أشعلت الساحة السياسية بالسجال "تراجي مصطفى"… هالة إعلامية
الخرطوم ــ محمد جمال قندول
شكل وصول الناشطة “تراجي مصطفى” للبلاد (الجمعة) الماضية للمشاركة بعملية الحوار الوطني، كشخصية قومية، حدثاً سياسياً بارزاً، كان حديث الناس والوسط السياسي طيلة الأيام الماضية. وتمثل السيدة “تراجي مصطفى”، حالة استثنائية، كونها من الشخصيات، التي لا تستند إلى حزب معارض أو حركة أو أي تكوين سياسي أو اجتماعي محدد. فقد عرفت بأنها ناشطة سياسية معارضة، اتخذت من بعض دول المنفى التي تقيم فيها، فضاء لعرض آرائها وأفكارها المناهضة للنظام، حتى وقت قريب قبل أن تتحول المعادلة إلى العكس.
عودة الناشطة
وعرفت “تراجي” بمناهضتها ومعارضتها للنظام في أوقات مضت، شهدت صلاتها ببعض الأحزاب والحركات المعارضة في الخارج، والتي ساهمت في تقديمها لمنصات المعارضة، ومن ثم نشاطها عبر المنابر الإعلامية المختلفة أبرزها منبر (سودانيز اون لاين)، حيث كانت دائمة الهجوم على الحكومة. كما شاع عنها دعوتها للتطبيع مع “إسرائيل” وتكوينها لجمعية صداقة سودانية إسرائيلية، تنشط في هذا الإطار، غير أن “تراجي مصطفى”، انقلبت على أصدقاء الأمس، ووجهت سهام نقدها للحركات المسلحة متهمة قياداتها بالسعي وراء الكسب الشخصي غير مكترثة بحل مشاكل الوطن.
وعندما أعلنت آلية الحوار الوطني عن مشاركة “تراجي” بالحوار الوطني القائم من بوابة الشخصيات القومية، تباينت الآراء وردود الأفعال، ما بين مكذب ومصدق، للخبر الذي شغل حينها الرأي العام، قبل أن يكون يوم (الجمعة) الماضي، يوماً فاصلاً بين الشك واليقين. فقد هبطت طائرة “تراجي مصطفى” وسط استقبال من قبل ممثلين لشطري الحركة الإسلامية. فقد كان في استقبالها بمطار الخرطوم، المؤتمر الوطني ممثلاً في أمينه السياسي “حامد ممتاز”، والمؤتمر الشعبي في أمينه السياسي “كمال عمر”، بجانب بعض أعضاء لجان الحوار الوطني. الأمر الذي أثار- مرة أخرى – ضجة كبيرة، خاصة في الصحف، حول مغزى الهالة الإعلامية التي خلقت لـ”تراجي”، بجانب التساؤل عما إذا كان بمقدور “تراجي” أن تقدم إضافة للحوار قبل أن يختتم خلال أقل من شهر. وقد أُفرد لـ”تراجي” منذ وصولها، حيز كبير، في أجهزة الإعلام، خاصة الصحف، حيث احتشدت الصحف بأخبار “تراجي” وتصريحاتها، وأحاديثها التي تميل فيها إلى تعنيف رفقاء الأمس من (الجبهة الثورية)، من جهة، وثنائها على جدية المؤتمر الوطني في ابتداره للحوار من جهة أخرى.
من هي “تراجي”؟
ولدت “تراجي” العام 1966 بمدينة “طوكر” بشرق السودان، وهي متزوجة من أردني الجنسية، درس بالسودان ويعمل بالجامعات الأردنية، وهي أم لطفلين، وتنحدر جذورها من غرب السودان، غير أن أقدار عمل والدها بإحدى الوظائف الحكومية، جعلتها تستقر بشرق السودان. ووالدتها الأستاذة “بتول حسين”، من منطقة “أم كدادة”، بولاية شمال دارفور.
وقد أحرزت المركز الثالث في الشهادة الابتدائية، على مستوى مديرية البحر الأحمر، والتحقت بكلية الآداب بجامعة الخرطوم، بالإضافة إلى ذلك درست علم الاجتماع، بجامعة “الإسكندرية”، وتخرجت في العام 1990م، ثم درست القانون بجامعة النيلين، لتعمل، بعد ذلك، مع عدد من المنظمات الطوعية في السودان، قبل أن تلتحق بالعمل في مجال حقوق الإنسان والذي تفرغت له، ومن ثم كرست اهتماماتها بقضايا السلام وغيرها.
هاجرت “تراجي” إلى “كندا” في العام 2001م وأقامت بها، حيث حصلت على الجنسية الكندية.
