تقارير

تسريب "السموأل" الصوتي.. أسئلة ليست للإجابة

أثار ضجة.. وقياديو الوطني يرفضون التعليق
تقرير- محمد إبراهيم الحاج
لم تعد وسائط التواصل الاجتماعي مجرد حلقات ترفيهية لتبادل (الونسات) و(التعارف) أو لتبادل المعلومات، لكن أهميتها تصاعدت لتؤشر على دور خطير للغاية يمكن أن يتسبب في كثير من المواقف السياسية والاجتماعية الخطيرة، ونقل المستندات بالغة الأهمية، لكن كل هذه الأدوار تتضاءل أمام قدرة تلك الوسائط على أن تقتحم خصوصية الناس وتنقل عن البعض ما يقوله في مجتمع صغير  ومغلق ولعدد محدود جداً من الناس، ليسمعه أو يراه كل الناس، وكثيرون أدركوا الدور الكبير الذي تقوم به تلك الوسائط، ومن ثم كان حذرهم معها مضاعفاً يصل إلى حد عدم التعامل معها بشكل قاطع.
طوال اليومين السابقين، تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي حديثاً بالغ الأهمية لوزير الثقافة السابق، “السموأل خلف الله” انتقد فيه كثيراً من سياسات الحكومة التي ظل أحد متنفذيها منذ قيامها، وظل يقوم خلال تلك الفترة بدور مهم للغاية بربط قبيلة المبدعين والمثقفين، بالهم الإيديولوجي للحركة الإسلامية، لكن حديث “السموأل” الذي تسرب وتناقلته الوسائط على نطاق واسع وأصبح حديث المجالس، حتى تلك التي لا تربطها علاقة كبيرة بالسياسة، أضحى قاسماً مشتركاً في أغلبها.
{ (ونسة) تذاع جهراً
بدا من النبرة التي تحدث بها “السموأل” لمن عمل على تسجيل التسريب الصوتي له، بأنها نبرة (ونسة) تلقائية وليس بها معالم  خطاب رسمي، وظهر ذلك واضحاً من عدم تركيز المتحدث على وحدة موضوعه، وإن بدا أكثر حماسة. وهو أمر لم يعرف عن المتحدث الذي يعرفه القريبون منه أكثر ضبطاً لكلامه ودقة،  بالإضافة إلى قدرة كبيرة على الخطابة، ولاحظ المستمعون للتسريب الصوتي أن من يتحدث معه كان يسعى إلى (جره) لفتح مواضيع بالغة الدقة والحساسية، ورغم أن “السموأل” كان رأيه حول بعضها مجرد (ملاحظات عابرة)، إلا أنها كانت كفيلة بأن توضح رأيه الواضح حولها.. “السموأل” قال في التسريب الصوتي (الآن لا يحكم السودان المؤتمر الوطني، ولا الحركة الإسلامية، والبنشوفهم في المؤتمر الوطني الآن، نحن لا نعرفهم أصلاً)، وأضاف: (بكون في اجتماع سري بكون فيهو عشرة أشخاص وفيهم واحد شيوعي، أنا بعرفو، وبقول أخوكم في الله). 
وأوضح “السموأل” في حديثه، الذي يبدو أنه تسرب بدون علمه، أن الحركة الإسلامية كانت نسبتها في الحكومة (90%) من العاملين فيها، لكن تضاءلت النسبة حتى أصبحت (30%)، بسبب الاتفاقات التي قلصت نسبة حزب المؤتمر الوطني في الوزراء ووزراء الدولة. وانتقد، ضمن التسجيل، مؤتمر الحوار الوطني الدائر الآن وقال: (الحوار ده ونسة ساي، وح تتكون حكومة يبعد منها المؤتمر، وتتقلص نسبة مشاركته فيها إلى 10%)، ووصف في الوقت ذاته  نفسه في فترة تقلده منصب وزير الثقافة بأنه كان (قاعد في الرصيف)، وليست لديه كلمة، ولا يخطرونه للاجتماعات، وأضاف: (وشغال في شغل الثقافة)، منتقداً بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة، وضمنها الاتحادي الديمقراطي، وقال إنها تعمل (بتأشيرات من الخارج).
