فوضى التصريحات
مرة أخرى يتقمص موظف خدمة مدنية شخصية وزير الخارجية والداخلية ويرتدي بزة مدير جهاز الأمن، ويجعل من نفسه المسؤول الأول الذي يكشف ما خبأته السلطات عن الشعب لمدة عامين كاملين.. لكن حان وقت مواجهة الشعب بالحقيقة المرة التي ينطق بها شخص اسمه “محمد مصطفى السناري” وموقعه معتمد اللاجئين بالخرطوم..أي (الولاية) وليس الخرطوم الدولة.. “السناري” يكشف معلومات عن مشاركة اللاجئين الجنوبيين وضلوعهم في أحداث سبتمبر 2013م، تلك الاحتجاجات الشعبية على زيادة أسعار المحروقات وقد انحرفت الاحتجاجات لأعمال عنف وقتل وحرق وإتلاف للممتلكات العامة.. وذهبت تلك القضية لأضابير مجلس حقوق الإنسان وكادت أن تهوي بالسودان إلى بند الوصاية ووفود وزارة العدل والخارجية غافلة عن وجه آخر للأحداث بأن بعض المشاركين فيها من الأجانب.. لكن الأجهزة الحكومية لم تشأ الكشف عن تلك الحقائق طوال العامين المنصرمين، ليأتي السيد “السناري” أخيراً ويقول ما عجزت عن قوله وزارة الداخلية والعدل التي حققت في الأحداث وأخفت عن الشعب معلومة مشاركة اللاجئين الجنوبيين فيها.. لكن السيد “مصطفى السناري” يذهب في حديثه إلى وجود (60) ألف أسرة جنوبية بالأراضي الخرطومية تسعى السلطات لترحيلها لمناطق جبل أولياء.. وكأن جبل أولياء ليست جزءاً من الخرطوم التي يسعى أمثال “السناري” لتنظيفها من الجنوبيين الذين كانوا جزءاً منا، بل بعضهم يحمل الجنسية السودانية.
وعلى ذات النسق يهاجم معتمد محلية أمبدة “عبد اللطيف فضيلي” الجنوبيين ويقول إن مناطق وجودهم أصبحت مصانع للخمور والدعارة.. الشيء الذي يوحي بأن حكومة ولاية الخرطوم تسعى لاتخاذ تدابير جديدة في مواجهة الجنوبيين الذين لم (يأتوا) للخرطوم إلا بعد أن فتح الرئيس “عمر البشير” أبواب السودان لاستقبال الجنوبيين الفارين من الحرب.. وأصدر الرئيس قراراً معلناً بعدم معاملة الجنوبيين كلاجئين أجانب، بل معاملتهم مثلما كانوا قبل الانفصال، لكن ولاية الخرطوم عبر حكومتها (ناوية) على فعل ما.. وملاحقات بحق اللاجئين الجنوبيين.. المغلوبين على أمرهم.
لو صحت مزاعم “فضيلي” معتمد أم بدة بأن مناطق سكن الجنوبيين قد أصبحت مصانع لإنتاج الخمور فإن مناطق سكن المعتمد “فضيلي” وغيره في الرياض والمهندسين وأركويت هي مناطق استهلاك ما ينتجه الجنوبيون في الأطراف، بل الخرطوم تستهلك خموراً أخرى مثل (الجن الحبشي والفودكا الروسية والانشا والبيرة).. وربما لا تنتج مصانع الجنوبيين إلا قليل من (العرقي) المر و(المريسة الغبشاء) والأخيرة هي خمر المساكين المغلوبين على أمرهم.. وربط الجنوبيين بالخمور والدعارة فيه تجنٍ على الأبرياء ممن لا يعاقرون الخمر ولا يقتربون منها.. وولاية الخرطوم لم يضق صدرها بطبيعة الحال بالمصريين الذين (اعتدوا) على السودانيين في شوارع القاهرة.. وهنا يمارسون كل أنواع التجارة الحرام والاستهبال وجمع المعلومات والتجسس، لكن ولاية الخرطوم تغض بصرها عن المصريين كما تغض بصرها عن الإثيوبيين وكل القادمين من القرن الأفريقي، وتتحرش بالجنوبيين، بالإساءة إليهم بلغة جارحة، والفريق “عبد الرحيم محمد حسين” في أيامه الأولى تحدث غاضباً على النازحين السودانيين الذين أرغمتهم الحروب والنزاعات التي تطحن الأطراف على الهروب من الجحيم إلى عاصمة بلادهم وهم يقطنون في التخوم البعيدة ويعيشون ظروفاً بالغة السوء.. ووالي الخرطوم يتوعدهم بالويل والثبور والعودة من حيث جاءوا.
ولاية الخرطوم لها كامل السيادة على أرضها.. لكنها لا تملك حق طرد من وجه الرئيس باستضافته لأسباب إنسانية، ولا تستطيع ولاية الخرطوم أن تجعل من نفسها وزارة عدل وجهاز أمن تحدد من خلال موظفيها أن (الأجنبي الفلاني) كان مشاركاً في أحداث القتل التي حدثت قبل عامين.. كل ذلك لتهيئة الرأي العام لقبول ما هو قادم من إجراءات بحق اللاجئين الجنوبيين!!
ونتساءل.. ما هي علاقة تصريحات المسؤولين في ولاية الخرطوم بما ورد من النيل الأبيض عن دخول قوات جنوبية لمنطقة “جودة الفخار” الأسبوع الماضي؟؟ وهل طرد القوات الجنوبية من “جودة الفخار” يبدأ بطرد اللاجئين الجنوبيين من الخرطوم؟!