المشهد السياسي
الإمام في عيده الثمانين
موسى يعقوب
إن البلاد تعج بمجموعة من أخبار يستوجب الوقوف عندها، ونحن على أبواب العام السادس عشر بعد الألفين، ومنها مؤتمر سفراء الإنسانية وتمديد مؤتمر الحوار الوطني ومشروع جهاز الأمن والمخابرات الأكاديمية، ثم إجازة المجلس الوطني لموازنة العام 2016م، وفتح السيد وزير المالية الباب للسادة الصحفيين والإعلاميين بالوقوف على تفاصيل الميزانية والخطة الخمسية بعيداً عن التخمينات..!
وهذه كلها كانت أولى وأجدر بأن نقف عندها، غير أننا آثرنا الوقوف عند العيد الثمانين للسيد الإمام “الصادق المهدي” وهو أمر درج عليه ودرجنا على تناوله، والإمام في الفترة الأخيرة كان له من الإفادات الكثيرة في برامج إعلامية وصحف خارجية وداخلية أطرى فيها نفسه، وما قام به من أعمال كثيرة، بل ذهب إلى أن قبره عندما يوارى الثرى يجب أن يكتب على شاهده (اجتهد وجاهد ومن الركاب إلى التراب..!) فهو لم يترك المهمة وتقدير الموقف لآخرين.. مد الله في أيامه – وإنما ذهب إلى أن يدع ذلك وصية في أعناق الآخرين.
الإمام بطبعه حياً أو ميتاً يقدم نفسه على الآخرين ولا يعترف بتقصير أو نقص في أعماله. ففي عيد ميلاده السبعين قال للحضور وآمي الاحتفال يومئذ (أنا سبعيني طائر..) وغيري سبعينيون (مكسحون..)..!
وجميل هذه المرة أن يعلم أنه ربما مات وفارق الدنيا شأن الخلق أجمعين، ولكنه (يدعي لنفسه الجهاد والاجتهاد) حتى آخر لحظة، ونحن الذين نعلم أن له أوجه نقص وقصور كثيرة في نشاطه السياسي والحزبي والدستوري.
ففي (نادي الاعترافات) قال للأستاذ “عادل سيد أحمد” معلومات وإفادات تستدعي وتستوجب المراجعة، ومنها علاقته بالحزب (الاتحادي) وبـ(الجبهة الإسلامية القومية) وبالقوات المسلحة السودانية يومئذ.
علاقاته مع الشراكات الحزبية لم تكن على ما يرام ومن ثم كانت تنتابها الخصومات والخروج من التحالفات.
فـ”المهدي” لم يتعامل مع الحزب (الاتحادي) بما يستحق وإنما تغول على بعض حقوقه وأعطاها لآخرين.. والإشارة هنا إلى تقديم الحزب السيد أحمد السيد حمد عضواً بمجلس رأس الدولة، ولكنه أبدله بالعضو المستقل المحامي “ميرغني النصري”..!
وهو ليستأنس الحركة الإسلامية اتخذ موقفاً ضد اتفاق فندق قيون بـ”أديس أبابا” بين الحزب (الاتحادي) والحركة (الشعبية لتحرير السودان) الذي كانت ترفضه (الجبهة الإسلامية)، فدخلت الجبهة السلطة شريكاً، غير أنه عاد مرة أخرى وباعها لصالح الحزب (الاتحادي) والحزب السياسي ما مهد الطريق للتغيير في يونيو 1989م..!
وهناك مذكرة القوات المسلحة في 22 فبراير 1989م، التي عبرت عن عدم رضاها عن نظام “المهدي” الحاكم الذي لم يوفر لها ما تحتاجه مادياً ومعنوياً لمواجهة التمرد التي دخلت يومها عدداً من القواعد الطرفية.
غير أن السيد “الصادق المهدي” رئيس الوزراء قال إن المذكرة كانت عملاً غير متفق عليه من مجموعة من أفراد القوات المسلحة، وهذا غير صحيح.. وإلا فلماذا حدث التغيير الإنقاذي في 30 يونيو 1989م، أي بعد أقل من أربعة أشهر ولم يتحرك أحد ضده..؟
وللحق فإن مذكرة القوات المسلحة وقبلها استقالة وزير التجارة “أبو حريرة” كانتا أكبر شاهد على أن نظام السيد “المهدي” وهو الحزب ذو الأغلبية البرلمانية لم يكن ليعرف كيف يدير الخلافات الحزبية، ولا كيف يكسب القوات المسلحة، ولهذه الأسباب مجتمعة وغيرها كان السيد “زين العابدين الهندي” وهو وزير الخارجية ونائب رئيس الحزب (الاتحادي) السابق يقول وحتى آخر لحظة (هذا النظام الفاشل إذا خطفه كلب ما قلنا له جر..!!).
وفي حقبة ما بعد الإنقاذ الوطني وإلى اليوم لم يعترف “المهدي” بأن سوء إدارته لحزبه قد وصل به إلى التشقق والانقسام الذي نشهده اليوم وبشكل واسع وكبير، وأن غيابه الطويل في الخارج بعد (إعلان باريس) وإلى اليوم ساعد على ذلك وأفقد الحزب الزعامة والمؤسسية والدور الفاعل في المجتمع وإن كان لـ”المهدي” دوره في المجتمع الخارجي من منظمات ومؤتمرات.. فالداخل هو الأولى من غيره.
مع ذلك يأتي السيد الإمام “الصادق المهدي” ليقول إنه (اجتهد وجاهد).. وإذا حانت منيته – حفظه الله – فمن (الركاب إلى التراب) أي من العمل الدائب والمستمر إلى القبر.
إن عيد ميلاد السيد الإمام الثمانين وله متطلباته يحتاج إلى برنامج عمل غير الحراك الخارجي والإنتاج الفكري والمؤسسية في ما يكتب على شاهد القبر.. وإنما العمل الذي يليق بالمرحلة في الداخل والجميع في حالة انشغال بذلك.. حفظ الله السيد الإمام “الصادق المهدي”.