رغم عدم الوحدة الموضوعية لحديث “السموأل”، الذي تأكدت (المجهر) من نسبته إليه، إلا أنه حوى آراء بالغة الحساسية حول حزمة قضايا، أهمها ما علق عليه القيادي بالمؤتمر الوطني د. “ربيع عبد العاطي”، الذي تحدث لـ(المجهر)، أمس، بتساؤله عن هل هذا التسريب موجه، أم جاء في إطار حديث وتم نقله على غفلة؟ مشيراً إلى أنه لم يجد إجابة على هذا السؤال، ثم واصل بقوله: (إذا تجاوزنا هذه النقطة من حيث المضمون، فإن كان يرى أن هناك ضعفاً في الحركة الإسلامية أو الكوادر، فإن هذا الحديث لا ينشر ولا يوجه من الأساس. وهذا الأمر مربوط بالإجابة عن السؤال، وإن كان الحديث موجهاً بنية  فإن السموأل قد أخطأ). وأضاف: (مثل هذا الحديث يقال في منابره)، وتابع د. “ربيع”: (النظر إلى مفردات ومضامين ما ذكر لا يحس الشخص تجاهه إلا بالغضب، هو لا يناقش أحداً، لكنه يقول رأيه، وهو يعبر عن ردة فعل غاضبة، حتى لو كانت صحيحة.  والغضب دائماً يولد جزءاً كبيراً جداً من الخطأ، حتى إن كان مع الغاضب الحقيقة، فهو سيكون على باطل، وأعتقد أن رأي السموأل فردي وشخصي، وهو بعيد عن المنظومة، وكلما كان الحكم الصادر من الشخص فردياً، فإنه يتجاوز القواعد التي تصدرها المنظومة، وإن كان المتحدث- أي السموأل- لا يزال تابعاً لتلك المنظومة ويحترم قواعدها وأحكامها، فهو قد جانب الصواب).
{ هل يوجد (غواصات) داخل المؤتمر الوطني؟
كثير من القوى السياسية تتهم المؤتمر الوطني بأنه يزرع (غواصات) بداخلها ولكن أن يأتي أحد رجالاته، ويقول إن هناك (شيوعي) يشارك في اجتماعات سرية للغاية، يحضرها نحو (10) أشخاص فقط، فإن الأمر هنا يبدو منقلباً تماماً عن المألوف، ولكن د. “ربيع عبد العاطي” يعتقد أن المؤتمر الوطني مؤسسة كبيرة تضم الملايين بداخلها ويمكن لأي شخص أن ينضم إليها، ولا يزال لم يتخلص من كل أفكاره القديمة، وهو أمر عادي للغاية (نحن لا نعتقد أن يخلع شخص ما عباءة أفكاره بين عشية وضحاها، لأن الأفكار لا يتم استبدالها بهذه السهولة)، مشيراً إلى أن مسألة الاختراق لديها الجهات المسؤولة عنها داخل التنظيم، وهي المعنية بفحص المعلومات وتحليلها ومن ثم تحدد العدو الذي يسعى إلى إحداث (خرق) بداخل المكتب، ومن ثم إغلاقها.
{ هل تحكم الحركة الإسلامية الآن؟
ربما حديث “السموأل” عن أن الحركة الإسلامية فعلياً خرجت من حكم البلاد، هو أمر ليس جديداً، وسبق أن نبه له كثير من قادة الفكر الإسلامي الذين خرجوا مغاضبين من المؤتمر الوطني الحاكم، ومضى بعضهم إلى تكوين أحزاب سياسية موازية يعتقدون أن لها القدرة على العودة إلى الحكم بالأفكار الإسلامية.. وحديثه الذي يقول فيه إن الحركة الإسلامية خرجت فعلاً، وإن الموجودين الآن لا يعرفهم، يعتقد د. “ربيع عبد العاطي” أن توصيف (دخلاء) على الحركة الإسلامية مسألة نسبية.. وهو أمر يرفضه تماماً القيادي بالمؤتمر الوطني د. “عبد الرحمن الخليفة” بقوله لـ(المجهر): (بالنسبة لي ليس العقبة أن تكون الحركة الإسلامية هي الحاكم الفعلي لكن في أن يكون مشروعها هو المطروح وإذا تبناها أي شخص لا نشكك في أخلاقه)، وأضاف إن الحديث عن أن الحركة الإسلامية تصبح حاكمة يصبح (تطفيفاً)، لافتاً إلى أن هناك من ارتد عن فكرته.
 تسريب “السموأل” تم تداوله على نطاق واسع للغاية، ومع تعدد الوسائط وكثرتها بدا أنه أصبح الحديث الغالب في كل المجتمعات.. ومع التأكيدات التي تحصلت عليها (المجهر) من أن “السموأل” لم ينكر الحديث المنسوب له، إلا أن ثمة أسئلة متتابعة أثيرت حول هذا التسريب الذي يمكن أن يحظى باهتمام بالغ في أروقة المؤتمر الوطني، هذا الاهتمام بدا في رفض عدد من قادة الحزب الحديث حوله منهم د. “عبد الرحمن الخليفة” نفسه الذي قال إنه لن يلتفت إلى حديث (المديدة حرقتني)، فيما آثر د. “الدرديري محمد أحمد” عدم الخوض في تفصيلات أي من المحاور التي وردت ضمن سياق التسريب الصوتي، وبدا لافتاً أن الكثيرين في انتظار ما يمكن أن تسفر عنه الأسئلة المتناسلة التي وردت ضمناً في حديث وزير الثقافة السابق. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية