من حتى !
مما يروى ولست أدري صحة الرواية من عدمها أنه وفي ذروة ثورة الشعب ضد حكومة الرئيس الأسبق الفريق “إبراهيم عبود”، قالوا إن اللواء “طلعت فريد” طالب الحكومة بمنحه فرصة لإعلان مباراة بين الهلال والمريخ، كانت ستتكفل بامتصاص انتباه الشارع العام إلى حدث آخر خلاف التظاهرات والحراك السياسي مما قد يطفئ بارود الأزمة .
رؤية “طلعت فريد” كانت تقول إن انشغال الناس بإعداد الفريقين ثم أجواء الترقب يوم المباراة وقبلها والجدل الذي سيعقب نهايتها، كان كفيلاً بصرف الناس عن التجاذب مع الحكومة وفي مقدمة هؤلاء طلاب الجامعة !
وقالوا إن الاقتراح كان مزحة أو مبادرة لم ينتبه إليها أحد وربما كان الأمر برمته حديثاً موضوعاً، ولا أساس له من الصحة .
تذكرت المثال والقصة وأنا أترصد تداعيات أزمة الموسم الرياضي بالبلاد حيث تجولت (كرة القدم) بين البرلمان ورئيسه ولجنة جودية قوامها نفر من الدبلوماسيين المتقاعدين والوزراء والسفراء، هذا بغير خلاف (ليليات) الصوفية ونقاشات الحزبيين والأجهزة الأمنية التي تدخلت غير مرة بالتحذير ! والغريب أنه وبينما أوقفت كرة القدم والأزمة البلاد (على رجل واحدة) فإن أطرافها والمتسببين فيها لم تتأثر حياتهم وأنشطتهم، وبالعكس فقد وجدوا أضواء إعلامية وحضوراً محيراً فلا حديث للمجالس الخاصة والعامة، الرجالية أو النسوية إلا الأزمة والحرب المنتظرة بين اتحاد الكرة ونادي الهلال والأطراف الأخرى. وبالطبع كان كله (جخ) انتهى بجمعية عمومية أرضت كل الأطراف المتصارعة وهذه بعض من كرامات هذا الوسط الرياضي الغريب.
وتراجعت تماماً أي اهتمامات بالقضايا الأخرى من مسائل الخدمات إلى حوادث (الركشات) وأزمة المياه ببعض أنحاء العاصمة وقضية الحوار الوطني، أو مؤتمرات حزب الأمة أو المؤتمر العام للحزب الشيوعي وماذا حدث بين السكرتير العام والذين أوقفهم مؤخراً ؟
كلها مسائل صارت لا تحظى بمتابعة وغطى تماماً عليها حدث افتعل بشكل صبياني وأخشى أن هالة البطولة والأضواء فيه ستغري بعض أطرافه بمواصلة المزاح الفج وإثارة الجلبة، لأن الأمر عنده مثل مباراة استعراضية لجلب التصفيق وتبادل الكلمات وسط حضور حاشد، تؤدى أمامه مباراة استعراضية فيها فقرة لركلات جزاء، حيث يدخل الوزراء والكبراء إلى الملعب بقطافينهم وأقمصتهم ووجوههم الصقيلة ثم يركلون الكرة ركلة (شتراء)، فتدخل الشباك فيضج الملعب المنافق من روعة الركلة وهي آية في القبح وسوء التنفيذ لكنه تملق الكبار .
الأزمة التي قيل إنها حلت ولكنها لم تحل ربما تثبت على أي حال أننا عشوائيون ونمارس نزقاً في العمل العام مخجل بشكل عظيم، وهي تثبت كذلك أن البعض في هذا الوسط يبحث عن شهرة بافتعال المشاكل، وكأنما قدر هذه الأمة ألا تكتفي من مفتعلي ومشعلي الحرائق في السياسة لتمتد المسألة إلى الوسط الرياضي، ولست أدري هل الأمر مصادفة أم عمل مقصود، لكن على كل حال فثمة شيء من حتى.