بعد رحيلها المفاجي (المجهر) تعيد حوارا أجرى معها في العام 2012م طفلة البئر الشهيرة "أم شوايل"..
العيلفون ــ أمل أبو القاسم
والعربة تنهب الإسفلت في طريقها إلى (العيلفون) حاضرة شرق النيل، حيث تقيم الطفلة (أم شوايل) أو “آمنة بنت وهب” كما تحب أن يطلق عليها، طفت بخاطري لأنقب عن سيرتها التي شغلت الرأي العام منذ أمد طويل.
وقصة “أم شوايل” أشبه بالأسطورة أو بالقصص التي تأتي بها الحكايات الشعبية، وإلاّ كيف يتسنى لطفلة أن تعيش داخل (جب) لأربعين يوماً وسط كائنات غريبة ومؤذية، دون نوم أو زاد، ولولا لطف الله بها، لما خرجت إلى بر الأمان ولما تبقى فيها رمق يجعلها تتحدث إلينا، وتمشي بين الناس بخيلاء وفخر.
(دوخة) خفيفة.. ثمن قليل للنجاة من الموت
وتمضي رواية “أم شوايل” في تفاصيلها الباهرة وتقول: بإسعافات سريعة ومتتالية عادت إليها الحياة مجدداً، ومشت في ركابها كما نراها الآن، رغم أنها ما زالت تحمل بعض الألم في نفسها جراء ما حدث، تعاني من (دوخة) خفيفة تنتابها بين الفينة والأخرى، كما قالت لـ(المجهر)، وأضافت: ما فتئت استخدم بعض العقاقير التي تساعدني على حفظ توازني.
رد الكفالة
وبمساعدة بعض النسوة اللاتي أبدين رغبة في مشاهدتها بعد سطوع نجمها من خلال قصتها، وصلنا إلى بيتها ودلفنا إلى دارها التي أهداها لها أحد الخيرين (سعودي الجنسية)، استقبلتنا جدتها (خالة أمها) السيدة “فاطمة زايد” التي كفلتها بعد الحادثة عقب إحضارها لها بـضاحية (الحاج يوسف)، ثم انتقلت (الخالة) هي وأطفالها للإقامة مع “أم شوايل” في مقرها الجديد من أجل رعايتها.
الخيط الأبيض من الكلام
عند وصولنا كانت “أم شوايل” تغط في نوم عميق، فتكرمت جدتها بإيقاظها، فجاءت إلى مجلسنا بعدها وهي تبدو أكثر حيوية من أي وقت مضى، ظلت تتفرس وجوهنا لبرهة، وكنا نجد صعوبة في فهم إجاباتها، إذ تعاني من بعض التعثر في الكلام، لكن بمساعدة جدتها التي تعرف كل تفاصيل قصتها المأساوية، استطعنا أن نتبين الخيط الأبيض مما ردت به على أسئلتنا.
القتل أو البئر.. خياران أحلاهما مر
والرواية تقول إن “أم شوايل” التي تنحدر من منطقة (أم سنطة) غربي البلاد، وقبل ثلاث سنوات من الآن كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وبينما كانت ترعى أغنام والدها، أضاعت أربعة من القطيع الذي كانت ترعاه بصورة يومية تذهب إلى المرعى صباحاً لتعود بقطيعها مساءً، و”أم شوايل” وحيدة والدها بعد الرحيل المبكر لوالدتها وهي لم تتجاوز عامها الثاني بعد، عاشت في كنف عمتها عدة سنوات، قبل أن تنتقل هي الأخرى إلى رحمة الله، فعادت إلى والدها الذي عاقبها بالتخلص منها ورميها في البئر بعد أن خيرها بينها أو القتل، فاختارت البئر.
حكاية (كورة) اللبن
وعن إقامتها في البئر روت “أم شوايل” لـ(المجهر) بعضاً من الوقائع، منها أن أحدهم كان يأتي لها يومياً بـ(كورة) لبن، وهو ذات الشخص الذي قال لها في الليلة الأخيرة من وجودها في البئر (الليلة أروي ساي، بكرة بجو ناس يطلعوك)، وبالفعل أتى من أخرجوها من (جب) والدها، لكنها لم تر وجه ذلك الرجل مرة أخرى.
وأضافت “أم شوايل” أن ثعباناً كبيراً لازمها في سكنها (تحت الأرض) وكان يكتفي فقط بالنظر إليها، بينما هي جالسة على طمي البئر لا تغمض جفناها أبداً، ومضت قائلة: بعد داك ربنا سخر لي راعياً كان ماراً بالجوار بعد أن سمع استغاثاتي المتكررة.
قطع ضفائرها وأنقذها
وتمضي رواية “أم شوايل” كاشفة هذه التفاصيل المثيرة فتقول: أبلغ الراعي الرجل الشهم “عبد الحي سعيد” الذي أبدى بسالة وشهامة كبيرتين في إخراجها من البئر، بعد أن عمد إلى قطع ضفائرها التي كانت عالقة بـ(غصن شوك) أنشبك فيها حين رماها والدها في قعر البئر التي مكثت فيها إلى أن أكلت (الأرضة) ثيابها وجلدها، ولولا أن سخر الله لها الراعي و”عبد الحي” لكان الأمر مختلفاً جداً.
رحلة التعافي
مرت “أم شوايل” بعدد من المراحل العلاجية في عدد من المناطق والمدن ( أم سنطة ـــ حمرة الشيخ ــ سودري ــ الأبيض ــ الخرطوم)، وفي الأخيرة أجريت لها العديد من التحاليل بمستشفى (البراحة) مجاناً وأثبتت سلامتها، إلاّ من (حصوة) تم استئصالها، لكنها لا زالت تراجع الأطباء لمعرفة أسباب هذا الدوار الذي ينتابها.
بلغت “أم شوايل” الآن ستة عشرة عاماً، حاولت الدراسة بمنطقة خارج العيلفون لكنها اكتفت بعام لصعوبة ترحيلها إلى المدرسة على أن تعاود هذا العام الدراسة داخل العيلفون.
والدها يتصل وترفض الرد
تمارس “أم شوايل” حياتها بصورة طبيعية، بيد أن (المجهر) لاحظت تعثراً في مشيها وحديثها، أرجعته جدتها إلى حمى أصابتها في بواكير عمرها.
وعن والدها كشفت “أم شوايل” أنها عفته وسامحته، فأفرج عنه بعد ثلاثة أشهر من حبسه، رغم أنه وبعد رميها غادر المنطقة، وعندما سأله الجيران عنها قال لهم إنها بطرف أهل والدتها في منطقة (ود حسونة)، واستطردت: لم أره من حينها، بيد أنه هاتفني في الأيام الفائتة، لكنني رفضت الرد عليه.
“أم شوايل” أو “آمنه بنت وهب” كما طلب منها الرجل الغريب أن تسمي نفسها فذبح لها جدها عقيقة بذلك، حتى أن جدتها قالت لنا إن “أم شوايل” تردد دوماً (أي زول يناديني بأم شوايل شكيتو على الله).