معتمد محلية الطينة الحدودية " يكشف لـ(المجهر) عن معلومات خطيرة عن الأوضاع في المنطقة
لدينا (780) تلميذاً في أربع مدارس يتلقون تعليمهم في تشاد
السلطات التشادية هددتنا بتحويل المدارس في المعسكرات للمنهج الفرنسي أو إغلاقها
هناك انتشار للمخدرات في معسكرات اللجوء في تشاد مثل (الطفل الهارب) الذي أفقد معظم المتعاطين (رجولتهم)
عدد من الشباب ارتدّوا عن الدين الإسلامي بسبب نشاط المنظمات في المعسكرات
تعيش دارفور واقعاً مختلفاً منذ نشوب الحرب هناك، بالرغم من أن الأوضاع الأمنية تحسنت إلى درجة كبيرة بشهادة بعض المنظمات الدولية، إلا أن واقع الحال يؤكد أن آثار الحرب ما زالت قائمة رغم الجهود الحكومية ومحاولاتها في إعادة اللاجئين والنازحين إلى قراهم.. (المجهر) في محاولة منها لتسليط الضوء على جزء من تلك البقعة جلست إلى معتمد محلية الطينة الحدودية مع تشاد وليبيا لتتلمس معه واقع الحال هناك حيث أجاب عن استفسارات الصحيفة في مساحة الحوار التالية..
حاوره – نزار سيد أحمد
{ محلية الطينة من المحليات الحدودية.. كيف هي الأوضاع هناك؟
_ صحيح محلية الطينة لها خصوصية لأنها مجاورة لدولة تشاد من الجهة الغربية، ومن الشمال مع ليبيا، ومن الجنوب ولاية غرب دارفور، وحقيقة نحن محاطون بمجموعة من المحليات والدول وهذا جعل لنا خصوصية. وأستطيع القول إن لنا علاقات طيبة وهنالك مذكرة تفاهم بيننا ومحلية “جقربا” التشادية، وهنالك علاقات خاصة في مجال الأمن والتبادل التجاري، والدخول والخروج، كذلك لدينا أعداد كبيرة من الناس يذهبون إلى ليبيا وتأتينا بضائع من هناك.
{ إلى أي مدى تأثرتم بالأحداث التي جرت في ليبيا؟
_ نحن نؤثر ونتأثر بالأحداث التي تجري في دول الجوار، لكن أستطيع القول إننا نعيش الآن في أمان وليس هناك أي مهددات حقيقية على الأوضاع الأمنية أو غيرها، أضف إلى ذلك أن وجود القوات المشتركة ساهم بقدر كبير في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، كذلك استطعنا بمعاونة القوات المسلحة والأجهزة الأخرى تحقيق الأمن وإعادة العلاقات بين قبائل محلية الطينة والقبائل المجاورة لنا في المحليات المختلفة من الولايات الأخرى، وقد بدأنا بمحلية “كلبس”، وذهبنا هناك وأقمنا مؤتمراً شهيراً وناقشنا كل القضايا وقمنا بطواف مشترك مما أعاد الثقة بين القبائل. وأستطيع القول إنه لا توجد تأثيرات كبيرة، لكننا نسمع أن بعض الشباب في المناطق الحدودية يذهبون إلى هناك للغنائم وشراء العربات.
{ كيف هي الأوضاع التنموية والخدمات الأساسية بالمنطقة؟
_ لا يمكن أن تكون هنالك تنمية ما لم يكن هنالك أمن واستقرار، لذلك نحن بدأنا بمعالجة هذه القضية الأمنية، والحقيقة نحن لدينا مشكلة كبيرة في مجال المياه والخدمات عامة، ونواصل الآن مشواراً بدأه السابقون، وعلى سبيل المثال في مجال التعليم لدينا مشكلة كبيرة جداً.. نحن لدينا (780) تلميذاً في مرحلة الأساس ولدينا خمس مدارس واحدة في الطينة وأربع مدارس في دولة تشاد يتعلم فيها أبناء اللاجئين ممن شردتهم الحرب ويشرف عليها أساتذة سودانيون، وأنا كمعتمد أشرف على هذه المدارس والآن نسعى لإعادة هؤلاء التلاميذ إلى البلاد وللمحلية.
{ هنالك من يقول إن هؤلاء التلاميذ يدرسون بالمنهج التشادي.. ما حقيقة هذا القول؟
_ لا المنهج سوداني، لكن أخيراً الحكومة في تشاد أخطرتنا بضرورة تحويل هذه المدارس إلى السودان أو يتم تحويلها إلى المنهج التشادي، ونحن جلسنا مع الجهات المسؤولة في تشاد وعلى رأسهم محافظ محلية “جقربا” وطلبنا منهم منحنا فرصة لتحويل المدارس، وفعلاً بدأنا في تحويلها.. أما المدارس الثانوية فقد استطعنا تحويلها إلى السودان ولدينا مدرسة بنين وبنات وهنالك (1433) طالباً وطالبة.
{ هل لديكم إحصاءات بأعداد المواطنين الذين لجأوا إلى تشاد؟
_ حقيقة ليس لدينا إحصاء دقيق، لكن العدد كبير جداً، محلية الطينة سكانها حوالي (75.000) مواطن، هنالك حوالي (8.800) عادوا بعد استتباب الأمن إلى السودان معظمهم من منطقة “باشوا” وهي منطقة فيها خزان مياه ومستشفى وشرطة، وفي المناطق الشمالية في “بابنا” و”هيركونا” عاد منهم عدد كبير، ونحن زرنا هذه المناطق وقدمنا لهم خدمات ونشيد بوالي ولاية دارفور فهو أمدنا بأدوية وذرة وبطاطين وزعناها على العائدين.
{ صف لنا الظروف الإنسانية التي يعيشها هؤلاء العائدون؟
_ في الحقيقة يعيشون ظروفاً إنسانية قاسية لأن معظمهم فقدوا المأوى ووسائل سبل كسب العيش، ففي أثناء وجودهم في تشاد كانت المنظمات تقدم لهم المعونات، لكن بعد عودتهم فقدوا هذا العون، ومن هنا أناشد جميع المنظمات الوطنية المساهمة في استقرار هذه الأسر وتقديم يد العون لها.
{ هل لديكم معسكرات للنازحين في المنطقة؟
_ جميع المعسكرات خارج المنطقة في الأراضي التشادية، وتبعد حوالي (800) كيلو من الطينة.. هذه المعسكرات عددها (7) وأكبرها (أبونا) و(أبو نبق) وفيها عدد كبير من اللاجئين من دارفور، ذهبنا إليهم هناك واجتمعنا بهم وطالبناهم بالعودة لمناطقهم خاصة أن الأمن استتب والخدمات موجودة، لكن وضح لنا من خلال حديثنا مع معظم الأسر أنها تعاني من مشاكل تغيير السلوك والثقافة السودانية إلى ثقافة جديدة زرعتها فيهم المنظمات.
{ ماذا تقصد بتغيير السلوك؟
_ الثقافة طبعاً تشادية وهي في الأصل ثقافة فرنسية ومعظم أولياء الأمور لم يستطيعوا ضبط تربية أبنائهم، هذا بالإضافة إلى أن المعونات تأتي من المنظمات، وأنت تعلم أن المنظمات لا تمنح شيئاً بالمجان لابد من أهداف يتم تحقيقها، هذا فضلاً عن أن معظم التلاميذ في المدارس تركوا التعليم وذهبوا إلى مناطق الذهب.
{ هنالك من يتحدث عن أن بعض التلاميذ استقطبتهم المنظمات وقامت بترحيلهم إلى دول أخرى؟
_ نعم.. بعضهم تم إغراؤه بالعمل في المنظمات.
