المراجع الأنيق والمهاجم الحريف "صديق منزول"
أمير الملاعب السودانية
الخرطوم – محجوب عبد الرحمن
ولد الأمير “صديق منزول محمد” في العام 1929م بـ”ديم التعايشة” بالخرطوم، تلقى دراسته الأولية بمدرسة الموردة والمتوسطة بمدرسة أم درمان الأميرية والثانوية بمدرسة أم درمان التجارية، عمل بديوان المراجع العام إلى أن تقاعد بالمعاش ووصل إلى درجة نائب المدير العام لديوان المراجع العام، ولقبه زملاؤه الأفندية بلقب (الأنيق) وذلك لحسن مظهره وأناقته.
ويعتبر “منزول” من أسرة رياضية، فشقيقه الأكبر “حامد منزول” سبقه باللعب لفريق الهلال بعدة سنوات، وقد بدأ مسيرته الرياضية باللعب بفريق الهاشماب في العام 1944م، وبعدها بأربع سنوات تقريباً وبالتحديد في ديسمبر 1948م وقع بكشوفات فريق الهلال ومكث به خمسة عشر عاماً، إذ كان اعتزاله للكرة في العام 1963م، ولكنه ظل مسجلاً في كشوفات الهلال حتى العام 1970م.
استحقاق الإمارة
ولقب بالأمير “صديق منزول” لأنه كان من أميز اللاعبين الذين مروا على تاريخ الكرة السودانية وأجاد قيادة الهلال بوعي كبير، وكانت له الكلمة المسموعة داخل وخارج الملعب، وكذلك قاد المنتخب السوداني الذي كان يُسمى بـ(الأهلي السوداني) حتى أصبح نجماً يردد اسمه في سماء الرياضة.
وكانت لـ”صديق منزول” شخصية مميزة تجد الاحترام والتقدير من الصغير والكبير، وكان شعلة من النشاط داخل الملعب ويقوم بتوجيه الجميع حتى يتوج هذا الجهد الجماعي بالنصر المؤازر، كان خفيف الحركة رشيقاً يقدم السهل الممتنع، ومن أهم صفاته في الملعب أنه يتخذ ويحتل الموقع الصحيح، ومن ثم يسجل الأهداف السحرية التي كانت تسعد الجماهير الهلالية، وفوق هذا وذاك اشتهر الأمير بالتمريرات السليمة والسلسة، وامتاز بالتسديدات القوية والهادفة خاصة بيسراه والتي كانت تخلع قلوب جماهير الفرق المنافسة، وأشد ما يلفت إليه الأنظار هندامه الأنيق ووسامته البادية.
كان يمتاز بالأخلاق الفاضلة والسلوك القويم، لذلك استحق عن جدارة منزلة الأمير، وكان لاعباً ماهراً قل أن يجود بمثله الزمان، وفي مشاركته مع الهلال والفريق الأهلي السوداني، سجل أروع الأهداف التي مازالت في ذاكرة التاريخ، وقد زامله في ذلك الوقت كل من “النور بله”، “قسوم”، “زكي صالح”، “ديم الكبير”، “الهادي صيام”، “سبت دودو”، “فيصل السيد”، “سليمان فارس”، “حسن عطية”، “ممي”، “دريسة” و”أمين زكي” من لاعبي تلك الحقبة التاريخية.
تجوال في الملاعب الخارجية
لعب خارجياً في عدة دول عربية وأفريقية وأسيوية وأوربية سواء مع فريقه الهلال أو المنتخب الوطني، ودائماً ما كان يقول حسب معاصريه إن مثله الأعلى في كرة القدم لاعب المجر الساحر والماهر “بوشكاش”، ومن هوايته الأخرى التي كان يمارسها “تنس الطاولة” و”التنس الأرضي” و”الباسكت”.
شارك “صديق منزول” في جولة الفريق (الأهلي السوداني) إلى “أسيا” و”أوروبا”، ولعب خلالها مع الفريق (الأهلي السوداني) مباريات دولية ضد منتخبات (بومباي وكلكتا والصين وهانكو وبكين “أ” وبكين “ب” وكانتون) وكان ذلك في أواخر عام 1956م.
لعب مع الفريق الأهلي السوداني ضد “موسكو” و”روسيا” و”النمسا” و”اندونيسيا” و”المجر” 56ـ1957م.
وشارك في أول بطولة للأمم الأفريقية عام 1957م بالخرطوم أمام مصر في نهائي البطولة.
كما شارك في ثاني بطولة للأمم الأفريقية عام 1959م بـ”القاهرة” ولعب أمام “أثيوبيا” ثم “مصر” في نهائي البطولة.
شارك أيضاً في تصفيات كأس العالم أمام “سوريا” عام 1957م.
شارك في تصفيات دورة روما الأولمبية عام 1960م.
