زمن (التلاشي الأخلاقي)..!
ومن علامات الساعة في مجتمعاتنا خروج النساء (غير العاملات) لتوفير مصروفات البيت ورسوم المدارس والجامعات، وأحياناً مصاريف (راجل البيت).. حق السجائر و(التمباك) والمواصلات !
انهارت بصفة عامة (إمبراطورية الأب)، لم يعد مركزياً وأساسياً في توجيه دفة البيت كما كان، لم يعد هو مصدر الرزق الأول في الكثير من العائلات، وحتى عندما يكون ثرياً يغدق على زوجته وأبنائه ويجلب لهم (لبن الطير) إن رغبوا، فإن متغيرات المجتمع ومحدثات العصر تكالبت عليه، فصار (صورة) بعد أن كان (أصلاً)، وغاب عن مطبخ (صناعة القرار) الذي انفردت به (البنات) وأمهم!
تخرج الواحدة منهن للشارع، تقصد أحد معارفها أو معارف صديقتها وتعود بما لا يكفي لكل الفواتير، فتعيد الكرة مرتين وثلاث و … ، وتسقط في وحل اللا خروج حيث لا أمل في عودة آمنة، حتى بعد الزواج .. إلا من رحم ربي .
وقد عملت معاول الاقتصاد هدماً في البنيان لما تعالى من قيمنا وأعرافنا وتقاليدنا السامية .. انهارت كل الثوابت، وسادت مفردات الاستلاب الثقافي والمجتمعي، وصارت (المادة) هي الحاكم.
آباء وأعمام وإخوان محترمون لا يعرفون من أين تأتي بناتهن وأخواتهن بـ(مال التسيير) .. من يصدق هذه الميزانيات المفتوحة على الخراب، ومن يصرفها من خزائن المال السايب تحت بند (منصرفات غير مرئية)!!
لا يستطيع أحدهم أن يتجرأ ويسأل، لأنه عجز عن القيام بالواجب تحت تعذيب وقهر الاقتصاد!
أصبح بعض الرجال في مجتمعنا كـ(خيال المآتة)، بل أضعف لأن الأخير يمكنه أن يخيف أو يضلل الطير، فيبتعد من المحصول، لكن بعض الرجال أصبحوا للأسف لا يخيفون نملة، ليس بسبب عجز بدني، ولكنه العجز النفسي والروح المنكسرة الخائرة .
حالة مأساوية عصية على المعالجة تتمدد كالطوفان كل يوم على مساحة جديدة من مساحات الخير .. والطهر .. والإرث القديم .
ماذا يمكن أن يحدث لو استمر الحال على هذا المنوال؟ كيف سيكون مستقبل مجتمعاتنا، هل ستشبه حينها المجتمعات الأوربية، لا أظن ..فحتى تلك لها قيمها وثوابتها ومنطلقاتها .
الأوربيون لا يكذبون .. مثلاً، ونحن نكذب .
والأوربيون يعملون ويقدسون العمل، ونحن كسالى وغير منتجين إلا في البلاد الأجنبية!
والأوربيون لا ينهبون المال الخاص والعام إلا في دوائر المجرمين و(المافيا)، ونحن نستحل لأنفسنا المال العام ومال من ائتمنونا عليه، ولا عقاب سوى (التحلل) !!
نحتاج .. دولة ومؤسسات مجتمع مدني ومراكز ومعاهد تربوية أن نبحث في مشهد (التلاشي الأخلاقي) الذي صار شخصاً على غالب مسارح الحياة في بلادنا.
{اللهم سلمنا وأحفظ شعبنا من نوائب الدهر ومحدثات الأمور.