{ هل لديك إحصائية بأعدادهم؟
_ العدد ليس كبيراً، ولهذا السبب معظم أولياء الأمور والآباء يفكرون في العودة للبلاد خاصة أنه في المعسكرات يكون الشخص عاطلاً متلقياً للخدمات.. الذين عادوا وزرعوا يقولون إن هذا أفضل لهم من تلقي المساعدات، لكنهم يطالبون بالخدمات الأساسية، وحقيقة الحرب في دارفور أثرت في الخدمات والتأثير الأكبر على الشباب لأنهم الضحية في الحرب، وظاهرة المخدرات، فهنالك مخدرات تأتي لمعسكرات اللاجئين من دول أفريقية مجاورة، مثل مخدر (الطفل الهارب) الذي أفقد معظم المتعاطين له (رجولتهم)، وهذا بشهادة السلطات الصحية التي أكدت أن هذا النوع من المخدرات يفقد الرجولة، ونحن بدورنا بذلنا جهوداً كبيرة للحد من انتشار هذه المخدرات في معسكرات.
{ هل لديك أرقام بعينها عن أعداد الذين تعرضوا لمثل هذه الحالات؟
_ العدد كبير جداً، أكثر مما تتصور خاصة وسط الشباب.. ليست لدينا إحصائية لكن من خلال الشكاوى التي أتتنا من المدارس تأكدنا أن الأمر في غاية الخطورة، لكن ليس بمقدورنا فعل شيء أكثر من التوعية خاصة وأن هذه المخدرات تنتشر في معسكرات اللجوء في تشاد.
{ هل تسربت هذه المخدرات إلى داخل أراضي البلاد؟
_ في السودان الوضع أفضل حالاً، نحن لدينا ضوابط وقوانين صارمة في التعامل مع المخدرات أو أي أنشطة أخرى، أضف إلى ذلك أن الدين الإسلامي عاصم من ممارسة هذه الأشياء، وفي اعتقادي أن انتشار المخدرات في المعسكرات وقضية تغيير المناهج جعلت عدداً كبيراً من الأسر تفكر بجدية في العودة.
{ هل بدأت السلطات التشادية في تغيير المنهج؟
_ نعم.. بدأت، وهنالك مدارس في المعسكرات أغلقت؟
{ كيف ولماذا أغلقت؟
_ أغلقت لأن أولياء الأمور رفضوا تعليم أبنائهم بالمنهج الفرنسي.
{ كم عدد هؤلاء التلاميذ؟
_ حوالي (280) طالباً وطالبة تقريباً.
{ كل هذا العدد بدون تعليم في الوقت الراهن؟
_ نعم.. بدون تعليم، ونحن حاولنا معالجة الأمر لكن المعالجات تحتاج إلى وقت وترتيبات.
{ هل بقية التلاميذ يواصلون بالمنهج السوداني؟
_ نعم.. يدرسون بالمنهج السوداني وتحت إدارتنا وإشرافنا.. لكن البيئة ليست صالحة للتدريس.. الفصول مصنوعة من القش والأوضاع في غاية الصعوبة.
{ هناك أنباء أن بعض التلاميذ ارتدوا عن الدين الإسلامي؟
_ هذا الأمر صحيح، لكن ليس كل الطلاب.. هنالك محاولات من بعض المنظمات (لتنصير) الشباب، لكن مثلما تعلم نحن في دارفور متمسكون بالدين الإسلامي، وبالرغم من نشاط المنظمات في تنصير الشباب إلا أن العدد الذي ترك الدين الإسلامي قليل.
{ كيف هي الأوضاع الأمنية التي تعيشها المنطقة؟
_ الأوضاع الأمنية مستقرة بدرجة كبيرة.. وهنالك كثير من الناس يطلقون شائعات لكن الأمن مستقر.
{ ما تقديرك لنسبة الاستقرار الأمني بالمنطقة؟
_ تقريباً (80%)، لكن الأمن عامة مستقر ونحن نشيد بأخينا الوالي “عبد الواحد” فقد أصدر قرارات حاسمة في مجال الأمن، واهتم بهذا المجال وبدأ بعاصمة الولاية.. في الماضي كنت تسمع صوت السلاح في كل مكان، الآن هذا لا يوجد، والوالي أصدر توجيهات للجان الأمن بتوفير الأمن ووفر كل الإمكانيات ونحن لدينا حامية القوات المسلحة والقوات المشتركة، وأنا أشيد بها، لأنها تجربة ناجحة، وهم لديهم صلاحيات الدخول إلى تشاد والسودان لحل أية مشكلة تحدث.. وأيضا الجيش والأمن والاستخبارات والشرطة كلها تعمل من أجل الأمن، وإن كانت لدينا مشكلة في هذا الجانب هي انتشار بعض العصابات في الطريق القادم من أم درمان تعوق الحركة.
