رأي

هل حقاً اكتملت الاستعدادات للموسم الزراعي في مشروع الجزيرة؟

في ظل حالة الاحتقان الماثلة والحالة الاقتصادية المأزومة، التي تعيشها البلاد في هذه المرحلة، وما نشهده من انعكاسات سالبة على مستوى كل الشرائح في المجتمع، والمزارعون في مقدمتهم، وفي ظل ما طُرح من سياسات وتوجهات للخروج من النفق المظلم؛ برزت قضية رفع قدراتنا الإنتاجية المتدنية، ومن ثم تبنينا البرنامج الثلاثي رفعاً لكفاءة قطاعات الزراعة والصناعة والتعدين وغيرها، أملاً في سد الفجوة التي مُني بها اقتصاد البلاد.
كان الأمل معقوداً على أن ينعكس ذلك على همتنا لمخاطبة محددات المرحلة بدقة ومستوى عال من الجدية، ولكن على نقيض ذلك ظلت الأجهزة المعنية في نهجها الموروث بإطلاق التصريحات المطمئنة بأن كل شيء يُخطط له على ما يرام (وغير مسبوق)، في حين تنبئ الحال بغير ذلك في واقع الأمر، فالاستعدادات التي وُصفت بأنها غير مسبوقة، هي فعلاً غير مسبوقة في سوء حالها، ففي نطاق الزراعة المروية التي تؤمل عليها الدولة، أتت التصريحات مبكراً بتوفير اعتماد 100 مليون جنيه لمعالجة مشاكل قنوات الري وأعمال الغيط المختلفة، التي تدهورت في مشروع الجزيرة، شاملة مناطق المشروع كافة، في حين تواصلت حالة الاسترخاء في زيادة وتيرة الصيانة بسلحفائية واضحة، وكانت النتيجة الحتمية أن تأخر وصول مياه الري في القنوات الفرعية بعد يوم 25/5 لفترة امتدت لمدة أسبوعين أو أكثر في مناطق واسعة من المشروع، ولم تتوفر المياه حتى اليوم بكفاءة، مع ضعف المساحات الجاهزة لها؛ ونتج عن ذلك تأخير زراعة الفول السوداني؛ لضعف مناسيب القنوات الفرعية، فالبطء كان طابع تأخير الزراعة خاصة في وسط وشمال الجزيرة، وهذا يعني تداخل الزراعات لبقية المحاصيل؛ مما يؤدي إلى عدم الالتزام بمواعيد الزراعة الموصى بها، وما يترتب عليها من ضعف الإنتاجية، وتداخل احتياجات العمالة لمحاصيل الصيف، وصعوبة ري المساحات والاختناقات المتوقعة، فالمزارع يدخل الموسم في خلفية مأساة الموسم السابق في إنتاج الذرة والقطن في نهاية الموسم، وعلى قدر محدود للقمح في عدد من مواقع المشروع، وللحقيقة ورغماً عن ازدياد  إشكالات الري ارتفع الوعي والالتزام من قبل المزارعين بدفع ما يليهم من ضريبة الري، رغم تكبدهم خسائر كبيرة، لا بد من جهد يطمئنهم هذا الموسم بأن الأمور سوف تسير للأحسن، خاصة في المناطق الطرفية المعروفة والمحددة لفترة طويلة.
ويزيد من أهمية كفاية الري أن المزارعين حالياً يقومون بتمويل محاصيلهم في مساحة تفوق 800 ألف فدان ذرة، فول، وخضر، لها مردودها في اقتصاد البلاد، ولا يضنون بدفع قيمة المياه، إذا كانت تؤدي فعلاً إلى إصلاح الري، فالتحضير الجيد للأرض المؤدي للإنتاج الوفير صار مكلفاً في هذه المرحلة؛ نتيجة لزيادة أسعار الطاقة والآلات الزراعية، وكذلك التقاوي المحسنة خاصة المستجلبة من الخارج، إضافة إلى أسعار الأسمدة والمبيدات بأنواعها التي وصلت مستويات فوق طاقة المزارع، وقد لا تكون ميسورة للكثيرين هذا الموسم.
أما محصول القطن المعول عليه، فحدث ولا حرج، فقد كان الملك المتوج على عرش الجزيرة عبر ما يقرب من 70 عاماً، ونشهد حالياً أن عرشه بدأ يتهاوى في ظل سياسات لا تلبي طموحات منتجيه، ومروراً بمراحل انحطاط أعقبتها مواسم انتعاش تسويقي (موعود) مؤخراً، وعلاقات تمويلية مناسبة طابعها التحفيز الناتج عن ارتفاع الأسعار المقترحة، غير أن الفرحة بذلك لم تستمر طويلاً. ولأول مرة ننتظر إعلان سياسات زراعته حتى بداية يوليو – (كما ذكر) – مع وعود مغرية، وننسى أن المساحات المستهدفة لزراعته لم تُحدد بعد، ويتم لها الحراث المبكر المفترض القيام به لفترة شهور قبل الزراعة في أغلب مناطق المشروع حتى الآن، لما لذلك من آثار إيجابية لتوفير العناصر المغذية للمحصول وقوام التربة وتقليل الحشائش في الأرض الطينية الثقيلة ضعيفة في عنصر الأزوت العنصر المحدد للإنتاجية بدرجة كبيرة.
فبعد أن حسم الجدل أخيراً بشأن إدخال القطن، المحور وراثياً، لإنتاجيته العالية المتوقعة وتكلفته (القليلة) نسبياً مقارنة مع أقطاننا السودانية المستنبطة عبر ما يزيد عن عدة عقود بجهد باحثينا، وحُددت مساحاته بـ 120 ألف فدان هذا الموسم على نطاق القطر، لا زالت تتواصل المحاولات لتحديد مساحات في الجزيرة؛ مما يوجب أن نستصحب متطلباته البيئية، وتحديد أنسب الأوقات لبدء زراعته في ضوء ما توفر من نتائج.
 قطعاً كان للمزارعين تجربة مريرة مع زراعة القطن في الموسم السابق من إملاء عقود والتزامات مقابل التمويل، يرى البعض فيها هضماً لحقوقهم، إضافة إلى أنهم لا زالوا يلهثون وراء استحقاقاتهم (3) أشهر بعد تسليمهم للحصول لشركة الأقطان، وهي قطعاً مؤسسة لها كيانها الخاص ومسؤولة قانونياً عن حقوقهم، ولا عذر لها، فلقد كان طرحنا دائماً أن محصول القطن مهم لهذا الإرث والموقع في اقتصاد البلاد في المشروع، ووقفنا بجانبه لحقبة ممتدة، غير أن عدم المصداقية وقلة الشفافية، في كل ما يخصه بين المزارعين والإدارة أو الشركة، تواصلت وأدت في كثير من المواسم إلى تناقص المتحمسين لزراعته.
أملنا أن نشهد هذا الموسم تحسناً في الأحوال، وجدية في التغلب على المهددات الواضحة، وأن نرقى بالمشروع لتعظيم الاستفادة من حجمه الواسع، ومكوناته القيمة، وخبراته الثرة، استشرافاً لمواسم قادمة تتوفر فيها موارد مائية مقدرة، ترفع من تكثيفه الحالي وكفاءته بإذن الله.
والله الموفق
وزير الدولة للزراعة (سابقا) ومزارع بالقسم الشمالي

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية