ظلم ذوي القربى
تعرضت قبيلة الزغاوة في غرب السودان لظلم فادح من أبنائها الذين حملوا السلاح وتعرضت لظلم أفدح حينما وصمت بموالاة التمرد ودعمه.. وخسرت مناطق دار زغاوة في محليات أم برو وكارنوي والطينة الكثير جداً وتخلفت عن ركب التنمية خلال السنوات الثلاثة عشرة التي انصرمت، بسبب الصراع العسكري وخطل التمرد، في جعل تلك المنطقة مسرحاً لصراع سياسي حول السلطة في الخرطوم ليدفع ثمن طموحات وتطلعات البعض أبرياء، لا شأن لهم بمن يحكم السودان
في الأسبوع الماضي شهدت مناطق دار زغاوة في الطينة وأم برو وكارنوي حدثاً هاماً بزيارة نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” لتلك المحليات، ورغم قسوة الطقس وبرودة المناخ في المناطق شبه الصحراوية، إلا أن حرارة الاستقبال وحفاوة الترحاب التي نقلتها قناة (الشروق)، قد كشفت عن غروب سنوات الحرب وإطلالة مرحلة جديدة.. وآلاف المواطنين والصحراويين المتشبثين بالأرض في تلك البقاع النائية يخرجون على ظهور الإبل.. وسيارات اللاندكروزر يغطون وجوههم (بالكدمول) أو عمامة الصحراء ،التي تقي من البرد القارس في الشتاء وهجير شمس الصيف.. لتشكل الزيارة فصلاً جديداً ينبغي أن تبدأ معه الحكومة خطة لتعمير تلك الأراضي النائية .. والبحث عن تمويل لربطها برياً بالعاصمة الفاشر التي اتصلت بالخرطوم.
الخطاب السياسي للحكومة في دار زغاوة اتسم بالواقعية والمرونة وتحدث “حسبو محمد عبد الرحمن” لأهله الزغاوة (بلغتهم) التي يطلق عليها البعض (رطانة) وهي تعبير ينم عن استعلاء لغوي.. وللزغاوة لغة مكتوبة في محفورات التاريخ ولا يضير السودان شيئاً إن تعددت لغاته المكتوبة وتنوعت، بل في ذلك ثراء معرفي وقوة للدولة إذا أحسنا التعاطي مع التعدد الثقافي واللغوي كمصدر قوة لا ثغرة ضعف، و”حسبو” في كل يوم يكشف عن موهبة جديدة وهو يتحدث لغة الفور والزغاوة والعربية والانجليزية، ويمكنه أن يضيف إليها لغة المحس والوطاويط، لتتحدث رئاسة الجمهورية لمواطنيها بلغاتهم حينما تجلس إليهم في ديارهم.
الذين حملوا السلاح في وجه الحكومة لسنوات وحشدوا البنادق و(جيروا) قبيلة الزغاوة (ظلماً) لخدمة مشروعاتهم السياسية، أقبلوا اليوم يكفرون عن أخطاء الماضي، وقد امتلكت قيادات مثل “بحر أبو قردة” و”تاج الدين نيام” و”بخيت دبجو” و”عبد الله بنده” الشجاعة والثقة في النفس، وهم ينتقلون من خندق العدل والمساواة التي تحارب إلى خندق العدل والمساواة التي تضمد الجراح وتسعى لبناء ما خربته سنوات الحرب الماضية.. ما كانت الحرب في دارفور تبلغ مجلس الأمن الدولي ولا تستطيع حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة “مناوي أن تسيطر في يوم ما على نصف أرض دارفور لولا وجود مقاتلين يحترمهم أهلهم، مثل “دبجو” و”أبو قردة” و”نيام” الذين شكلوا حضوراً في زيارة “حسبو” الأخيرة لأرض الزغاوة، والتي امتدت أيضاً لمحلية الواحة وخلاوي غرة الزاوية، حيث أكبر خلاوي التجانية في السودان بمحلية السريف بني حسين، وقد بددت الزيارة أوهام وتصورات خاطئة أيضاً عن بادية الرزيقات في شمال دارفور، التي خيل للبعض أنها حاكورة خاصة بالشيخ “موسى هلال”.. وقد تقاطر الآلاف من الأعراب لاستقبال “حسبو” و”أبو قردة” واللواء “صافي النور” الذي يمثل رقماً كبيراً في تلك المناطق ، بل هو من جعلها تتصدى للتمرد في سنوات الحرب.
لقد أثبتت زيارة “حسبو” في تلك البوادي الصحراوية أن الحرب قد انتهت وبدأت رحلة (إنصاف) تلك المناطق وتصحيح كافة الاخطاء واشكال القصور، التى عانى منها أهلنا الزغاوة الذين دفعوا ثمن الحرب غالياً وآن لهم أن يحصدوا ثمرات السلام.