الدعوة المتأخرة من الرئيس الفرنسي لـ"البشير".. "عزومة مراكبية"
أعادت إلى الأذهان استفهام العلاقة بين باريس والخرطوم
الخرطوم ـــ محمد جمال قندول
أبرزت وزارة الخارجية، أمس الأول (الاثنين)، في أخبارها التي نشرت بالصحف أن رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” تلقى دعوة مشتركة من الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الهندي للمشاركة في تدشين مؤتمر باريس الدولي بمشاركة (150) رئيس دولة، الذي من المتوقع أن يكون قد التأم، أمس (الثلاثاء)، وعلى ذكر الدعوة التي أعلنتها الخارجية، بدا توقيت الدعوة متأخراً، بحيث يصعب الاستجابة لها، فقد تزامن ابتعاثها من الرئيس الفرنسي مع بدء أعمال المؤتمر، وكأن الداعي قصد أمراً آخر غير مجيء المدعو، وإلا كانت الدعوة قد وصلت في وقت مبكر. عموماً فإن الحدث، يشكل مناسبة لإعادة طرح السؤال المفصلي الذي ظل يُسأل طيلة السنوات الماضية، وهو: هل ما تزال أوروبا في موقفها من السودان؟ وهل كان تأخير الدعوة مقصوداً، بحيث تخرج في شكل (عزومة مراكبية)؟ أم أنها جاءت لظروف لا يعلمها إلا من يجلسون على المكاتب الدبلوماسية بخارجية البلدين؟؟
(1)
موقف الجانب الفرنسي على وجه الخصوص مع الخرطوم، امتاز بنوع من الحدة، خاصة وأن فرنسا من قبل في أحد المؤتمرات، وهو مؤتمر (فرنسا وأفريقيا) قبل سنوات، قدمت الدعوة متأخرة للجانب السوداني، لكنها اشترطت بأن لا يكون القادم هو الرئيس المشير “البشير” كونه مطلوباً من المحكمة الجنائية.
الشيء المحير في دعوة الخارجية التي ترجح بأن الدعوة الموجهة للخرطوم أقرب إلى (عزومة مراكبية)، هو خلوها من التزام واضح من الحكومة الفرنسية، بعدم تسليم الرئيس للمحكمة الجنائية، وهو الموقف الذي اتخذته حكومة جنوب أفريقيا، والتزمت به، على الرغم من كونها طرفاً في اتفاقية روما المؤسسة للجنائية الدولية، فقد التزمت حكومة “جاكوب زوما”، بقرار الاتحاد الأفريقي، واستقبلت الرئيس “البشير”، للمشاركة في اجتماعات القمة الأفريقية الأخيرة في جوهانسبرج، على الرغم من ما واجهته الحكومة من ضغوط داخلية وخارجية. وقد بدا الموقف المبدئي للرئيس “زوما” وحكومة جنوب أفريقا واضحاً وحازماً عندما واجهت الحكومة أمراً أصدرته محكمة جنوب أفريقية لاعتقال الرئيس بناء على دعوة رفعتها إحدى المنظمات غير الحكومية في جنوب أفريقيا، امتثالاً لطلب المحكمة الجنائية الدولية لحكومة جنوب أفريقيا، فقد رفضت حكومة “جاكوب زوما” أن تسلم الرئيس السوداني وأمنت عودته سالماً غانماً إلى الخرطوم، وضربت بقرارات المحكمة عرض الحائط، مثلما وضعت عضويتها في الجنائية الدولية موضع مراجعة.
(2)
مواقف فرنسا تميزت غالباً بالضعف وسوء النية للخرطوم، حيث ظلت على الدوام تحتضن قادة الحركات المسلحة المعارضة حتى اللحظة، وهاجمت الخارجية السودانية في أكثر من مرة فرنسا لإيوائها للحركات المسلحة، وأبدى الناطق باسم وزارة الخارجية “علي الصادق” في وقت سابق احتجاج السودان، مؤخراً، على إيواء فرنسا للحركات المسلحة وقوى المعارضة، مؤكداً بأن الخارجية ظلت تعرب عن احتجاجها على مواقف مماثلة من حكومة باريس على مدى السنوات العشر الماضية.
ورغم تأكيدات الخارجية على الدوام أن علاقة الخرطوم وباريس طبيعية، وأنها من الدول القليلة في الاتحاد الأوروبي التي لديها معها لجنة للتشاور السياسي المشترك على مستوى وزارة الخارجية في البلدين، وهذه اللجنة تعقد اجتماعاً سنوياً بالتناوب بين البلدين، إلا أن ذلك لم يمنع من استدامة علامات الاستفهام أمام علاقة الخرطوم وباريس.
ومن قبل اتهم مسؤول سوداني رفيع، تحدث لصحيفة “الحياة” الإماراتية، في سبتمبر من العام الجاري، فرنسا إلى جانب إسرائيل، بمحاولة خطف طائرة الرئيس السودانية التي كانت تتجه إلى الصين بالعام 2011.
وحسب مراقبين فإن الدعوة التي جاءت متأخرة للخرطوم من فرنسا مقصودة، وذلك لتأييد فرنسا للجنائية الدولية بالإضافة إلى ارتباط أوروبا بشكل عام بالمحكمة، في وقت تأخذ فيه علاقة أوروبا بالخرطوم منحى آخر، حيث إنها تبدو متشددة في تنفيذ قرارات الجنائية على عكس علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، كون الأخيرة غير موقعة على اتفاقية الجنائية.
إن تزامن وصول الدعوة مع احتجاج السودان على استضافة فرنسا للحركات المتمردة، بما ينطوي عليه ذلك من دلالة على توتر في علاقات البلدين، يسمح بالافتراض بأن الدعوة الفرنسية تخلو من خلوص النية.
(3)
العلاقة ليست في أحسن أحوالها.. بهذه الجملة وصف المحلل السياسي، البروفيسور “صلاح الدومة”، طبيعة العلاقة بين البلدين وزاد: (هنالك فتور بائن فيها). وأضاف خلال حديثه لــ(المجهر) إن الدعوة بالفعل جاءت متأخرة، وفرنسا لن تقدم لرئيس دولة تحترمها الدعوة بهذه الطريقة، مشيراً إلى أن الدعوات تخضع للبروتوكولات والمراسم الدولية المعروفة والمعهودة.
ويستند “الدومة” في حديثه إلى أن فرنسا قدمت الدعوة لأكثر من (180) رئيساً لهذه القمة، ولم تقدم دعوة لأي رئيس بهذه الطريقة التي قدمت بها الدعوة للخرطوم في وقت وجيز، من بدء أعمال القمة. ويرى “الدومة” بأن القصد من تأخيرها يحمل وجهين أولهما، أن يرفض الرئيس الدعوة، وبالتالي لن يحضر، وهذا هو المطلوب لباريس على وجه الخصوص والاتحاد الأوروبي على وجه العموم، وإما أن يقبل “البشير” الدعوة ويتم الاعتذار له في اللحظات الأخيرة، وتطلب الحكومة الفرنسية تمثيل السودان بأي مسؤول آخر غير “البشير”، وبالتالي تكون قد ضربت أكثر من عصفور بحجر.
(4)
في وقت كان للقيادي بالمؤتمر الوطني “ربيع عبد العاطي” رأي آخر، مفاده أن العلاقة بين الخرطوم وباريس طبيعية جداً، وأن تقديم الدعوة متأخرة قد يرجع لظروف وطبيعة الدعوة.
واستهجن “عبد العاطي” خلال حديثه لــ(المجهر) وصف الدعوة بــ(عزومة مراكبية)، مشيراً إلى أن أية دولة تحتضن الحركات المعارضة لأنظمتها وبالتالي وجود الحركات المسلحة والمعارضة بباريس لا يؤثر على مجريات الأحداث السياسية بين البلدين. غير أن الناطق الرسمي باسم قوى الإجماع الوطني (المعارضة) “أبو بكر يوسف” له رأي آخر، فقد قال لـــ(المجهر) إنه ليس هنالك جديد يذكر حتى تغير دول الاتحاد الأوروبي نظرتها لنظام الخرطوم، خاصة، وأن الأخيرة لم تمض بجدية نحو السلام واستدامته بالسودان.
وأضاف خلال حديثه، إن الدعوة التي قدمت خالية من الجدية ولها مضمون واحد هو أن فرنسا تعرضت لضغوط لكي تقدم الدعوة للخرطوم، مما جعلها تقدمها بهذه الطريقة، حتى تجد تعقيدات موضوعية.