إنسان دارفور
تصنف “تراجي” ضمن الشخصيات السياسية المثيرة للجدل، وعرفت في ساحة العمل السياسي من خلال مناصرتها للحركات المسلحة المتمردة بإقليم دارفور، وذلك عبر عدد من المواقع الالكترونية، من خلال مقالات تدعم قضاياها ومواقفها، وذلك قبل أن تنقلب على الحركات، وتتهمها بتضليل إنسان دارفور، والمتاجرة بقضيته للتكسب الشخصي، ومن ثم إعلان تمردها على كل قيادات الحركات، ليتم فصلها في (يونيو) الماضي من حركة (تحرير السودان) بقيادة “مني أركو مناوي”، وليتم فصلها، أيضاً ـ من رابطة طلاب دارفور بـ”كندا”.
الإثارة السياسية، لم تفارق خطاها، وهي تنتقل من موقف درامي إلى آخر أكثر درامية، فقد فاجأت الرأي العام السوداني، في وقت سابق، من خلال طرحها لقضية عضوية المثليين في الأحزاب السودانية، تلك التصريحات التي وصفت بالمستفزة والمنفرة، والتي لا تتماشى مع الأعراف السودانية، كان ذلك
قبل أن تقوم بزيارة إلى “إسرائيل”، بعد إعلان رغبتها الواضحة في تكوين علاقات شعبية بين الإسرائيليين والسودانيين، وتنشئ جمعية الصداقة السودانية – الإسرائيلية في العام 2006م، ولم تنكر “تراجي” الأمر، بل كانت دائمة المجاهرة به. واعتبرت علو صوتها بالتصريح أو الإعلان عن الجمعية، بمثابة رد فعل لتجاهل العالم العربي لقضية إقليم دارفور، وكانت “تراجي” دائمة التصريح والرغبة في أن يتم حذف عبارة (كل الأقطار عدا إسرائيل)، الموسومة بالجواز السوداني.
لعل الحدث الأبرز في مسيرة “تراجي” السياسية، هو إعلان البرلمان السوداني في يناير عام 2013م سحب الجنسية السودانية منها، بجانب الصحفية “سمية هندوسه”، واتهامهما بخيانة الوطن والتخابر مع دول معادية للسودان والإسلام.
غواصة بالوطني
القيادي بالحزب (الاتحادي الأصل)، “علي السيد” اعتبر ما أسماه الهالة الإعلامية المصنوعة لعودة “تراجي مصطفى”، ومشاركتها بالحوار بأنها عبارة عن صناعة، وأضاف خلال حديثه لــ(المجهر) أنها مجرد ناشطة، وليست رئيسة حزب “أو شيء، ولن تضيف أي شيء للحوار”. على حد قوله.
وسخر “السيد” من تلك الهالة الإعلامية المصنوعة، على حد تعبيره، بقوله: “الحوار أصلاً ضعيف، والهلع والإثارة للقادمين للمشاركة به، أمر مخجل”.
في ذات الاتجاه، ذهب الخبير السياسي “د. صلاح الدومة”، حين وصف “تراجي مصطفى” بــ(الغواصة)، وقال بأن “تراجي” بعثت خارج السودان في مهمة خارجية، من قبل المؤتمر الوطني، وعادت ليحاور الوطني نفسه من خلالها. وزاد في حديثه لــ(المجهر): “أنها لن تقدم أي إضافة، لأنها أصلاً مؤتمر وطني وعبارة عن غواصة”.
()
وما بين الآراء المتباينة في عودة “تراجي” ومدى عدالة السياسة، في أن تنال كل هذا الثناء والإطراء والهالة لعودتها، رغم أنها غير مستندة إلى حزب أو حركة غير (الحركة الجماهيرية)، التي دائماً ما تصنف نفسها ضمنها، ومدى تقديمها إضافة حقيقية لطاولة الحوار، الذي أعلن عنه الرئيس قبل عامين وينتظر أقل من شهر لختامه، تكمن الإجابة في مقبل الأيام. عند ذلك، يمكن التأكد عما إذا كانت عودة “تراجي” ومشاركتها في الحوار الوطني، شكلت إضافة أم خصماً من الحوار ومن الرصيد السياسي للحزب الحاكم. حتى ذلك الحين، تبقى “تراجي” ناشطة سياسية خلقت لنفسها زخماً من خلال معارضتها الشديدة للحكومة خارج نطاق الوطن، مرة، ومن خلال انقلابها الدرامي على مواقفها المعارضة، مرة ثانية. واستطاعت في الحالين، أن تشكل حضوراً ملحوظاً في الساحة السياسية.