{ ماذا تمارس هذه العصابات؟
_ هذه المجموعات تقوم بفرض رسوم باهظة على أصحاب العربات المحملة بالبضائع القادمة من أم درمان.
{ هي مجموعات متفلتة أم معلومة لديكم؟
_ معلومون لدينا، معظم هذه المجموعات تنتمي لحركات مسلحة موقعة على السلام مثل حركة “جبريل تكة”.. نحن جلسنا معهم من أجل الوصول لحل هذه القضية التي تؤثر على معاش الناس خاصة أن الرسوم التي تفرض تنعكس مباشرة على أسعار السلع.
{ هل هناك نشاط للحركات غير الموقعة؟
_ لا.. لا يوجد في محلية الطينة أي نشاط لحركات مسلحة.. ذلك كان في الماضي.
{ هنالك مخاوف أمنية بعد انتشار مجموعة “بوكو حرام” الإرهابية في تشاد هل تأثرتم بهذا النشاط؟
_ مثلما قلت سابقاً، نحن منطقة حدودية نؤثر ونتأثر بالبيئة من حولنا، ونحن نسمع أن هنالك “بوكو حرام” وانفجارات في مناطق بعيدة عنا في تشاد، لكن في منطقنا ليس هنالك تسلل.
{ هل وضعتم تدابير لمنع تسلل هذه المجموعات؟
_ هنالك رقابة على الحدود، وهنالك إجراءات للدخول والخروج، وتوجد تأشيرة، وبوابات ومداخل، وإخواننا في الأجهزة الأمنية يتابعون بدقة متناهية كل صغيرة وكبيرة، والمشكلة الوحيدة التي واجهتنا هي تدفق أعداد من السودانيين تقدر بحوالي (3.000) يدخلون على مناطق الذهب في تشاد والنيجر مروراً بالمحلية، وحدثت أحداث في مناطق الذهب ومات منهم من مات، وبالتالي عادوا من النيجر وحدود ليبيا وفي داخل تشاد، وهؤلاء عندما دخلوا خلقوا عدم استقرار بالمنطقة وتسببوا في زحام في المطاعم والمخابز ولجنة الأمن قامت بحصرهم ووضعهم في المدارس، وتم توفير المياه، والطعام لهم لأن وجودهم بات يشكل خطراً على أمن المواطنين، وبالتالي قمنا بتوفير عربات لترحيلهم إلى مناطقهم.
{ هنالك حديث عن أن المنطقة تشهد حركة تهريب وبيع سيارات واسعة؟
_ هذا صحيح.. بعض التجار يقومون بشراء سيارات ويكملون إجراءاتها في جنوب دارفور.
{ هل لديك رسالة تريد أن توجهها؟
_ الحرب في دارفور سببت خسائر كبيرة وأثرت في الخدمات والبنى التحتية، والإعمار صعب جداً ويحتاج لجهود وتعاون من الجهات الحكومية والشعبية والمنظمات حتى نستطيع تقديم الخدمات الأساسية.. والرسالة الثانية لإخواننا في الحوار الوطني نقول لهم البلد تحتاج لوحدة، وكلنا سودانيون ويجب أن يتوحد الجميع حتى نستطيع تقديم خدمات بعيداً عن الحزبية والجهوية، والسودان يحتاج للوحدة ونحن منذ الاستقلال وحتى الآن لدينا مشاكل كثيرة.. الهوية والاقتصاد.. والمخرج الوحيد للخروج من هذه المشاكل هو الحوار الوطني، والناس ينتظرون نتائج الحوار الوطني.. ورسالتي الأخيرة إلى السيد الرئيس “عمر البشير” نرجو أن تتنزل مخرجات الحوار الوطني إلى أرض الواقع.