النشوف اخرتا
اللهم اجعله خيراً
سعد الدين ابراهيم
في مداخلة مع بروف “البوني” في برنامجه الصباحي عالي المشاهدة صباح كل (سبت) في قناة النيل الأزرق عن علو كعب الحزن في الأغنية السودانية، قلت له هذه طبيعة في التراث والثقافة السودانية، فحتى في لحظات الفرح والسعادة والضحك يتبعون ذلك بعبارة: اللهم اجعله خيراً.. وذلك لما تجذر في وجدانهم عن كون هذا الضحك المنبثق عن السعادة ربما يكون خصماً من رصيد السعادة المأمولة في المستقبل.. كأنما السعادة والضحك « كوتة» محددة ينبغي عدم تبديدها بالإفراط فيها وهذا يجيء من عدم القدرة على التحكم في المستقبل الذي هو رهن الغيب والأقدار.وإذا ربطنا ذلك على سبيل المثال بالتحول الذي شهدته بلادنا في النزوع نحو الحرية الاقتصادية.. وما نجم عن تحرير الاقتصاد من مشاكل وغلاء وانخفاض سنوي للدخل، وكان ذلك يؤدي بالضرورة إلى تراجع دور الدولة الاجتماعي حيث لم يعد «الميري» مغرياً للتمرغ بترابه.. يفرض ذلك أعباء جديدة على الفقراء وقد أصبحوا أغلبية.. بجانب القدرية التي تشكل نفسيات معظم السودانيين مما يجعلهم ينظرون إلى الفرص التي تنتجها الحرية الاقتصادية بعيداً عن العلم والخبرة إنما هي من تصاريف القدر والقسمة والنصيب لذلك ينبغي التخوف منها.. إذن ستظل عبارة اللهم اجعله خيراً بعد لحظات السعادة أو الضحك هي السائدة.
يقضي بنا ذلك إلى عبارة أخرى تتمثلها دائماً وتقول: «جناً تعرفو ولا جناً ما تعرفو» مع أنه ليس بالضرورة أن يكون الأمر المعرف أفضل من غيره خاصة وهو في علم الغيب، وهذه العبارة تقف حجر عثرة أمام التغيير وتسنم الشباب للقيادة فيرى حسب ذلك معظم الناس أن يستمر كل مسؤول في منصبه ولأطول فترة لأن هذا يجعله أكثر خبرة ومن ثم أكثر كفاءة.
مع أن التحديث وضرورة التغيير ترى في التجديد واختيار مسؤولين شباب ينشط الأداء.. كأنما استقرار القدامى يعدّ ضرباً من الجمود.. عموماً هذا المثل الشائع يعني رفضاً للتغيير وقر في أذهان البعض بأن تغيير المسؤولين بالذات السياسيين ينتج بالضرورة اضطراباً وتدهوراً.. مع أن الشواهد ترى في الاستئثار بالمناصب لفترات طويلة لا يزيد الكفاءة ولا ينمي القدرات، بل التغيير يعني تحسين الأداء وتنشيط العمل السياسي لأن استمرار المسؤول في المنصب لمدة طويلة يجعل السلطة تتركز في يده وجعل سير العمل مرتبطاً بشخصه.. فيقر في الأذهان أنه لا يمكن الاستغناء عنه بل يستحيل ذلك مع أن القبور ملأى بالذين لا يمكن الاستغناء عنهم.
عموماً، بين خوفنا من الخصم من رصيد السعادة حين نعقب الضحك بعبارة اللهم اجعله خيراً.. وإيماننا بأن “جناً تعرفو أخير من جناً ما تعرفو” تكمن لافتة كبيرة عنوانها ضد التغيير مع أن التغيير قد يكون للأفضل.