، وهل حكومتا المركز والولاية قادرتان على خلق هذه الموازنة بين ضرورات الحرب والعمل العسكري وبين متطلبات التنمية والاستقرار؟
التنمية رغم أنف الحرب
قد يبدو خياراً مستحيلاً وغير واقعي، ولكن “جنوب كردفان” التي تعيش وضعاً استثنائياً يبدو أنها لم تجد أمامها سوى ركوب الخيارات الاستثنائية، وهذا ما أكده من قبل في مؤتمر صحفي في الخرطوم قبل أشهر والي الولاية اللواء “د. عيسى آدم أبكر” بأن سعي الولاية لنشر ثقافة السلام وجل المجتمع قائد لهذا الخط عبر المبادرة المجتمعية، وتوجه “جنوب كردفان” لجعل العام 2016 عاماً للتنمية والاستقرار وإقامة مشاريع تنموية ضخمة لا يتعارض مع مجهودات القوات النظامية وحكومة الولاية في حسم التمرد عسكرياً، ومضى الوالي وحكومته في ذات الخط وهما يؤكدان أن إقرار التنمية والسلام في هذا العام توجه استراتيجي وليس قرارات حماسية، وبدا هذا ظاهراً في مخاطبة الوالي لمجلس تشريعي الولاية في دورة انعقاده الثالثة في أواخر أيام (ديسمبر) من العام الماضي وقبل أيام من العام الجديد، وهو يذكِّر المجلس بمجهودات حكومته في بناء السلام والأمن وتكثيف عمل المصالحات الداخلية عبر وضع خطط تعتمد على إقامة آلية السلام المجتمعي والمبادرات الشعبية، بجانب آلية الحوار المجتمعي ، كل هذا حتى يتم توفير أرضية من الاستقرار والسلام الكافي لاستمرار مشاريع التنمية القائمة وبدء المشاريع المخطط لها. وهذه هي خطة الموازنة بين ضرورات التنمية ومطلوبات الحرب التي تتبناها الولاية. ولم يكتف الوالي في جرد الحساب الذي قدمه أمام الجهاز التشريعي للولاية بالخطط العامة، بل عمد إلى الحديث عن التفاصيل مبتدئاً بالتذكير بأن الولاية تصدرت قائمة الولايات في قفل الحساب الختامي للعام 2014 رغم ما تعانيه “جنوب كردفان”. ولكن حتى الآن لم تتضح الصورة التي عليها الوضع الاقتصادي والتنموي بالولاية، والوالي حاول إعطاء صورة تفصيلية للمجلس بتوضيح أن المصدق من إيرادات الولاية للعام 2015 بلغ (217.395.500) جنيه بنسبة أداء بلغ (62%).
ضعف في التعدين وزيادة في المشروعات
“جنوب كردفان” من الولايات التي تملك ميزة نسبية وقيمة مضافة في مجال التعدين بامتلاكها مخزونات كبيرة من المعادن خاصة معدن الذهب، ولكن رغم ذلك لم يتجاوز إسهامه (2%) فقط، ولفت اللواء “عيسى” إلى أن الخلل تمثل في عدم دخول مخلفات التعدين (الكرتة) في مرحلة الإنتاج خلال 2015م، مشيراً إلى وضع كافة التدابير لرفع كفاءة التعدين في 2016م. وواصل الوالي سرد نوع آخر من الخلل متمثل في الإشكالات الفنية المصاحبة للتحصيل الالكتروني والتي أدت إلى تأخير دخول بعض الوحدات الايرادية لنظام التحصيل الالكتروني بالشكل المطلوب.
ولكن رغم هذه الإشكالات أوضح الوالي أن الولاية نفذت (104) مشروع بقيمة (403.921.784) جنيه. وبشر بعودة (مؤسسة جبال النوبة الزراعية)، مشيراً إلى أن المساحات المزروعة بالولاية بلغت (5.919.000) فدان، يجري حصادها الآن تحت تأمين لجان أمن المحليات. وبلغت جملة المشروعات التي نُفذت خلال 2015 عشرة مشروعات زراعية بكلفة (2.671.112) جنيه. في حين بلغت مشاريع الثروة الحيوانية (20) مشروعاً بتكلفة بلغت (8.264.200) جنيه. أما مجال الطرق فالعمل يجري في طريق السماسم ـ السميح، وطريق كالوقي ـ أبوجبيهة. في حين بشر الوالي بسفلتة (6) من طرق مدن الولاية، بجانب تنفيذ بعض قطاعات الطريق الدائري خلال ميزانية 2016م. وشمل العامل استمرار إكمال مشاريع كهرباء المدن والريف. في حين تم تمويل (25) من مشاريع المياه بمبلغ (144.018.700) جنيه. مع التصديق بعدد 20 محطة مياه جديدة. وفي محور الصحة تم تنفيذ 9 مشروعات بقيمة (136.950.606) جنيه، واكتملت تغطية التأمين الصحي بنسبة 100% للقطاع العام، واستهداف (11500) أسرة عبر الدعم الاجتماعي، و1000 أسرة للقطاع الحر. لتبلغ زيادة التغطية 8% عن العام السابق. أما مجال التعليم فقد نُفذ (15) مشروع بقيمة (64.844.435) جنيه.
مديونيات الولاية والإنفاق والخطط الجديدة
الولاية وظفت الإيرادات للإنفاق المتوازن على مستوى وحدات الحكم الولائي والمحلي، بالتركيز على تعويضات العاملين ودعم الخدمات والتنمية بجملة اعتمادات مصدقة للمصروفات بلغت (1.166.195.825) جنيه بأداء فعلي (477.799.818) جنيه، بنسبة (41%). كل هذا في ظل مديونية موروثة بلغت (207) مليون جنيه، حولتها الولاية للمركز ليتم سداد مائة وخمسة ملايين جنيه (50.7%). وقامت الولاية بسداد (440.000) جنيه من استحقاقات الدستوريين السابقين البالغة (2.173.370)، بجانب سداد 20.43% من متأخرات المعاشيين البالغة (9657661) جنيه. وعمدت الولاية لتوطين صيانة العربات الحكومة منعاً لهدر المال العام وترشيداً للصرف. أما خطة العام 2016 فقد شملت مشروعات قطاع الصحة 13 مشروعاً بكلفة (246.922.288) جنيه. ولوزارة الزراعة 13 مشروعاً بتكلفة (356.604.670) جنيه، و(330) مليون للثروة الحيوانية، ومشروعات التخطيط العمراني في السدود والطرق والكهرباء بلغت كلفتها (1.027.210.000) جنيه، و(812.604.175) للرعاية الاجتماعية، أما التعليم فكان نصيبه (226.648.560) جنيه. بجانب مشاريع بقية الوزارات والمجالس العليا والمفوضيات. لتبلغ إجمالي إيرادات موازنة 2016 (1.700.609.000) جنيه.
هل تصبح أحلاماً مجهضة؟
الحديث عن التنمية والاستقرار والسلام هو ما يهم المواطن في ولاية مثل “جنوب كردفان” عاشت تحت وطأة الحرب لسنوات متطاولة، ولكن الحديث عن التنمية وحده لن يكفي في ظل استعار الحرب، لذلك ينتظر مواطن الولاية أن يجنح السياسيون من أبنائها وعلى مستوى المركز للسلم، وأن يضعوا معاناته نصب أعينهم وهم يستعدون للمضي نحو جولة جديدة من المفاوضات.