كان كابتن المنتخب الأهلي السوداني في الفترة من 59ـ1962م.
كان كابتن الهلال وفاز معه ببطولة الدوري وكأس السودان وعدد من الكؤوس التي طرحت في مناسبات مختلفة.
مباريات وأهداف نادرة
ومن أشهر المباريات التي لعبها كانت في يوم الجمعة 17ـ3ـ1950م بمناسبة افتتاح دار الرياضة بـ”مدني”، حيث قاد منتخب العاصمة في لقائه مع منتخب الجزيرة على شرف تلك المناسبة، وانتهى اللقاء بالتعادل 3/3 أحرز الأمير هدفين وأهدى الثالث للفذ “كشيب” بعد أن كان منتخب الجزيرة متقدماً 3/ صفر، وكانت تلك المباراة من المباريات النادرة التي اشترك فيها “صديق منزول” مع شقيقه “حامد منزول” وكان نجم لقائها الأول.
الأحد 10ـ2ـ1957م خلال لقاء السودان مع مصر في البطولة الأولى للأمم الأفريقية بالخرطوم، وعند الدقيقة العشرين من الشوط الثاني تخطى الأمير “منزول” مدافعي الفريق المصري الواحد تلو الآخر ووضع الكرة على طبق من ذهب داخل خط (18) أمام القانون “برعي أحمد البشير” والذي سدد هدفاً رائعاً كان أول هدف للسودان في مشاركاته في بطولة الأمم الأفريقية، ورغم خسارة السودان للمباراة والكأس بهدفين مقابل هدف لمصر إلا أن الأمير كان نجم اللقاء.
الجمعة 29 ـ 5 ـ 1959م خلال لقاء السودان مع مصر في نهائي البطولة الثانية للأمم الأفريقية بـ”القاهرة”، وعند الدقيقة التاسعة عشرة من الشوط الثاني أطلق الأمير صاروخاً رهيباً محرزاً هدف التعادل للسودان في شباك مصر، ورغم أن اللقاء انتهى لصالح مصر بهدفين مقابل هدف وفوزها بالكأس إلا أن هدف الأمير كان حديث الناس.
يعتبر الأمير “منزول” هدافاً للقاءات الهلال والمريخ عبر التاريخ، حيث أحرز نحو أربعين هدفاً خلال الفترة من 4ـ3ـ1949 تاريخ أول أهدافه في المريخ، واختتم أهدافه بهدفين رائعين في 19ـ6ـ1960م في اللقاء الذي انتهى بتعادل الفريقين 3/3 في دوري المدن الثلاث.
لعب مع الفريق الأهلي السوداني أكثر من ثلاثة وعشرين مباراة دولية خلال الفترة من 56ـ1962م.
لعب مع الهلال مباريات خالدة أمام عدد من الفرق الأجنبية التي زارت السودان خلال حقبة الخمسينيات ومطلع الستينيات
لقاء الأمير بالزعيم
تم افتتاح إستاد الهلال يوم الجمعة الموافق 26ـ1ـ1968م، حيث افتتحه الزعيم “إسماعيل الأزهري” وضيفه الرئيس الزامبي الدكتور “كنيث كاوندا”، وجرى اللقاء الودي الكبير بين الهلال ومنتخب غانا القومي، والذي كسب المباراة بهدفين مقابل هدف، أحرز هدف الهلال الأسطورة “جكسا” من الكرة التي ارتدت من حارس المرمى الغاني من لعبة “شريف” لركلة جزاء فلحق بها “جكسا” وأودعها الشباك، وتقدم الأمير “صديق منزول” طابور العرض وطاف حول الملعب بالبدلة، محيياً الجماهير التي هتفت باسمه، ولعب الأمير ضربة البداية للقاء الهلال ومنتخب غانا، ثم خرج ليحل محله الإمبراطور “أمين زكي”. وبين الشوطين تم تكريم الأمير “صديق منزول”، حيث قلده الزعيم “الأزهري” هلالاً من الذهب الخالص بسلسلة بجانب الفانلة رقم (10)، وألقى الأمير “صديق منزول” كلمة قوية، متحدثاً عن أمجاد الهلال وأن هذا الإستاد ما هو إلا عنوان للتضحية والفداء وسيكون مدرسة للأجيال القادمة، شاكراً الجميع على تكريمه، موضحاً أن الهلال عقيدة في نفوس الأهلة وأن مكانته سامية، ويجب علينا أن نضع الأسس القويمة والأخلاق والمبادئ المثالية للأجيال القادمة والمتعاقبة حتى لا تندثر الرياضة ورسالتها السامية. وحيا في ختام كلمته الرئيسين “الأزهري” و”كاوندا”، كما حيا جماهير الرياضة بالإستاد ملوحاً بالفانلة رقم (10) وسط هتاف وتصفيق الجماهير.